اجتماع القاهرة ينعش «الحلّ السوري»
ظهرت مخرجات الاجتماع الوزاري الأوّل لـ«لجنة الاتصال العربية» في القاهرة لتكشف عن توافق حول المسار الذي يجب المضيّ فيه، وتصدّرت هذا التوافقَ، المسألتان الإنسانية والأمنية، بما فيهما من قضايا تتعلّق بمحاربة الإتجار بالمخدّرات، وإنهاء حالة الفوضى الأمنية في بعض المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الحكومة، لما لها من تأثير كبير على أمن المنطقة، ويمهّد التفاهم حول المسألتَين المذكورتَين، الطريق أمام اتّخاذ مجموعة تدابير مشتركة من شأنها أن تحرّك الجمود السياسي وفق المسار الأممي للحلّ في سوريا، بعدما وضع الكرة في ملعب المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن.
وجاء لقاء القاهرة بعد ترتيبات سورية – عربية مشتركة، برز فيها دور الأردن (صاحب الورقة التي بُنيَت على أساسها المبادرة العربية) المحوري، عبر تشكيل لجنة أمنية – عسكرية سورية – أردنية لإنهاء ملفّ المخدّرات، بالإضافة إلى التواصل الدبلوماسي المستمرّ بين البلدين خلال الفترة الماضية. وتَمثّلت آخر حلقات هذا التواصل في زيارة أجراها نائب وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، إلى عمّان، قبيل الاجتماع الوزاري لـ«لجنة الاتصال»، والذي حضره وزراء خارجية سوريا ومصر والسعودية والعراق ولبنان والأردن، بالإضافة إلى الأمين العام لـ«جامعة الدول العربية».
كما سبقت الاجتماع لقاءاتٌ ثنائية عديدة بين الوفود المشاركة، أبرزها تلك التي جمعت وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بنظرائه من السعودية ومصر والعراق.
واتّسمت اللقاءات بالتوافق الواضح على مجمل القضايا التي تمّت مناقشتها، الأمر الذي مهّد الطريق للخروج ببيان ختامي من اجتماع القاهرة، يؤسّس لعمل عربي مشترك من شأنه أن يحرّك جمود الملفّ السوري».
وتضمّن البيان الختامي مجموعة من النقاط البارزة، على رأسها ضرورة خروج القوات غير الشرعية، بما يشير بشكل مباشر إلى القوات الأميركية والتركية المتواجدة في سوريا بشكل غير شرعي، إضافة إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ودعم جهود مكافحة الإرهاب في سوريا، وتكثيف التعاون مع الحكومة السورية. كذلك، ألمح البيان إلى أهمية دعم مشاريع التعافي المبكر، والتي تمثّل الركيزة الأساسية في الملفّ الإنساني السوري، بتشديده على ضرورة معالجة أزمة اللاجئين، بجميع تبعاتها على الشعب السوري وعلى الدول المستضيفة لهم، وتوفير الظروف المناسبة لعودتهم إلى بلادهم.
والجدير ذكره، هنا، أن واشنطن وحلفاءها يحاولون عرقلة تلك المشاريع عبر مختلف الطرق الممكنة، بما فيها سلاح العقوبات الأحادية الجانب، والتهديد المستمرّ بتوسيعها لتشمل الدول المتعاونة مع دمشق، على رغم الضغوط المتزايدة على الدول المستضيفة، وتضاؤل كمية المساعدات الأممية لهذه الدول إلى أدنى مستوى منذ بدء الأزمة السورية، بما ضاعف حجم الضغوط الاقتصادية على تلك الدول، ودفَعها إلى طلب إجراءات تسهيلية من مثل دعوة لبنان إلى استبدال صيغة «العودة غير القسرية» بـ«العودة الطوعية».
وإلى جانب مخرجات لقاء القاهرة، جاءت اللقاءات الثنائية لتبدّد السلبية التي أحيطت بها العلاقات السورية مع بعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية، والتي تدرجها مصادر سورية، تحدّثت إلى «الأخبار»، في سياق «حملة إعلامية بدفع أميركي للتشويش على هذه العلاقات، في سياق المحاولات الأميركية المستمرّة لمنع أيّ تغيير للأوضاع القائمة». أمّا على صعيد الحل السياسي، فتوافقت اللجنة الوزارية على ضرورة إعادة تفعيل المسار الأممي (اللجنة الدستورية) المجمّد، كما على نقل مقرّ عقد اجتماعات هذه اللجنة من جنيف السويسرية إلى مسقط، بهدف تجاوز المشكلة التي تسبّب بها انضمام سويسرا إلى الحلف المعادي لروسيا. ويعني ما تَقدّم أن الكرة باتت في ملعب المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي لا يزال يرفض، بدفع أميركي، نقل مقرّ الاجتماعات، فيما تعتقد المصادر أن تجاوز تلك المسألة بات مسألة وقت، في ظلّ توافق الأطراف المعنيّة على ضرورة استئناف المسار الأممي نشاطه قبل نهاية العام الحالي.
ويؤسّس اجتماع القاهرة، والذي تمّ خلاله الاتفاق على تشكيل لجان متابعة عديدة، للانتقال بالعمل العربي – السوري من مرحلة التوافق السياسي إلى مرحلة العمل الفعلي على الأرض، وهو أمر يتطلّب وقتاً لا يمكن تحديده بدقّة في ظلّ العرقلة الأميركية المستمرة لهذا المسار، الذي اتّفق المشاركون فيه على عقد لقائه الثاني في العاصمة العراقية بغداد. وبينما كان المقداد يشارك في «لجنة الاتصال العربية»، كان وزير الدفاع السوري، العماد علي عبّاس، يعلن من موسكو «جمود ملف التطبيع السوري – التركي»، في ظلّ رفض أنقرة الانسحاب من الأراضي السورية. واعتبر عباس، خلال مشاركته في «مؤتمر موسكو الـ 11 للأمن الدولي» أن الولايات المتحدة وحلفاءها يقفون وراء ما تعيشه سوريا اليوم، لافتاً، خلال لقاء تلفزيوني على هامش المؤتمر، إلى أن تصريح وزير الدفاع التركي، يشار غولر، الأخير حول عدم الانسحاب من سوريا «زاد الأمور تعقيداً»، ومؤكّداً أنه «طالما تركيا تحتل أراضي سوريا لا يمكن أن نتقدّم باتجاه السلام». وأتى ذلك بعد أيام قليلة من تصريحات مشابهة للرئيس السوري، بشار الأسد، رفض خلالها عقد لقاء رئاسي مع تركيا من دون جدول أعمال يتضمّن سحب القوات التركية غير الشرعية من البلاد، معتبراً أن المبرّرات التي تسوقها الأخيرة لبقائها «غير منطقية».
الأخبار
إضافة تعليق جديد