كيف انتشرت الوهابية في مصر
د. سامح عسكر:
شرحت ذلك في مقالات قديمة ودراسات مفصلة خلاصتها أنها بدأت مع مجلة المنار لمحمد رشيد رضا ثم تعززت بظهور الجمعيات الدينية أوائل القرن 20 ثم انتشرت جدا مع الانفتاح وسفر المصريين للخليج..
وأضيف شئا مهما جدا
فشل الثورة العرابية نهاية القرن 19 أدى لفقدان التدين الشعبي ظهيره العسكري، والتدين المصري الشعبي السائد طوال القرون الوسطى حتى منتصف القرن 20 كان هو (التدين الصوفي) تحديدا صوفيين النزعة الغنوصية الروحانية وعشاق الحفلات والأضرحة..وهؤلاء من أشد خصوم الوهابية الذين قاوموا حركة ابن عبدالوهاب في الحجاز أيام الشيخ زيني دحلان..
بسقوط عرابي سقطت القوة الغاشمة التي كان يعتمد عليها وجهاء الصوفية ونخبتهم ، ولولا هذا السقوط ما نجح رشيد رضا في التبشير بالوهابية في مصر واعتبرت كتاباته خطرا على الدين المصري
سنلاحظ أن هذا التاريخ تحديدا ..أوائل القرن 20 بدأت الجمعيات الدينية في العمل، كالجمعية الشرعية وأنصار السنة وأنصار الدعوة..ثم جمعية الإخوان المسلمين..كل هذه الجمعيات ما كان لها أن توجد في ظل تدين شعبي صوفي معارض لفكر ابن تيمية
علما بأن هذه الجمعيات عند نشأتها لم تكن سلفية بالمطلق..لكنها جمعت بين الصوفية والسلفية معا في صورة (دعم الحاكم والدعاء له) يعني أخذوا من المنهجين طاعة ولي الأمر الذي كان وقتها هو (الملك والاحتلال الإنجليزي) ولم يهتموا بالصراع بين المنهجين أو تحرير ثوابتهم ومناقشة المختلف عليه وإلا انشقوا وانتهت جمعياتهم في المهد..
وحركة الإخوان المسلمين أبرز مثال لذلك، فهي بدأت صوفية سلفية معا..ثم أخذت طورها الطبيعي مع المجتمع لتتحول إلى تنظيم وهابي في السبعينات، وفي كل مراحل نشأتها وتطورها لم تهتم بمناقشة الخلاف الصوفي السلفي..وقدمت نفسها بصورة (المُقرّب) بين المنهجين..وانشقاقها حدث منذ الوقت الذي قررت فيه الجماعة أن تصبح وهابية محضة وتعلن كفرها بالتصوف ومبادئه وثقافته..
التحول بدأ عمليا في حقبة الملك عبدالعزيز ونشر كتب ابن تيمية وابن عبدالوهاب في موسم الحج، ثم انتشر بسرعة في السبعينات مع سفر المصريين للخليج والعلاقة الجيدة بين الملك فيصل والرئيس السادات..ثم تمكن تماما في زمن مبارك حتى أنه يمكن وصف ال 10 سنوات الأخيرة في دولة مبارك أنها (دولة مصرية وهابية) كل شئ فيها ينطق بأصول المذهب الوهابي من تكفير ومصادرة وإقصاء ومنابر متشددة وقنوات فتحت كتب التراث على الناس..
وغاية ما حدث أنه تم إحياء فكر المشبهة والجبريين في صورة إحياء فكر ابن تيمية الذي هو بدوره أحيا تشبيه الحنابلة الأوائل كابن خزيمة والبربهاري والدارمي..وهؤلاء الثلاثة من أعتى مشبهي الحنابلة الأوائل وتكفيرييهم في العصر العباسي الثاني، ويمكن اعتبار أن فكر ابن تيمية العقائدي نسخة طبقة الأصل من هؤلاء..بل نقل من كتبهم حرفيا خصوصا البربهاري في كتابه شرح السنة..
بصعود الوهابية لم يحيوا فقط فكر ابن تيمية ولكن أعادوا الاعتبار لزعماء الحنابلة الأوائل بعدما سادت قناعات في مصر على أن هؤلاء مبتدعة وزنادقة ، وبضعف التدين الشعبي الصوفي المصري صعد هؤلاء كبديل ليتم تحريم الموالد والأضرحة لاحقا ويتغير الذوق المصري من الاحتفالات والغناء والفنون إلى المحافظة والتشدد والكتمان
إضافة تعليق جديد