من هو محمد بن عبدالوهاب وكيف نشر مذهبه بحد السيف
د. سامح عسكر:
لست من الذين يصفون المذاهب المخالفة بما تكرهها. فالسلفيين رغم علمي أنهم (وهابية) وأتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي، والمتوفي عام 1792 م إلا أنني أفضل تسميتهم (سلفية) لأنهم يكرهون الإسم الثاني ويقولون أنه (ذم) وحيث أحدثهم بأنه يجب عليكم تسمية الشيعي باسمه والمسيحي باسمه كذلك.. فلا تصفوهم بالروافض والنصارى، قالوا أن من سماهم نصارى هو الله..والجواب: أن هذه التسمية كانت لفرقة مخصوصة لم يعد لها وجود، أو كان العرب يعرفون هذا الإسم عنهم ولا يعرفون أسماء أخرى كالنساطرة واليعاقبة مثلا...
المهم: كنت أتحدث مع أحدهم في وقت قريب وجدته يمدح الشيخ بن عبدالوهاب لدرجة يتوهم منها السامع أنه يتحدث عن نبي مرسل ، أو رجل يوحى إليه من الله..وليس مجرد شخص عادي أو رجل دين حنبلي خرج في الجزيرة العربية بالقرن 18 م وإليكم بعض مما دار..
أولا: كان يقول أن كل سلفي حنبلي والعكس صحيح..قلت: هذا خطأ، فالشيخ سليمان شقيق ابن عبدالوهاب كان من فقهاء الحنابلة النجديين وألف كتابا للرد عليه سماه (الصواعق الإلهية للرد على الوهابية) فكان أول من استخدم وصف الوهابية لذم أخيه وأتباعه، أي أن وصف الوهابية الذي يكرهه السلفيون خرج من فقيه حنبلي مثلهم، ولم يترك ابن عبدالوهاب هذه الفرصة فأعلن (كُفر أخيه) وحرض على قتله فبعث له أحد أتباعه ليغتاله في المسجد لكن العملية فشلت، وقصة اغتيال سليمان ابن عبدالوهاب سجلت كاملة في كتاب (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة صـ 275) وصاحب هذا الكتاب حنبلي أيضا هو الشيخ "محمد ابن عبدالله ابن حميد النجدي" المتوفي عام 1878م ..أي شهد تلاميذ الشيخين محمد وسليمان وسمع منهم ما حدث فسجله بكتابه..
ثانيا: الشيخ محمد ابن عبدالوهاب كان واعظ وخطيب ، لا علاقة له بالفقه أو حتى علم الحديث وشهد على ذلك أبيه (الشيخ عبدالوهاب) نفسه، وكان فقيها حنبليا في نجد رأى ولده محمد يتجه للخطابة والوعظ واستثارة حماس الشباب والقبائل فغضب عليه وحذر الناس من شرّه، لأنه ما من رجل دين سلك طريق الوعظ والخطابة دون علم وفقه إلا وتورط في العنف والتحريض والدماء، وقصة غضب الشيخ عبدالوهاب على ولده محمد سلجها الشيخ ابن حميد النجدي أيضا في كتابه (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة صـ 275)
ثالثا: كان ابن عبدالوهاب يحكم بكُفر من يُخالفه الرأي من فقهاء وزعماء سياسيين، وقصة قتله "لعثمان بن معمر" مشهورة، فعثمان كان حاكما للعُيينة في نجد لكنه رفض التحالف مع ابن عبدالوهاب، فوصفه ابن عبدالوهاب بالمرتد..حتى ذهب أتباعه لعثمان وقتلوه أيضا في المسجد، علما بأن عثمان ابن معمر (كان زوج عمة) الشيخ ابن عبدالوهاب ، وبالتالي هو في منزلة القريب وذوي الأرحام..وقصة اغتيال عثمان بن معمر ثابتة في كتب (تاريخ نجد لابن غنام صـ 97) و (عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر ج1/ صـ 23)
لاحظ سياسة قتل المعارضين في المساجد التي اتبعها الشيخ ابن عبدالوهاب وأنصاره، علما بأن هذا السلوك كان حصريا للخوارج قديما وبعض الحنابلة المتعصبين في القرون الوسطى، وإحياء ابن عبدالوهاب لهذه السُنة كانت كافية لوصف جماعته بالخوارج من طرف خصومه، ولا زال هذا الوصف لصيقا بهم من علماء الأشاعرة والماتوريدية إلى اليوم، مع العلم أن هذا السلوك الدموي كان يصاحبه سياسة (قتل الأقارب) بدعوى الردة، فابن عبدالوهاب أمر بقتل (أخيه وزوج عمته) بدعوى أنهم مرتدين كفار..وعلى ذلك قلده الدواعش المعاصرون في قتل أقاربهم بنفس التهمة..!!
رابعا: كان الوهابيون يدمرون القرى والمدن التي ترفض الاستسلام لهم بدعوى أنهم مرتدون ويجب عليهم دخول الإسلام من جديد، نفس قصة داعش والقاعدة بالضبط..وما جماعات التكفير والإرهاب الحديثة إلا استنساخ حرفي لما كان يفعله الوهابيون الأوائل، وللمطالعة اقرأ ما فعلوه بقرى (حريملاء والمجمعة وجلاجل وسدير والوشم وثرمدا وثادق والباب القبلي والخريزة ومنفوحة والزلفي والرياض...) وغيرها من عشرات القرى التي اتهموا أهلها بالردة وقتلوهم وأسروا منهم..مع العلم أن كل ذلك سجل في كتابين (تاريخ نجد لابن غنام – وعنوان المجد في تاريخ نجد لعثمان ابن بشر) وهم مؤرخين وهابية عاصروا الشيخ ابن عبدالوهاب في حملاته وتتلمذ الأول على يديه وسجلوا ما حدث رأي الشاهد والسامع..
خامسا وأخيرا: شيوع الوهابية وانتشارها كان بغرض سياسي ودعم من قوى دولية وإقليمية لمحاربة الشيوعيين والناصريين والاشتراكيين بالعموم، ثم محاربة الاتحاد السوفيتي بالخصوص..ونجحوا بالفعل في إنشاء (إمارة إسلامية وهابية) في الشيشان، أي في عقر دار السوفييت بعد تفكك الاتحاد ، وتم تدعيم الوهابية أكثر في حرب سوريا والعراق للضغط على حكومات تلك الدول أو تدميرها لتمتثل لأوامر واتجاهات الغرب، وعلى هذا المنوال يتم استدعاء هذا الفكر التكفيري الدموي كلما دعت الحاجة السياسية لذلك، لكن النتائج كانت قاسية مُحزنة..فقتلوا الملايين ودمرت بعض الدول في حروب عبثية دينية، فكانت النتيجة خروج زعماء رافضين لما يحصل ،والعالم الآن يشهد (طفرة وعي كبيرة) ضد ما حدث بعد اكتشافه، ولذلك قرر الأمير "محمد بن سلمان" مخالفة خط أجداده واتخذ قراره بالانقلاب على الوهابية والضغط على زعمائها وشيوخها في بلده لاستصدار فتاوى تخالف مرجعيتهم..وهو ناجح في ذلك بشكل كبير..
إضافة تعليق جديد