هل نرى ألسِنَة اللَّهَب تَنبَعِث مِن أوّل طائِرة تَختَرِق الأجواء السوريّة؟
يُشَكِّل الإعلان الذي صَدَر يوم أمس الثلاثاء عن الجِنرال سيرغي شويغو، وزير الدِّفاع الروسي، وأكّد فيه تَسليم بِلاده أربَع مِنصّات صواريخ “إس 300” المُتَطوِّرة المُضادّة للطَّائِرات والصَّواريخ نِهايَة مَرحَلةٍ وبِدايَة أُخرَى، نهاية مرحَلة العربَدة الإسرائيليّة في الأجواءِ السوريّة أو هكذا نأمَل، وبدايَة مرحلة التصدّي لها بقُوَّةٍ وفاعِليّةٍ، أو هكذا نَتَمنّى.
حالة الصَّمت التي تسود الأوساط الإسرائيليّة تُجاهَ هَذهِ الخُطوة، وعَدَم صُدور أي تصريحات عن بِنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء، أو أيٍّ مِن جِنرالاتِه تُجاهَها، يَعكِس حالةً مِن الارتباكِ والقَلق في الوَقتِ نَفسِه.
صحيح أنّ إفيغدور ليبرمان، وزير الحَرب، أكَّد أنّ الطائرات الإسرائيليّة ستَستمر في قَصْفِ أهدافٍ إيرانيّة في العُمُق السُّوري، وكرَّر نِتنياهو التَّحدِّي نفسه، ولكن مُنذ إسقاط الطائرة الروسيّة “إيلوشن 20” فوق الأجواء السوريّة بصاروخٍ سُوريٍّ عَن طريقِ الخَطأ مُنتَصف الشَّهر الماضِي، ونتيجةً لحِيلةٍ إسرائيليّةٍ مُتعَمّدةٍ، لم تُقدِم الطائرات الإسرائيليّة على أيِّ غارةٍ على أهدافٍ في العُمُق السوريّ.
القِيادَة الروسيّة لم تُسَلِّم منظومة الصَّواريخ المُتطوِّرة هَذهِ لسُورية فقط، بل تعَهّدت بالتَّشويش على أيِّ طائرةٍ إسرائيليّة تَقترِب من الأجواء السوريّة أيضًا، الأمر الذي قلّص مِن حُريّة حَركة الطَّيران الإسرائيليّ إلى الحُدود الدُّنيا تجَنُّبًا لحُدوث خسائِر كبيرة أوّلًا، وأي مُواجَهة عسكريّة مع روسيا، والأكثَر من ذلك أنّ أصواتًا عَديدةً في الأوساط العَسكريّة والسياسيّة في إسرائيل باتَت تُوجِّه انتقاداتً لاذِعَةً لنِتنياهو وليبرمان وتُحَمّلهُمَا مَسؤوليّة تدهور العَلاقة مع روسيا بسَبَب تَهَوُّرِهِما وغُرورِهِمَا.
ما يُقلِق القِيادة العَسكريّة في إسرائيل أيضًا هَذهِ الأيّام هو تَطَوُّر القُدُرات الصاروخيّة الإيرانيّة، ليسَ مِن حَيثُ المَسافات وحَجْم القُدرات التَّدميريّة الكَبيرة لها، وإنّما دِقّتها في إصابَة أهدافِها، وتَجسَّد ذلِك في هُجومَين وَقَعا في الأربَعين يَوْمًا الماضِية:
ـ الأوّل: استهدَف مَقَرًّا لقِيادة فصيلٍ كُرديٍّ إيرانيٍّ مُعارِض في مدينة أربيل قبل شهر تقريبًا بأربَعَة صواريخ مُتوسِّطة المَدى، أصابَ إحداها المَقرّ بدِقّة مُتناهِيَة ونجح في تدميره، بينَما سقطت الصَّواريخ الثَّلاثة الباقِيَة في فِنائِه.
ـ الثّاني: إعلان إيران عن شَنِّ هُجومّ بصواريخٍ باليستيّةٍ يَبْلُغ مَداها 750 كيلومترًا وطائِرات مُسيّرة (بُدون طيّار) على مواقِع لـ”الدولة الإسلاميّة” (داعش) قُرب مَدينة البو كمال على الحُدود السوريّة العِراقيّة كرَدٍّ ثأريٍّ على الهُجوم الدَّمويّ الذي استَهدف عَرضًا عَسكريًّا في مَدينة الأحواز جنوب غربيّ إيران، أدَّى إلى مقتل 25 شَخْصًا وإصابَة ستّين آخَرين، وتبنّت “الدولة الإسلاميّة” المَسؤوليّة عَنه.
مِن الطَّبيعي أن تُحاوِل جِهات عربيّة وإسرائيليّة التَّقليل مِن أهميّة تسليم الصَّواريخ “إس 300” لسورية لأنّها تَقِف في خَنْدَق العُدوان على سورية، ويَحضُرنا في هذا المَيدان ما ذكرته صُحُف إسرائيليّة نَقْلًا عَن مُحلِّلين وجِنرالات سابقين في الجيش يُؤكِّدون أنّ القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة تُنَسِّق مع الوِلايات المتحدة للوصول إلى تحديث الأنظمة المُزوّدة بِها الطائرات مِن طِراز “إف 16″، لإفشالِ القُدرات العَسكريّة لهَذهِ الصَّواريخ، أو استخدام طائرات مِن نَوع “إف 35” المُتطوِّرة جِدًّا، في أيِّ غاراتٍ جديدة مُتوقَّعَة على سورية، ولكن هُناك خُبراء في أمريكا يُؤكِّدون أنّ الوِلايات المتحدة التي لم تَستخدِم هذا النَّوع مِن الطَّائِرات بعد، وربّما لن تَسْمَح لإسرائيل باستخدامِها قَبلها، وأنّ كُل ما تَردَّد عَن الاستخدامِ الإسرائيليّ لها في غاراتٍ على سورية قبل أشْهُرٍ غير دَقيقة.
سُورية تتعافَى، ليسَ سِياسيًّا فقط وإنّما عَسْكريًّا أيْضًا، وما ذَكَره الرئيس السوري بشار الأسد في حَديثِه لصَحيفة “الشاهد” الكُويتيّة وبثّته وكالة الأنباء الرسميّة (سانا) “اليوم” حول وجود صَفٍّ طَويلٍ مِن الدِّبلوماسيين والمَسؤولين العَرب والأجانب الذين يَطرُقون بابها لاستئناف العَلاقات وإعادَة فتح السِّفارات لم يُجانِب الحقيقة، ولعَلَّ العِناق الحارّ جِدًّا المَصحوب بالقُبُلات بين وزير الخارجيّة السوري وليد المعلم ونَظيره البحرينيّ خالد بن أحمد آل خليفة في قاعَة الأُمم المتحدة هُوَ أحَد الأمْثِلَة.
نَحنُ في انتظارِ انطلاقِ الصَّاروخ الأوّل مِن طِراز “إس 300” على أوَّلِ طائِرةٍ إسرائيليّةٍ تَخْترِق الأجواء السوريّة، وتَهْوِي وألسِنَة اللَّهَب والدُّخان تتصاعَد مِنها، ولا نَعتقِد أنّ انتظارَنا سيَطُول.. واللهُ أعْلَم.
رأي اليوم - عبد الباري عطوان
إضافة تعليق جديد