مناطق السكن العشوائي وفقدان الهوية
تعتبر الزيادة السكانية في سورية من النسب العالية عالمياً حيث ازداد عدد السكان بمعدل سنوي مقداره 2.7% حتى عام 2000، و2.4% خلال الفترة 2001 الى 2003 وتشير الاحصاءات الى ان عدد السكان الريفيين قد بلغ 8.7 مليون نسمة عام 2003 حيث يشكل 50% من العدد الكلي للسكان كما يشكل عدد العمال الزراعيين حوالي 30% من اجمالي عدد السكان.
ونتيجة للزيادة الكبيرة في معدل النمو السكاني ازدادت حاجة السكان للمواد الغذائية الأمر الذي أدى الى استغلال سريع وغير متوازن للموارد الطبيعية المحلية والى حدوث خلل في التوازن البيئي الكلي وأثر هذا الخلل البيئي في انقلاب الظاهرة السكانية الى مشكلة بيئية ذات أبعاد تنموية وثقافية تتمثل بعدم توازي الحاجات السكانية الغذائية وخدمات البنية التحتية كالتعليم والصحة من جهة مع نتاج البرامج الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى.
تدل الاحصاءات إلى أن معدل نمو السكان في المدن والمناطق الحضرية يفوق مثيله في الريف وتلاحظ الزيادة السكانية للحضر من خلال التضخم المتزايد في حجم المدن وتحول الكثير من المراكز الادارية الريفية الى مراكز حضرية ويعزى ذلك الى التغيرات الاقتصادية المترافقة مع اقامة المشاريع الصناعية والخدمية وهذا أدى الى اعادة توزيع القوى العاملة لصالح القطاع الصناعي والخدمي على حساب القطاع الزراعي، ما فرض ضغوطاً متزايدة على الموارد البيئية.
تشير أرقام التوزع السكاني الى تفاوت كبير في كثافة السكان بين مختلف المحافظات فمثلاً كانت كثافة السكان في محافظة دمشق عام 2004 أكثر من /13/ ألف نسمة في كم2 مقابل /30/ نسمة في محافظة دير الزور، وبالمقابل تملك محافظة دير الزور مصادر أوفر للمياه والنفط.
تتعرض البيئة المحيطة بالمدن السورية، والتي يقع بعضها في مناطق جافة أو شبه جافة، أو تحيطها مناطق تدهور الغطاء النباتي منها اضافة الى الغبار والعوالق الهوائية الناتجة عن حت وتعرية التربة كذلك الانبعاثات الناتجة عن الأعمال الانشائية داخل تلك المدن وعلى أطرافها مثل ورش مواد البناء ومناشير الرخام وصناعة البلوك، وما يزيد من أثر هذه الانبعاثات عدم وجود أحزمة خضراء حول تلك المدن، وانخفاض مساحة المسطحات الخضراء والحدائق والمنتزهات.
كما أن لطبيعة المدن من الناحية المعمارية دوراً هاماً في زيادة نسبة الملوثات فيها حيث الشوارع الضيقة وعدم وجود مواقف كافية للسيارات التي تشكل ضغطاً اضافياً لإشغال الطرقات بشكل دائم وبخاصة في الأجزاء القديمة ومناطق السكن العشوائي ذات المرافق البدائية والازدحام السكاني الكبير والتي تعوق الكنس الهوائي وتبديد الملوثات بشكل طبيعي.
تشهد مناطق السكن العشوائي توسعاً كبيراً حول المدن وهذا مايشكل مشكلة كبيرة في سورية وخاصة في دمشق وحلب وتقدر الاحصاءات أن مايزيد عن 30% من عدد سكان المناطق الحضرية تعيش في تجمعات السكن العشوائي حيث تعد مناطق السكن العشوائي مناطق مرتفعة الكثافة السكانية وتبلغ وسطياً حوالي 400 شخص/ كم2 وقد تصل الى مابين 700 و800 شخص/هكتار، بالمقارنة مع كثافة سكانية قدرها 266 شخصاً/ هكتار في المناطق النظامية.
وتفتقر المنازل في مناطق السكن العشوائي الى شروط الحياة الأساسية الضرورية لحياة سليمة وغالباً ماتكون نوعية الهواء سيئة داخل وخارج المنازل وبعضها لايوجد لديها شبكات صرف صحي وشبكات مياه شرب نظامية وينتج عن ذلك تفشي الأمراض المنتقلة عن طريق المياه مثل الكوليرا والتيفوئيد والاسهالات وكذلك فإن مناطق السكن العشوائي في مدينتي دمشق وحلب تتصف ببنية فيزيائية ذات طابع نمو عشوائي، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على القيمة التراثية لهذه المدن العريقة.
ويعتبر السبب الرئيس لنمو مناطق السكن العشوائي هجرة السكان من الريف الى المدينة وبمجرد وصولهم يقوم هؤلاء ببناء منازل عشوائية لأسباب منها الكلفة المرتفعة للأراضي في مناطق السكن النظامية بالمقارنة مع الأراضي الزراعية، والفقر وعدم القدرة على شراء أراض أو منازل ضمن المناطق النظامية، وضعف التخطيط الاقليمي المتكامل وعدم توفير النشاطات الاقتصادية الكفيلة بتنمية الريف وعدم مواكبة المخططات التنظيمية لاحتياجات التوسع في المدن.
ويشكل ازدياد عدد السكان ومناطق السكن العشوائي ضغطاً كبيراً على الموارد الطبيعية والأنظمة البيئية، الأمر الذي يؤدي الى تدهور الموارد البيئية وتخريب الأراضي الزراعية، اضافة الى انتشار وسائط التدفئة التقليدية التي تلوث الهواء، ومع توسع السكن العشوائي تصبح الحاجة ماسة الى وسائل نقل اضافية للسكان والتي تساهم أيضاً في زيادة تلوث الهواء والازدحامات والضوضاء.
وهكذا تفقد المدينة هويتها وتتوسع مناطق السكن العشوائي وتزداد البطالة.
سناء يعقوب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد