حرب عصابات بين الميليشيات الكردية والتركمانية في الشمال السوري
تتوالى المناوشات و الحروب بين كل من قسد وميليشيا ما يسمى بالجيش الوطني ، يوماً بعد يوم إذ نفذت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في 9 من آب أغسطس الحالي، عملية وصفتها بـ”الانتقامية” ضد ميليشيا “الجيش الوطني السوري”، المدعوم تركيًا، ردًا على القصف الذي تعرضت له مناطق نفوذها شمالي سوريا على مدار الأسبوع الماضي.
ووفقاً لوكالات الأنباء فقد نشرت وزارة الدفاع فيما يسمى “الحكومة السورية المؤقتة” (المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”) “إكس” بيانًا ألحقته بتسجيل مصور قالت إنها حصلت عليه من كاميرا كان يحملها أحد العناصر الذين هاجموا النقطة العسكرية نفسها.
وذكر البيان أن الهجوم الذي وقع في منطقة تل تمر شمالي الحسكة، على مقربة من الحدود التركية، أُحبط، وقتل فيه ما لا يقل عن عنصرين من المجموعة المهاجمة التي فرّت من المكان.
ويرى باحثون ومحللون قابلتهم عنب بلدي أن مقاتلي “قسد” يعبرون خطوط التماس، حاملين في بنادقهم رسائل سياسية قبل أن تكون أهدافًا ذات طابع عسكري.
وفي حزيران الماضي، قالت وسائل إعلام تركية، إن قصفًا صاروخيًا مصدره حزب “العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب” (PYD) في سوريا استهدف محيط ولاية كلّس جنوبي تركيا، في إشارة منها إلى “قسد”.
وبحسب ما نشره موقع “Son Dakika“، فإن خمسة صواريخ قادمة من الشمال السوري سقطت على الجانب التركي من معبر “باب السلامة” خلّفت جرحى.
هذا القصف نحو الأراضي التركية، تبعه قصف طال مناطق نفوذ المعارضة السورية شمالي حلب، لم يسفر عن خسائر.
ومنذ تموز الماضي تغيرت آلية تعاطي “قسد” مع التصعيد العسكري ضدها في سوريا، إذ عمدت، في 10 من تموز الماضي، إلى عملية خاطفة نفذتها على نقطة يتمركز فيها مقاتلون من “فيلق الشام” التابع لـ”الجيش الوطني” شمالي حلب.
وبحسب حسابات إخبارية معارضة، فإن مجموعة تابعة لـ”قسد” نجحت بالتسلل والوصول إلى إحدى النقاط العسكرية التي يتمركز فيها عناصر من “فيلق الشام” بمنطقة باصوفان في ريف مدينة عفرين، وخلّفت خمسة قتلى من “الفيلق” دون خسائر من المجموعة المهاجمة.
بدوره قال الباحث في مركز “جسور للدراسات” محمود حوراني، إن هذه العمليات تقع في نطاق “حرب العصابات” التي تتضمن الإغارة والكمائن والقنص.
وتلجأ إلى هذه العمليات عديد من الأطراف المحلية في سوريا ضد بعضها لعدة أسباب، منها سياسية تتمثل في التفاهمات بين القوى المتدخلة الإقليمية والدولية، المسؤولة عن تثبيت جبهات القتال في عموم الجغرافيا السورية، والقوى المحلية المدعومة من قبل الأولى.
الباحث أضاف أن تفاهمات القوى الإقليمية تهدف لتثبيت مناطق السيطرة والنفوذ للقوى المحلية، وبالتالي فإن العمليات التي تنفذها “قسد” في المنطقة، أو التي تنفذها “تحرير الشام” غربي سوريا، “لا تخرج عن كونها محاولات للتأثير بالخصم، أو نوعًا من أنواع الاستنزاف”.
ويتمثل هذا النوع من العمليات الخاطفة بعدة أهداف بالنسبة للجهة المهاجمة، أولها غياب رغبة الجهة المسؤولة عن الهجوم بالسيطرة على مناطق جديدة، وتكبد عناء الدفاع عنها، إذ يعمد لتنفيذ عملية مفاجئة تكبد الخصم خسائر.
ويمكن أيضًا اعتبار أن غياب رغبة الجهة نفسها الاستحواذ على منطقة جديدة وتهيئتها لتكون منطلقًا لعمليات جديدة سبب في اعتماد هذا النوع من التكتيك العسكري، كونها لن تكلّفه خسائر بشرية وعسكرية كبيرة.
وللأسباب السابقة، قال الباحث إن الجهات العسكرية المحلية في سوريا تعتمد على مبدأ “الكر والفر” أو “اضرب واهرب”.
وتستهدف هذه العمليات الروح المعنوية للمقاتل في الطرف الذي يتعرض للهجوم، نظرًا إلى ما تزرعه من خوف وترقب في نفوس المقاتلين لأن احتمال الهجوم عليهم وارد في أي لحظة عبر (إغارة أو تسلل أو كمين)، بحسب حوراني.
تغيير بقواعد الاشتباك
رغم حجم التأثير الضئيل الذي تحققه هذه العمليات، مقارنة بالعمليات العسكرية التي شهدتها الجغرافيا السورية على مدار السنوات الماضية، يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات” أسامة الشيخ علي، أن لهذا النوع من التحركات رسائل أبعد من الحالة العسكرية.
الباحث قال، إن “قسد” تحاول من خلال هذا النوع من التحركات إحداث تغيير بقواعد الاشتباك على جبهات القتال مع “الجيش الوطني”، إذ لطالما ردت على التصعيد ضدها باستهداف مدفعي لنقاط “الوطني” أو لقواعد عسكرية تركية شمالي سوريا.
يدفع التصعيد التركي المستمر في مناطق نفوذ “قسد” شرق الفرات بمزيد من هذه العمليات إلى الواجهة، إذ تحاول الأخيرة تأمين ردود أكثر تأثيرًا على القصف التركي لمناطقها.
وشهدت مناطق نفوذ “قسد” تصعيدًا بالقصف من جانب تركيا وحليفها “الوطني السوري”، منذ مطلع آب الحالي، إذ قصفت مدفعية “الجيش الوطني” والطائرات التركية بشكل متواصل مواقع متفرقة من أرياف حلب، والحسكة شمالي سوريا.
واستهدف الطيران المسيّر التركي مواقع متفرقة بمحيط مدينة تل تمر شمالي الحسكة، تزامن مع قصف مدفعي للمنطقة نفسها في 8 من آب الحالي.
ولا يزال القصف مستمرًا بشكل شبه يومي على المناطق نفسها، وامتد إلى ريف حلب الشرقي، وأجزاء من أرياف محافظة الشمالية، والغربية، حيث تتمركز “قسد”.
تهرّب من مشروع أمريكي جديد
في ظل الحديث المستمر منذ تموز الماضي عن تحضيرات أمريكية لشن عمل عسكري في محافظة دير الزور ضد مجموعات إيرانية، تتجه الأنظار إلى دور “قسد” حليف أمريكا المحلي في المنطقة.
وبينما لا تبدي “قسد” عداء علنيًا مباشرًا للقوات الإيرانية، يرى الباحث أسامة شيخ علي أن الفصيل العسكري الكردي يحاول إظهار جهود مركزة على عدوه الأول في المنطقة وهو تركيا.
وتهدف القوات من خلال العمليات على خطوط التماس إلى إظهار انشغالها على جبهات القتال مع تركيا بشكل واضح للتهرب من إشراكها بأي عمل عسكري ضد الإيرانيين في سوريا، بحسب الباحث.
وإذا أردنا قياس العمليات على هذا الشكل، لا بد من الإشارة إلى أن جزءًا من حزب “العمال الكردستاني” (PKK) الذي يمسك بمفاصل القرار في “قسد” يتضمن شقًا مقربًا من الإيرانيين، وقد يلعب دورًا فعالًا في هذه العمليات، بحسب شيخ علي، إذ يحاول إعادة المسار العسكري لـ”قسد” نحو جبهتها المفتوحة مع تركيا لتفادي الدخول بتحالف عسكري مع أمريكا ضدها.
وسبق أن أعلنت “قسد” للمرة الثانية، في كانون الأول 2022، عن تعليق عملياتها المشتركة مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، مع اشتداد التهديدات التركية بعملية عسكرية متوقعة ضدها.
وقال المتحدث باسم “قسد” حينها، آرام حنا، لوكالة “رويترز“، إن “جميع عمليات التنسيق والعمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب مع التحالف لمحاربة فلول تنظيم (الدولة الإسلامية) في سوريا، وكذلك جميع العمليات الخاصة المشتركة التي كنا نقوم بها بانتظام، قد توقفت”.
وبرر حنا هذه الخطوة بالقصف التركي الذي طال منطقة تحت نفوذ “قسد”، بينما أكد هذه الخطوة الجيش الأمريكي، الذي قال إن القوات الأمريكية في المنطقة “أوقفت مؤقتًا جميع العمليات المشتركة” ضد تنظيم “الدولة” في سوريا.
إضافة تعليق جديد