استنساخ الرقص الشرقي
يعود الرقص الشرقي الى مقدم اهتمامات منتجي السينما المصرية، وإن تطلّب الأمر إلباس نجمات السينما «بدلات الرقص» وإن يستطعن أداء الرقصات بحرفية كالراقصات المحترفات، مثلما حدث أخيراً مع نيكول سابا ومي عز الدين في فيلميهما اللذين يعرضان حالياً.
- برز الرقص الشرقي في السينما المصرية منذ بداياتها، لكنه وصل الى «مجده» أواخر أربعينات القرن الماضي. من طريق تحية كاريوكا وسامية جمال، أشهر الراقصات - الممثلات إطلاقاً، وظل التنافس بينهما حتى نهاية الخمسينات. ومنذ ذلك الثنائي، لم تأت راقصة مصرية تستطيع لعب أدوار بطولة سينمائية ناجحة، فمعظم الأفلام بعدهما، كانت تستعين بالراقصات من أجل أداء رقصة أو دور إغراء أمام البطل لا أكثر ولا أقل، وكانت هناك محاولات من الراقصة لوسي لم تستمر، وحاولت فيفي عبده لكن الزمن لم يسعفها. والآن لم تبق راقصات نجمات يمكن الاعتماد عليهن في أدوار تقودهن الى البطولة.
ربما كانت دينا الراقصة الوحيدة التي تعتبر استثناء، فهي الراقصة النجمة الوحيدة التي بدأت مشوارها في التمثيل الى جانب الرقص، ولها أعمال تلفزيونية وسينمائية ومسرحية قادتها أخيراً الى بطولة سينمائية مشتركة حققت فيها نجاحاً، وذلك في فيلم عليّ الطرب بالتلاتة»، مع المغني الشعبي سعد الصغير. فحقق الاثنان في أغنية «العنب» ورقصة دينا، نجاحاً غير مسبوق، ما جعل دينا على أعتاب الانفراد ببطولات سينمائية مقبلة. وهي قادرة كممثلة جيدة وراقصة نجمة، ان تحقق معادلة نجاح سامية جمال وتحية كاريوكا مرة أخرى، فهل تنجح وتستفيد من رغبة المنتجين وعدم وجود غيرها في الساحة؟
ومع وجود رغبة في تقديم أفلام قائمة على الرقص الشرقي، قرر المنتجون إلباس نيكول سابا ومي عز الدين «بدلات» رقص شرقي، وبناء أفلام الى جانب مغنين شعبيين. فظهرت نيكول سابا التي عرفها الجمهور مغنية تؤدي أحياناً رقصات غربية، في شكل راقصة شرقية ومطربة أفراح شعبية - على رغم ملامحها الأوروبية - مع المغني سعد الصغير أيضاً في فيلم «قصة الحي الشعبي». ويبدو أن رغبتها في الحضور السينمائي، دفعتها الى تقبل أي نوع أو مستوى من الأعمال الفنية، على رغم تأكيدها سابقاً، عقب تمثيلها مع عادل إمام في فيلم «التجربة الدنماركية»، أنها ستنتظر أعمالاً وتضيف الى تجربتها بعد البطولة التي جاءتها مبكراً، لكنها لم تستطع.
أما الممثلة مي عز الدين التي عرفها الجـــــمهور رومانسية حالمة وهادئة، فظهرت فجأة في فيلم «أيظن» راقصــــة شرقية، ترتـــــدي «بدلة» رقـــص لتهز وسطها مع المغني الذي دفعه المنتجون ليــــنافـــس سعد الصغير، وهو عماد بعرور. فجاءت رقصاتها كزميلتها السابقة، مضحكة ومستنسخة من راقصات شرقيات.
وعلى رغم ان الرقص الشرقي فن، إلا انه يتحول غالباً الى استعراض لجذب الجمهور الى أفلام معينة. واستطاعت رائداته في السينما، مثل سامية جمال وتحية كاريوكا، إدخاله الى السينما كفن ممتع، ونالتا من خلاله أدوار بطولة أمام أهم نجوم السينما المصرية. فالأولى (جمال) استطاعت المزج بين الرقص الشرقي والغربي، لتعمل على إبهار المشاهد في الموسيقى والملابس والتابلوات، ونجحت في تقديم ثنائي فني مع فريد الأطرش ورشدي أباظة وكمال الشناوي وأنور وجدي ونجيب الريحاني، ليبلغ عدد أفلامها نحو 50 أشهرها «حبيب العمر» و «أحمر شفايف» و «زنوبة» و «عفريتة هانم».
أما الثانية (كاريوكا)، فلم تكن أقل نجاحاً وموهبة من الأولى، إذ حققت شهرتها من خلال أدائها رقصة «الكاريوكا» التي اشتهرت بها حتى حملت اسمها. وعملت على إعادة الـ «هارمونيا» الشرقية القديمة في الرقص، وهو الأسلوب الذي تأسست عليه مدرسة كاملة، في مقابل مدرسة سامية جمال. ومن أشهر أفلامها: «لعبة الست» و «شباب امرأة»، ومسرحيات: «يحيا الوفد» و «روبابيكيا». وتميزت تحية عن سامية بأنها ظلت تمثل بعد اعتزالها الرقص سنوات طويلة، ولعبت كثيراً دور الأم.
ودفعت شهرة كاريوكا مفكراً عالمياً مثل ادوارد سعيد الى أن يكتب مقالاً عنها، جاء فيه: «لم تكن تحية كاريوكا راقصة جميلة فحسب، وإنما كانت فنانة لعبت دوراً مهيمناً في تشكيل الثقافة المصرية. بل ان شخصيتها أثرت في إحدى روائع المسرح الاميركي، وهي مسرحية «ذات يوم شرقي»، وفيها تقدم شخصية تحية، ولكنها لا تظهر على المسرح».
وهكذا، كانت الراقصات فنانات، يملكن موهبة و «ثقافة». كنّ يرقصن على أنغام محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش... فأصبحن يرقصن اليوم على نغمات سعد وبعرور!
أحمد فرغلي رضوان
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد