زيارة الأسد لبكين: نحو انتعاش العلاقات الاقتصادية
زياد غصن:
لم تخرج العلاقات الاقتصادية السورية - الصينية، طوال السنوات الماضية، عن إطار إعلان النوايا والرغبات المشتركة في تطويرها، وتعزيز ذلك بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي عجزت عن حجز موقع لافت لبكين على خارطة الاستثمارات السورية حتى ما قبل العام 2011، وإنْ كانت أسهمت بأسلوب أو بآخر، في السنوات الأخيرة من العشرية الأولى من القرن الحالي، في جعل الصين من بين الدول الثلاث الأولى المورّدة للسلع والبضائع إلى الأسواق السورية. عقبذاك، جاءت الحرب السورية لتضيف عوائق جديدة على هذا الطريق، وتتسبّب تالياً في تجميد أيّ حديث عن تعاون اقتصادي يتخطّى جانب المبادلات التجارية والمساعدات الفنية التقليدية، بدليل أن الاجتماعات الدورية السنوية للجنة العليا المشتركة بين البلدَين، والمشكَّلة في العام 2001، توقفت عن الانعقاد منذ العام 2010. لكن حديث الدولتين عن رغبتهما في تطوير التعاون الاقتصادي بينهما، عاد ليتجدّد مع زيارة وزير الخارجية الصيني إلى دمشق في تموز 2021، ثمّ قيام دمشق، في 2022، بالتوقيع على اتفاقية الانضمام إلى مشروع «الحزام والطريق». لكنّ ذلك لم يُحدث إلى الآن فرقاً لافتاً في بنية العلاقات الاقتصادية الخارجية لكلتا الدولتين. وعليه، إن ما ستسفر عنه زيارة الرئيس بشار الأسد لبكين حالياً، وما يمكن أن توفّره من مظلّة سياسية داعمة لمشروعات التعاون الاقتصادي، سيحدّد ما إذا كان هناك تحوّل نوعي مرتقب في العلاقات، أم أنها ستحافظ على وضعها الراهن.
ليست الشريك الأول
في مراجعة لواقع العلاقات الاقتصادية بين البلدَين في السنوات الأخيرة، يمكن التوقّف عند ثلاثة معطيات رئيسية:
- الأوّل، يتمثّل في تذبذب معدّلات التبادل التجاري في سنوات الأزمة، وتحديداً في ما يتعلّق بالواردات السورية من الصين، والتي شكّلت ما نسبته 8.8% من إجمالي الواردات السورية عام 2010، وهي أقلّ من نسبة الواردات من تركيا آنذاك. وإبان الأزمة، تباينت نسبة الواردات من الصين تبعاً لأسباب كثيرة، أبرزها ما يتعلّق بالصعوبات التي واجهت المستوردين والأسواق التي تعاملوا معها، فوصلت عام 2015 الى نحو 6.5%، وعاودت ارتفاعها في 2020 مُحقّقةً 10.9%، متجاوزةً بذلك ما حقّقته عام 2010. لكنّ اللافت هو تراجعها في العام التالي (2021)، الى 8.8%، في حين كان يُنتظر تحسّنها على خلفية زيارة وزير الخارجية الصيني إلى دمشق بُعيد إعادة انتخاب الأسد لمدة رئاسية جديدة. - المعطى الثاني، يتعلّق بالاستثمارات البينية المنفَّذة، والتي كانت قبل الأزمة محدودة جدّاً وتقتصر على بعض الشراكات بين رجال أعمال البلدَين. فمثلاً، من بين أكبر 63 مشروعاً استثمارياً منفَّذاً قبل الأزمة، لم يكن هناك أيّ مشروع أو شريك صيني، بخلاف دول أخرى كإيران، الكويت، فرنسا، السعودية، وغيرها. وبين عامَي 2009 و2019، لم تشمل «هيئة الاستثمار السورية» سوى مشروعَين استثماريين فيهما شريك صيني، الأول مشروع لنقل الركاب والمجموعات السياحية في 2011، والثاني لإنتاج خلاطات المياه بأنواعها عام 2019، وكلاهما لم يجدا طريقهما إلى التنفيذ.
