ريف إدلب : هجمات الفصائل السلفية والتركمانية مستمرة ضد وحدات الجيش
محاولات كثيرة لتغير خريطة السيطرة تشهدها مناطق خفض التصعيد في محافظة إدلب ، عبر شنّ هجمات تستهدف مواقع للجيش السوري، تُقابَل بردود عنيفة من الأخير بمشاركة سلاح الجو الروسي، ترمي إلى إعادة تثبيت خطوط السيطرة.
وقد استهدف الهجوم الأحدث الذي شنّه مقاتلون يتبعون «أنصار التوحيد» – وهو فصيل مستقل منخرط في «غرفة الفتح المبين» المشتركة مع «هيئة تحرير الشام» ، قرية الملاحة الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، وذات الأهمية الميدانية كوْنها تشكّل نقطة ارتكاز وإشراف. وبدأ الهجوم، بتفجير نفق كان قد حفره المسلحون سابقاً، تبعته محاولة تقدّم راجلة مُنِيت بالفشل، وفي المقابل، كثّف الجيش السوري القصف المدفعي على خطوط إمداد الفصائل، وأغارت طائراته الحربية بشكل مباشر على تجمعات المسلحين وآلياتهم، في هجمات أظهرت الصور والتسجيلات التي نُشرت دقّتها.
و أكّدت أن خريطة السيطرة لم تتغيّر، لكنها ربطت بين توقيت هذا الهجوم وفوضى الأروقة الداخلية لـ«هيئة تحرير الشام»، بسبب محاولة زعيمها «أبو محمد الجولاني» تشديد قبضته عبر إنهاء وجود بعض الشخصيات المؤثرة الأخرى، من بينها الرجل الثاني «أبو ماريا القحطاني»، الذي يواجه تهماً تتعلق بـ«العمالة». ويُضاف إلى ذلك، تزامن الهجوم مع القصف الجوي المركز الذي نفّذته طائرات سورية وروسية على مواقع حساسة تابعة لـ«الهيئة» خلال الأسبوع الماضي، من بينها مركز لتجهيز المسيّرات، ومركز تدريب، ونقطة قيادة عسكرية. وبينما تمّ تناقل شائعات بأن الهجوم جاء منفرداً من «أنصار التوحيد» ومن دون تخطيط مع «الهيئة»، تؤكّد المصادر أنه كان «مشتركاً بين الطرفين»، وهو ما ظهر جلياً عبر التغطية الإعلامية له من قبل «الهيئة»، فضلاً عن تزامنه مع تنفيذ مقاتلي الأخيرة قصفاً على مرحلتين استهدفَ قرية حزارين المجاورة، وتمكّن الجيش السوري من إفشاله.
وعلى الرغم من فشل الهجوم الأخير، والردّ العنيف الذي نفّذه الجيش السوري عليه، ترى مصادر ميدانية،أن هذا النوع من الهجمات «مرشح للتصاعد خلال الفترة المقبلة، وهو جزء من محاولة تصعيد مستمرة تقودها الهيئة من أجل تصدّر الفصائل التي تقاتل الجيش السوري، واستثمار ذلك في عملية قضم مناطق في ريف حلب بعد توقيع اتفاقيات مع فصائل موجودة على الأرض تقدم لها دعماً مالياً سخياً». كذلك، تعزو المصادر التصعيد إلى «محاولة لضرب أي تقدم على طريق التطبيع بين دمشق وأنقرة، والذي ترى الهيئة أنه يستهدفها بالمقام الأول».
ويأتي التحرك الأخير استكمالاً لسلسلة الهجمات التي تحاول «الهيئة» شنّها على طول الشريط الفاصل بين مناطق سيطرتها من ريف اللاذقية حتى ريف حماة مروراً بإدلب، حيث شهد ريف اللاذقية الشمالي، خلال الأسبوعين الماضيين، قصفاً متواتراً بالقذائف الصاروخية و«الهاون»، بالإضافة إلى محاولة شنّ هجمات عن طريق طائرات مسيّرة، تمكّن الجيش السوري من إسقاطها في مناطق متفرقة بين ريفَي إدلب وحماة. وفي حين تمثّل حملة التصعيد المستمرة فرصة للجولاني لتصدير نفسه «قائداً للمعارضة»، تفتح هذه الهجمات الباب على مصراعَيه أمام عملية عسكرية قد ينفذها الجيش السوري في ظل استمرار تقاعس تركيا عن عزل الفصائل «الإرهابية»، وفتح طريق حلب – اللاذقية (M4). وكلّ ما تقدّم يعيد إلى الأذهان سيناريو مشابهاً تمكّن خلاله الجيش السوري من فتح طريق حلب – دمشق (M5) بالقوة قبل نحو ثلاثة أعوام، وخصوصاً أنه استقدم خلال الشهرين الماضيين تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مناطق ريفَي إدلب وحماة.
