شرق الفرات يتأرجح بين احتمالات المواجهة.. والتهدئة
ترزح منطقة شرق الفرات تحت وطأة تطورات عسكرية إستثنائية، بسبب تضارب المشاريع والأجندات التي يجري الإعداد لها في المنطقة سواء من الجانب الأميركي أو من الجانب الروسي وحلفائه
وفقد أثار ذلك مخاوف واسعة من أن تؤدي هذه التطورات إلى انزلاق نحو مواجهة عسكرية غير مرغوب بها، وإن كان البعض يُردّد أنه “قد يتمخض الجبل فيلد فأراً”! وقد كشفت العديد من التطورات مؤخراً عن وجود تشققات كبيرة في جسم التحالف الأميركي مع عدد من الفصائل المسلحة في منطقتي شرق الفرات والتنف، وهو ما تمثل عملياً في حرص كل من “جيش سوريا الموحدة” العامل تحت إمرة القوات الأميركية في منطقة التنف، على إصدار نفي رسمي بشأن نية التحالف الدولي القيام بعملية عسكرية وذلك بعد ورود أنباء عن وجود مخطط أميركي لربط منطقة التنف بمدينة البوكمال بالتنسيق مع قوات عشائرية يجري التفاوض معها من قبل القوات الأميركية، ولكن لم تصل إلى أي نتيجة إيجابية حتى الآن.
في الوقت ذاته أصدرت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) نفياً مماثلاً بعد صدور تقارير إعلامية تشير إلى نية الاحتلال الأميركي السيطرة على سبع قرى قريبة من قاعدة حقل العمر. وترافق النفي الرسمي من قبل حلفاء الولايات المتحدة مع اندلاع “فتنة” ـ وفق بيان صادر عن “قسد” ـ بين مكونات الأخيرة بعضها بعضاً، حيث وقعت اشتباكات عنيفة إستمرت ليومين متتاليين بين وحدات من “قسد” و”قوات مجلس دير الزور العسكري”، التابع تنظيمياً لـ”قسد”، في بلدة الصور وامتدت إلى عدد من القرى المجاورة. كما أصدرت “قوات الصناديد” بزعامة دهام حميدي، وهي أيضاً جزء من “قسد”، بياناً أكدت فيه عدم مشاركتها في أي عملية عسكرية تستهدف الجيش السوري في تلك المنطقة. وثمة من اعتقد أن قيادة “قسد” لم تذهب نحو المواجهة العسكرية مع مجلس دير الزور العسكري الذي يمثل عدداً من العشائر العربية في دير الزور إلا بسبب تخوفها من زيادة اعتماد القوات الأميركية عليه واتخاذه مطية لتحقيق المشروع الذي أطلق عليه “مشروع الحزام العشائري” للضغط على القوات الإيرانية في منطقة الحدود السورية ـ العراقية.
و ما زاد من مخاوف “قسد” هو المفاوضات التي أجراها وفد عسكري أميركي مع عدد من الفصائل التي تمثل ثقلاً عشائرياً في المنطقة الشرقية مثل “قوات الصناديد” و”لواء ثوار الرقة”، الأمر الذي اعتبره مراقبون مؤشراً على ميل واشنطن نحو تكوين قوة عربية تكون منافسة لقوة “قسد” أو على الأقل تضمن ألا تتغول الأخيرة على العشائر العربية التي تقيم في مناطق سيطرتها وذلك لتحقيق جملة من الأهداف من بينها مغازلة تركيا عبر إيهامها بتخفيف العلاقة مع “قسد”، ولاستدامة الاستقرار في منطقة سيطرتها لأن اتساع الهوة بين “قسد” والعشائر بات يمثل تحدياً جدياً قد يفجر المنطقة من الداخل. خلص البعض إلى القول إن التحركات العسكرية الأميركية ما تزال أقرب للتموضع الدفاعي خشية هجمات محتملة من الجيش السوري وحلفائه وليس من مصلحة الاحتلال الأميركي الدخول في مغامرة عسكرية خطيرة في شرق سوريا خاصة في دير الزور والبوكمال، فهكذا مغامرة قد تسبب حرباً شاملة في كل المنطقة وما زاد الطين بلة بالنسبة للجبهة الأميركية في شرق الفرات، الكشف عن تعمق الخلاف بين الجناحين الكرديين في “قسد”، حيث يمثل الجنرال مظلوم عبدي الجناح الأكثر قرباً من الأميركيين، بينما تمثل “كوادر قنديل” الجناح الثاني الذي لا يريد قطع شعرة معاوية مع دمشق وطهران. وفي هذا السياق، يشير البعض إلى أن الجناح الثاني هو الذي دفع باتجاه المواجهة مع مجلس دير الزور العسكري في هذا التوقيت لتوجيه رسائل عدة تتضمن عدم رغبته في التصعيد مع الجانب السوري، وأنه قادر على عرقلة المخططات الأميركية. هذا الواقع المفعم بالخلافات والصراعات الجانبية وعدم الثقة بين مكونات الجسم العسكري المتحالف مع الولايات المتحدة، يجعل من الصعب تصور أن تقدم القوات الأميركية على أي مغامرة عسكرية في هذا التوقيت حتى لو أرادت ذلك لأن القوات الميدانية التي ستعتمد عليها في تحركها على الأرض تعاني من حالة غير مسبوقة من الانقسام والتشظي وانعدام الثقة.
