مساع أردنية لحلحلة الأزمة السورية مع الدوحة وأنقرة
ظهرت مؤخراً العديد من المساعي الأردنية وبشكل كبير كمحاولة لإحداث تغيير فعلي ونوعي في مسار حلحلة الأزمة السورية، خاصة وأن الأردن حظي باستضافة لقاء (عمّان الخُماسي) وهو ثاني اجتماع عربي يتعلق بالشأن السوري بعد الاجتماع التشاوري الأول الذي أُجري في مدينة جدّة السعودية بتاريخ 14 نيسان 2023، وسبق ذلك مشاركته في الاجتماعات الثلاثية مرتين عن سوريا مع مصر والعراق.
وفي السياق فإن هذا النشاط يأتي، في وقت يعيش فيه الأردن تحديات وأزمات داخلية وإقليمية عدّة، خاصة فيما يتعلق بالملفات “الاقتصادية أو الأمنية وغيرها”. وفي ظل هذه التحديات، يبقى التساؤل المطروح عن ماهية الدور الذي يؤديه الأردن حالياً، ولماذا بدأ تصدُّر الدور عربياً في سياق حلحلة الأزمة السورية؟ وهل سيتمكن من إحداث تحوّل جديد في مسارها خاصة فيما يتعلق بتقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة، ومدة قدرتها في إقناع الأخيرة بضرورة الاستجابة لمطالب الدولة السورية؟ وكذلك حجم التأثير الذي يمكن أن تفعله المملكة فيما يتعلق بالموقف القطري تجاه سوريا؟ خاصة وأنّ عمّان والدوحة تتميزان بعلاقات اقتصادية وطيدة.
وقال أمين سر الأحزاب العربية عبد الله منيني أن طبيعة الحالة الأردنية التي دفعته نحو هذا التغيير الحاصل باتجاه حلحلة الأزمة السورية بالقول:”إن المملكة الأردنية الهاشمية في لحظة ما، ظنت أنّها شعرت بخطورة دعمها الجماعات المسلحة، وأيضاً استضافتها غرفة موك لأن الأردن بحكم ما يربطه بسوريا جغرافياً، واجتماعياً، واقتصادياً، يعد من أكثر المتأثرين بما يجري في سوريا، وتبعا لذلك لم يستطع تحمل تبعات الحرب، وخاصة أنّ الأردن يشهد أزمة من أكبر الأزمات في تاريخه من حيث المديونية، والتضخم، والديون الخارجية، منها ما يتعلق بخلافات داخل العائلة المالكة”، مبيناً أنّ كل هذه الوسائل يجعل الأردن ملزماً بتأدية هذا الدور لأن استقرار سوريا حكماً له تأثيره الإيجابي في المملكة.
الدور الأردني المتبدل تجاه سوريا ليس جديداً، فمنذ عام 2017 كما ذكرنا آنفاً، بدأت عمّان الانسحاب ضمنياً من الدور الموكل إليها في سوريا، وربما يكون بتوافق غربي أمريكي- بريطاني. أضف إلى ذلك، أنّ الملك الأردني عبد الله الثاني أول زعيم عربي استقبله الرئيس الأمريكي الحالي جون بايدن بتاريخ 19 تموز 2021 بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. وقالت حينها السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض جين ساكي، بحسب لما نقله موقع قناة “الحرة” الأمريكية آنذاك: إن “الاجتماع سيكون فرصة لمناقشة عدد من التحديات التي تواجه الشرق الأوسط وإبراز دور الأردن القيادي في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة”.
وفي هذا الإطار يعلق منيني بالقول: “السعي الأردني ليس وليد لحظة، لكن نلحظ أن هناك تسارعاً لافتاً في هذا الشأن، والأردن كان عاملاً فاعلاً رئيساً في اجتماع جدّة التشاوري، كما أُجريت نسخة أخرى منه في العاصمة عمان، وعلينا أن ندرك أنّ هذا الاجتماع التشاوري هو البوابة لإعادة اعتبار سوريا بدعوتها إلى القمة العربية وإعادة مؤسساتها إلى دورها الاعتيادي والفاعل في هذه الجامعة”، وأردف، “لذلك سعى الأردن بحراك دبلوماسي إلى محاولة تقريب وجهات النظر خاصة فيما يتعلق بالمواقف السورية الواضحة والمعلومة، ولكن كان هناك جهد واضح وخاصة في اللقاءات الثلاثية التي جرى استضافتها في مصر والعراق والأردن”.
وقد برزت عودة العلاقات “السورية- الأردنية” بأعلى درجاتها بتاريخ 3 تشرين الأول عام 2021، عندما جرى اتصال هاتفي بين الرئيس بشار الأسد والملك الأردني عبد الله الثاني _بعد 44 يوماً من لقاء الملك عبد الله بالرئيس الأمريكي بواشنطن-_ وبُحثت في الاتصال حينها العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، بحسب وكالة الأنباء الرسمية “سانا”.