وبموازاة ذلك، زار وفد من «الكونغرس» الأميركي مناطق في ريف حلب الشمالي، وجال في أحد المخيمات في الشمال الغربي من سوريا، بمشاركة رئيس «هيئة التفاوض السورية»، بدر جاموس، لنحو ساعة ونصف الساعة. وفي خلال الجولة، استعرض ثلاثة أعضاء من الكونغرس، هم فرينش هيل وبن كلاين وسكوت فيتزجيرالد، الحضور الأميركي في المنطقة الخارجة عن سيطرة الحكومة. ومثّل هذا الاستعراض، أمام عشرات كاميرات التصوير، محاكاة لزيارة مماثلة قام بها عضو الكونغرس الأميركي، جون ماكين، قبل عشر سنوات، للمنطقة ذاتها، بالتوازي مع انطلاق مشروع أميركي لتدريب مقاتلي المعارضة السورية بالتعاون مع تركيا، عاد ليمنى بالفشل لاحقاً.
وأعادت الزيارة، التي جاءت بتنسيق من جماعات أميركية من أصل سوري شكّلت خلال الأعوام الماضية «لوبي» في أروقة السياسة الأميركية، فتح الباب أمام عروض سابقة تقدّم بها رجال أعمال أميركيون من أصول سورية لتأسيس مشاريع اقتصادية للاستفادة من استثناءات «قانون قيصر». وتشمل هذه المشاريع مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية – قسد» ومناطق في ريف حلب، لتصبّ في سياق محاولة أميركية مستمرة لفتح الأبواب المغلقة بين «قسد» والفصائل التي تسيطر على ريف حلب – وهو ما يُقابل برفض تركي حازم -، أملاً في توحيد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة. كذلك تأتي الزيارة في وقت يشهد فيه دور «الائتلاف» المعارض تراجعاً كبيراً لصالح «اللجان المحلية» و«الحكومة المؤقتة» و«هيئة التفاوض» التي يجري تعويمها، في إطار مشروع تركي يهدف إلى توحيد مرجعية المناطق التي تنتشر فيها الفصائل الموالية لها وربطها بـ«والٍ تركي» واحد، لتخفيف الأعباء الأمنية والاقتصادية المترتّبة على أنقرة.
جاءت الزيارة بُعيد ثلاثة أيام على زيارة ذات طابع عسكري أجراها وزير الدفاع الأميركي السابق، كريستوفر ميلر، إلى مناطق سيطرة «قسد»، ليعيد تأكيد استمرار دعم «الإدارة الذاتية»، تحت مظلة جديدة تستخدمها واشنطن لتبرير وجودها العسكري غير الشرعي في سوريا، وهي «محاربة المخدرات»، إلى جانب «محاربة الإرهاب». والذرائع هذه نفسها استخدمها أيضاً رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، مارك ميلي، خلال حوار أجراه مع «قناة المملكة» الأردنية، الخميس الماضي، أعلن خلاله أن بلاده «ستحافظ على وجود عسكري محدود لمحاربة الإرهاب ومكافحة المخدرات».واستبعد ميلي زيادة عديد القوات الأميركية في سوريا، إذ ربطه بـ«مدى التهديدات والحاجة»، علماً أن القوات الأميركية استقدمت خلال الفترة الماضية تعزيزات عسكرية غير مسبوقة من بينها آليات ثقيلة ومنظومات حرب إلكترونية وغيرها، لتحصين قواعدها في المناطق النفطية السورية، وفي قاعدة «التنف» عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن، والتي تشكل قاعدة إمداد خلفية لدعم مقاتلي تنظيم «داعش» الذين كثفوا هجماتهم الدامية في الفترة الأخيرة، بحسب دمشق وموسكو.
الأخبار
إضافة تعليق جديد