وقد رصدت صحيفة “الوطن” السورية هذا الواقع ونشرت تقارير مكثفة مؤخراً عن الموضوع استبعدت فيها جميعها أن تشهد المنطقة أي تطورات عسكرية جذرية سواء من قبيل وصل قاعدة التنف بمعبر البوكمال، أو من قبيل حدوث اصطدام جوي بين الطائرات الأميركية والروسية، واعتبرت الصحيفة أن الحشود المتبادلة على ضفتي الفرات تهدف إلى ردع كل طرف للطرف الآخر للحيلولة دون بدء المعركة أو الانزلاق في مواجهة برية واسعة وشاملة. إقرأ على موقع 180 أول مواجهة جوية بين مُسيرات حزب الله وإسرائيل وفي تفسير هذا الاحتقان المستجد بين الروس والأميركيين في شرق الفرات، برز رأي لخبراء عسكريين سوريين اعتبروا فيه أن القوات السورية هي من مارست الضغط على القوات الأميركية في المنطقة حتى دفعتها إلى اتخاذ ردة فعل ظهر من خلالها أن الأخيرة هي من تستعد لبدء المعركة. ورأى هؤلاء أن القوات الأميركية رصدت خلال الأشهر الأخيرة واقعاً عسكرياً جديداً في دير الزور يفرضه الجيشان السوري والروسي، وأنه منذ الاشتباك الأخير في المنطقة (في حقل العمر) يُحصّن الأمريكي قواعده بوتيرة متسارعة.
كما أجرى الجيش السوري مناورة عسكرية الشهر الماضي في البادية شاركت فيها “الفرقة 11 دبابات” و”الفرقة الرابعة” و”قوات المهام الخاصة”، وتضمنت المناورة تنفيذ إنزال جوي خلف خطوط العدو، بينما يستمر تدريب تشكيلات عسكرية جديدة تابعة لـ”الفرقة الرابعة” من أبناء دير الزور. وقد خلص البعض إلى القول إن التحركات العسكرية الأميركية ما تزال أقرب للتموضع الدفاعي خشية هجمات محتملة من الجيش السوري وحلفائه وليس من مصلحة الاحتلال الأميركي الدخول في مغامرة عسكرية خطيرة في شرق سوريا خاصة في دير الزور والبوكمال، فهكذا مغامرة قد تسبب حرباً شاملة في كل المنطقة بسبب أهميتها الاستراتيجية لمحور بيروت ـ دمشق ـ طهران. وربطاً بمنطق ترابط الجبهات، ينظر البعض إلى التطورات الميدانية المتصاعدة في إدلب من قبل “هيئة تحرير الشام” ضد الجيش السوري، باعتبارها تعبر عن رغبة الجيش الأميركي في الرد على الضغوط التي تمارس عليه في دير الزور. ووسط كل هذا التصعيد، إستبدلت قيادة الحرس الثوري الإيراني في المنطقة الشرقية، الضابط موسوي الموسوي بالحاج كميل في منصب قائد الحرس الثوري في دير الزور، وخلال ايام قليلة من تعيينه في منصبه، إجتمع موسوي بوجهاء عشائر قادمة من مناطق سيطرة الجيش السوري ومن مناطق سيطرة “قسد” بتسهيل واضح من قوات التحالف الدولي للسماح لها بالعبور والوصول إلى مكان الاجتماع في حي الفيلات في دير الزور، وقد تلقى الجانب الإيراني تطمينات واضحة من قبل بعض الوجهاء بأن التحالف الدولي لا ينوي استهداف القوات الإيرانية ولا يسعى إلى تغيير خارطة السيطرة الميدانية في المنطقة.
180 بوست
إضافة تعليق جديد