- المعطى الثالث، خاص بمجالات التعاون الفني وتقديم الدعم الإنساني. في هذا السياق، قدّمت الصين خمس اتفاقيات مساعدات أو مِنح مجانية بقيمة 100 مليون يوان صيني، استُخدمت لتقديم معدّات تصبّ في خدمة المجال الإنساني وتخفيف المعاناة في قطاعات الكهرباء والمياه والنقل والصحة وغيرها. كما قدّمت مساعدات غذائية وصحية في أعقاب انتشار جائحة «كوفيد 19»، وكارثة الزلزال الذي ضرب أربع محافظات سورية في شباط الماضي، إضافة إلى التعاون في مجالات التدريب والتعليم العالي وغيرها.
فرص كثيرة... ولكن
يأخذ البعض على بكين «تلكّؤها» في دعم دمشق اقتصادياً، خلافاً لما فعلته سياسياً على مدار السنوات منذ 2011. لكنّ الجانب الصيني له مبرراته في سياسة «الحذر الاقتصادي» التي اتّبعها في السنوات السابقة، فمن جهة، لا تزال العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق تمثّل عائقاً أساسياً أمام الشركات الأجنبية الراغبة في العمل والاستثمار في سوريا، فضلاً عمّا أفرزته تلك العقوبات من مشكلات فنية وتمويلية كثيرة، ومن جهة أخرى، تسهم المشكلات الكثيرة التي تعاني منها بيئة الأعمال في سوريا في تأجيل أيّ قرار صيني بالاستثمار. وأتى هذا رغم الاقتراحات المهمّة التي قدّمتها دمشق سابقاً في إطار تنفيذ مبادرة «الحزام والطريق»، كالربط السككي بين مرفأ طرطوس والحدود العراقية، وإنشاء طريق برّي سريع من الجنوب إلى الشمال، ومشروعات أخرى في مجالات توليد الكهرباء واستكشاف النفط والغاز، إضافة إلى إقامة مناطق حرة صينية في محافظتَي حمص واللاذقية.
ومع الزيارة التي يقوم بها حالياً الأسد لبكين، تتجدّد الآمال حيال إمكانية توسيع دائرة التعاون الاقتصادي لتشمل مجالات عدة، اعتماداً على ما تحتاجه سوريا الخارجة من حرب مدمّرة، وما تملكه الصين من إمكانات وقدرات، وهي، وفق فيصل عطري، رجل الأعمال السوري المقيم في الصين، تتوزّع على أكثر من ستة قطاعات تبدأ بقطاع الطاقة كبناء مزارع لتوليد الطاقة من الشمس والرياح والقيام بعمليات استكشاف وتنقيب، مروراً بإعادة الإعمار، وليس انتهاءً بالصناعة، ويمكن الإفادة منها عبر إبرام عقود إنشاء لعدد من المصانع السورية الخارجة عن الخدمة أو المتعثّرة وإعادة تأهيلها وتطويرها واستثمارها وفقاً لنظام «BOT». وهذه المجالات، كما يضيف عطري في حديثه إلى «الأخبار»، فرص نجاحها «كبيرة جدّاً، خاصة إذا أدارها الجانب الصيني».
بدوره، يقترح ياسر اكريم، عضو مجلس الإدارة لـ «غرفة تجارة دمشق»، التوجّه نحو «تأسيس شراكات تجارية وصناعية بين القطاع الخاص في كلا البلدين، غايتها إعادة تأهيل المشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة وتحديثها، وإقامة مشروعات جديدة متوسّطة وليس بالضرورة كبيرة، فضلاً عن إمكانية توسيع مجالات التعاون التجاري. إذ يمكن أن تتحوّل سوريا إلى مورّد وموزع للسلع والبضائع الصينية في المنطقة». ولفت إلى أن «ذلك يتطلّب إجراءات اقتصادية تصحيحية من الحكومة السورية، كمنح تسهيلات خاصة للتعاون مع الشركات الصينية، واعتماد نظام الضرائب والرسوم الجمركية الصفرية، وفتح قنوات تواصل بين الفعاليات الاقتصادية في البلدَين».
ومن غير المستبعد في الزيارة الحالية، أن يناقش المسؤولون الاقتصاديون السوريون، مع نظرائهم الصينيين، إمكانية تقديم قروض وفتح خطوط ائتمانية كما فعلت روسيا وإيران. وهذا في رأي عطري ممكن، «فالدعم الصيني متنوّع، وبالتأكيد يمكن الحصول على قروض وخطوط ائتمان، لكن هذا ما لا أنصح به بتاتاً في ضوء الحالة السورية خوفاً من تبديد تلك القروض من دون جدوى، وتالياً، الأفضل إقامة شراكات اقتصادية تؤسّس لمشاريع زراعية وصناعية وسياحية وتجارية».
إضافة تعليق جديد