ولحق باتصال الرئيس الأسد والملك عبد الله، لقاءات رسمية عدة بين مسؤولي البلدين، وجرى الاتصال الثاني بين الأسد والملك الأردني بتاريخ 7 شباط 2023 على خلفية الزلزال الذي ضرب البلاد، ثم لحقه زيارات رسمية، وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أول وزير خارجية عربي يزور دمشق بعد الزلزال.
ومنذ ذلك الوقت بدأ الحراك الدبلوماسي الأردني يُكثّف تجاه سوريا وكان آخره زيارة الصفدي دمشق بتاريخ 3 حزيران 2023 ولقاءه الرئيس الأسد ووزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إذ تمت مناقشة أبرز الملفات بين البلدين وخاصة فيما يتعلق بملف اللاجئين.
وتوجه الصفدي بعد زيارته دمشق إلى تركيا، والتقى وزير الخارجية التركي حقّان فيدان بتاريخ 4 حزيران 2023، وبحث معه عدداً من الملفات المشتركة وخاصة فيما يتعلق بضرورة إرساء الاستقرار في المنطقة من أجل عودة المهجرين السوريين. ما يشير _بحسب الخبراء ربما_ إلى دخول الأردن في مسار التقارب “السوري – التركي” الذي اعْتلّت منها الدول الضامنة لـ “أستانا”، من دون إحداث أيّ تقدم فعلي على أراض والواقع.
وعن إمكانية إحداث شيء جديد في مسار التقارب بين دمشق وأنقرة بوساطة الأردن، يعلق أمين سر الأحزاب العربي بالقول: “علينا أن ندرك أن اللاعب التركي، هو لاعب غير نزيه، وغير صادق، ويُبدع باللعب على المواقف، وتغيير الوعود تغييراً ملحوظاً، ليس فقط في مستوى الملف السوري، بل في كل الملفات بالمنطقة”. موضحاً أنّ ما تمارسه السياسة التركية اليوم هو ليس براغماتية وإنما قفز فوق البراغماتية وهو كذب سياسي لا يمكن أن يستمر بالتأكيد، ولكن برأي منيني، “الأردن يحاول أن يؤدي دوراً في تقريب وجهات النظر”، ولكن يظن أن “مساعيه لا يمكن أن تنجح النجاح المطلوب بسبب تعنّت التركي وعدم قبوله مطالب الدولة السورية المحقة والمشروعة”.
وتطالب الدولة السورية تركيا، بضرورة خروج القوات العسكرية التركية من الأراضي السورية التي تحتلها، بوصفه مطلباً أولياً لأي تقارب بين البلدين، إضافة إلى وقف دعم الإرهابيين وغيرها من المسائل المرتبطة بها، وفي هذا الإطار يعلق منيني بتأكيد أنّ “الجهود الأردنية في هذا المسار لا أظن أنّها ممكن أن تُأتي أُوكلها ولكن تبقى ضمن هذه الجهود في محاولة لإظهار سعي الطرف الأردني لتأدية دور أساسي والإيحاء بأنه مؤثر في هذه الملفات المهمة هذه من وجه نظره”.
وعن ماهية الدور الأردني حيال الموقف القطري تجاه الأزمة السورية، يرى منيني أنّ “السياسات القطرية لم تؤثر سلباً في سوريا فقط، بل كان تأثيرها حتى في دول الخليج”. مستذكراً الحصار الخليجي عليها قبل توقيع اتفاقية العُلا، وبرأيه ما جرى يشير إلى أن قطر تؤدي دوراً غير جيد إمّا في مستوى المحيط، أو في مستوى الإقليم أو المنطقة.
ويظن منيني أنّ هناك مصالح خاصة تربط العلاقات “القطرية- الأردنية”، خاصة وأن الأردن في مدة الحصار الذي فرضته دول الخليج عليها، بقيت علاقاته جيدة معها، وحتى أنّ قطر قدمت مساعدات مالية ضخمة للعاملين الأردنيين، وبالتالي هناك ملفات اقتصادية كبيرة تجمع البلدين، لافتاً إلى أنّ الدور الأردني في هذا الشأن يأتي في السياق الذي ذكرناه آنفاً.
وختم أمين سر الأحزاب العربية بتأكيد أنّ التحولات الكبيرة التي تجري في مستوى الأردن الداخلي والمنطقة والعالم، تجعله يعيد التفكير بتموضعه الحقيقي، وقال: “أظن أن أهم بوابة لإعادة هذا التموضع بما يخدم الشعب الأردني هو عودة العلاقات الكاملة مع سوريا وتأمين الأمن والاستقرار في المنطقة، والأردن معني تماماً بعودة الاستقرار في تلك المناطق الحدودية وأيضاً تنشيط خط التجارة بين الخليج وسوريا والذي كان يؤمن مورداً مهماً للحكومة الأردنية”.
أثر
إضافة تعليق جديد