الحكومة القادمة .. ستكون ذكية
الجمل ـ رشاد أنور كامل: من الغريب كم هو سهل تنفيذ حكومة ذكية الكترونية وبنفس الوقت كم تأخذ وقتاً وتمر بمراحل فشل وتكرار. ولاتناقض في الجملة السابقة ابداً، فإنجاز الخدمات الحكومية الكترونيا وبشكل ذكي ايضاً وبدون فساد هو أمر اصبح من البديهيات التقنية والاجرائية ويتوفر له كل المستلمزمات من برمجيات وتجهيزات وأدوات اتصال والأهم جاهزية الزبائن، وهم هنا المواطنون.
الحكومة الالكترونية كما يحب الخبرء تسميتها والخدمات الحكومية الالكترونية أصبحت جزءا من الماضي الان، فالتوجه العالمي الجديد هو في تقديم الخدمات المتكاملة أي الخدمات التي يحتاجها المواطن من الحكومة ومن القطاع الخاص المصرفي والصحي والنقل.
لم يعد هناك الكثير من الفروقات الواضحة عالميا بين الخدمات الحكومية وغير الحكومية، كون أن الحكومات أصبحت أقل تدخلاً بشؤون الناس واتجهت الى دور تخطيطي وواضع للسياسات وتركت وراءها الدور التنفيذي.
ولم يعد تنفيذ مشاريع الخدمات الالكترونية يقتصر على الحكومة، ولا يعتبر انفاقا، بل استثماراً رابحاً، ولجأت معظم الدول الى الشراكة مع قطاعها الخاص في تنفيذ تلك الخدمات والاستثمار فيها، مستفيدتاً من التمويل والخبرات الذي يقدمها القطاع الخاص التقني في هذا المجال.
مع ذلك لا يجيب كل ذلك عن السؤال الأول، ان كان ذلك بسيطاً لما لاننجزه؟ ولما لم ننجزه الى الان؟.
في العام 2003 قابلت في مدينة الانترنت مدير الشرق الأوسط لشركة اوراكل لقواعد البيانات، وكانت سورية لم توضع بعد على لاائحة المقاطعة واوراكل مهتمة بدخول السوق السورية، وكان يشتكي لي بأن معظم المناقصات التي يدخلها في سورية تفشل، رغم ان تحضير أي مناقصة منها يكلفه اكثر من ثمانين الف دولار امريكي من أجور وخبرات وخلافه..فسألته : اذا طلبت منك ان توظف مهندس تقني من القطاع العام السوري العامل في تلك الوزارت، كم تدفع له ؟
اندهش من السؤوال واجابني ضاحكاً : لا اظن اني ساوظفه اساساً، لايوجد عندكم الخبرات التي نحتاجها...
ألحيت بطلبي بأن يفترض أنه مجبر ان يوظف هذا المهندس فكم سيدفع له؟! ليجيبني بملل : لا أدفع اكثر 500 دولار بالشهر ..
عندها قلت له : ان تدفع ثمانين الف دولار ككلف لمناقصة تريد ان تضعها بيد شاب مهندس تقني سوري ليأخذ فيها قرار انت لست مستعداً ان تدفع له حتى 500 دولار بالشهر كراتب، وتتوقع يارجل ان يتمكن هذا المهندس او المهندسة من ان يحمل مثل هذا المشروع على كتافه ؟!
دهش ومن معه من هذا الطرح، وبجدية شديدة قال لي، الحق معك، الحق معك، هنا فشلنا، كان يجب ان نستثمر اكثر في تدريب كوادركم قبل القاء مناقصاتنا تقنيا عليهم...
ماقلته في العام 2003 كان جزء من المشكلة ، الجزء الآخر كان في تعقيد المشاريع التقنية الكبيرة والتي ان استلمها أي مهندس حكومي او لجنة حكومية كانت اشعارا بتحويلهم الى المساءلة، فمعظم المشاريع التقنية تخضع للكثير من التصحيح والممانعة واكتشاف الأخطاء بعد استخدامها مما يجعلها وصفة تودي إلى كارثة لأي مستلم لها.
توصيف المطلوب لإنجاز خدمات حكومية ذكية يحتاج خبراء في الحوكمة وهم نادرون في سورية وحكما أجورهم عالية جداً.
ووضع دفتر الشروط لأي مناقصة برمجية من هذا المستوى من الأمور المعقدة والتي تحتاج أيضا الى خبرات تخصصية وهي ايضاً نادرة في الحكومة وايضاً أجورهم مرتفعة.
التنفيذ يحتاج خبرات برمجية وتشبيك وتجهيزات وبنوك بيانات وهي قد تكون غير متوفرة بالكامل في القطاع الخاص السوري فما بالك بالقطاع العام.
اذا نحن أمام معضلة حقيقية
الحكومة بمؤسساتها لايوجد فيها الخبرات الكافية لتنفيذ مشاريع كهذه، وان وجدت فلن تعمل وتتحمل كل هذه المسؤوليات براتب الدولة.
الشركات تتنظر مناقصات لن تحدث وان حدثت لايوجد من يستلم منهم.
الدولة ملت من مناقصات فاشلة وانفاق غير مبرر على تقنيات لم تنجز المخطط لها.
والمواطن ينتظر .
ومع ذلك هل اذا قررنا اليوم في سورية مثلا ان نلجأ الى الحل الوحيد الممكن في انجاز الخدمات الحكومية الاكترونية وهو الشراكة مع القطاع الخاص، فهل هذا هو المطلوب؟.
ماكان مطلوباً من عشر سنوات طواه التقدم التقني، فالحكومة الالكترونية والخدمات الاكترونية عندما كانت تعتبر من التطويرات المطلوبة لكل حكومة، أصبحت من الماضي، مع انتشار الجوالات (الموبايالات الذكية) والانترنت عبر شبكات الخليوي، انتقل العالم الى تقديم خدماته عبرها.
انتقالنا اليوم الى تقديم الخدمات بأنواعها الحكومية وغير الحكومية عبر الهواتف المحمولة الذكية منها والعادية هو أمر اصبح من الضرورات واحد عوامل نجاح أي خطط لاعادة الاعمار في سورية، فالمواطن السوري الذي ضربته الأزمة بابعادها، سيحتاج من الدولة الكثير من الخدمات ومنها الفورية والمستعجلة ، والضغط الكبير الذي ستواجهه الدولة في تلبية الطلبات لعدد غير مسبوق لطالبها من المواطنين بنفس الفترة هو أمر لايمكن أن يتم الا اذا قررنا من اليوم ان نلجأ الى الأنظمة الذكية لتلقي وحتى معالجة تلك الطلبات جزئيا او كلياً.
الحكومة الحالية، يجب أن تؤسس للحكومة القادمة وهي الحكومة الذكية ، الحكومة التي ستعمل على تطوير خدماتها حسب أولويات تعتقد انها ستستجيب للمواطن السوري اثناء مرحلى إعادة الاعمار ومتطلباتها .
الحكومة الحالية يجب أن تترك كل تراث الضعف التقني التي تعاني منه بأن تعترف به أولاً وان لا تزج بمهندسيها بأتون تطوير مطلوب هم غير قادرين عليه، والبدء فورا باطلاق قانون الشراكة مع القطاع الخاص لتطوير الخدمات الحكومية الذكية، والطلب منه الاستثمار بالكوادر والأموال، وتحمله النجاح والفشل، والأهم ان تطلق استراتجيتها لتقديم حكومة ذكية بمدة لا تتجاوز سنتين ..نعم سنتين ولم اقل سنة ، سنة تحضيرية وتعاقدية وتنفيذية، وسنة تجريبية ..ولا يحتاج الأمر اكثر من ذلك ..
ومن الآن اعلم ان هذا حلم سيوقظنا منه من يريد حصته حتى من ذكائنا الافتراضي ...
إضافة تعليق جديد