قراءة مؤشرات الاستطلاعات الإسرائيلية حول المفاوضات مع سورية
الجمل: أكد الرأي العام الإسرائيلي مرة أخرى رغبته القوية في إجراء مفاوضات السلام مع سوريا، وقد نشرت الصحف الإسرائيلية، نتائج استطلاع الرأي الذي قام بإجرائه مركز انقوس رايد غلوبال مونيتور، وكان الإشراف العملي على الاستطلاع بواسطة ماقاى موشوت.
• الوصف العام:
تم إطلاق الاستطلاع بواسطة راديو إسرائيل، وكان السؤال الرئيسي الذي دارت حوله الإجابات، هو:
هل تؤيد بدء مفاوضات دبلوماسية مع سورية اليوم؟
وكانت الإجابات على النحو الآتي:
- 62% أجابوا بـ(نعم).
- 29% أجابوا بـ(لا).
- 29% إجابات أخرى.
كذلك فقد كانت منهجية الاستطلاع تقوم على إجراء المقابلة مع عينة إحصائية تتكون من 512 إسرائيلياً من البالغين، وقد تمت الإجراءات يوم 20 حزيران 2007م، بهامش خطأ إحصائي قليل نسبياً قدره 4،5%.
• خلفية الاستطلاع:
يقول موقع انقوس رايد غلوبال مونيتور بولز الالكتروني في تقريره الذي نشره يوم 25 حزيران 2007م، وحمل عنوان (الإسرائيليون سوف يرحبون بالمحادثات مع سورية)، وأشار التقرير الاخباري إلى النقاط الآتية:
- العديدون في إسرائيل يعتقدون بأن على حكومتهم الدخول في محادثات مع سورية.
- في آب 2006 قدم عافي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي اقتراحاً بالتفاوض مع سورية من أجل السلام مقابل مرتفعات الجولان. وقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت الفكرة قائلاً: (طوال ما أنا رئيساً للوزراء، فإن مرتفعات الجولان سوف تبقى في أيدينا باعتبارها جزءاً غير منفصل عن دولة إسرائيل).
- منطقة مرتفعات الجولان –تبلغ مساحتها التقريبية 1860 كيلومتراً مربعاً- تم الاستيلاء عليها خلال حرب 1967م، وضمتها إسرائيل إلى أراضيها في عام 1981.
- في 8 حزيران 2007م ناقش الجنرال شاؤول موفاز وزير النقل الإسرائيلي الوضع الراهن، وقال: (على ضوء التوترات في الفترة الحالية، والوضع في الاعتبار لحقيقة أن السوريين أرسلوا رسائل تفيد بأنهم يرغبون في السلام، فإنني أعتقد، ومازلت أفكر اليوم، بأن القناة السرية هي إحدى قنوات التحقق من النوايا والمقاصد والتوقعات، وقد تم القيام بفتح القناة السرية، وقد ظهر بوضوح عن طريق مكتب رئيس الوزراء، وفي هذه المرحلة لا يوجد تجاوب سوري، أو حتى أي تعليق على هذه المسألة).
- في 19 حزيران 2007م أوضح يهود أولمرت الموقف قائلاً: (قال الزعيم السوري بأنه ضد أي شروط مسبقة من جانب إسرائيل، ولكن هناك شروط مسبقة من الجانب السعودي، وأحد الشروط المسبقة يتمثل في أنهم يريدون من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، أن يقوم بأكثر مما سبق بالأساس أن قام به في المسائل والقضايا الإقليمية، وذلك بأن يقوم بدور الوسيط، ولا أعتقد أن الذي يرغب في التحدث مباشرة، يكون محتاجاً لإشراك أمريكا من أجل السماح لهذه المفاوضات بأن تأخذ مكانها).
• المضمون والمحتوى:
- نتيجة الاستطلاع الأخير جاءت ضمن سلسلة من الاستطلاعات السابقة التي أشارت نتائجها إلى أن أغلبية الإسرائيليين تؤيد إجراء مفاوضات السلام مع سوريا.. وهذا بحد ذاته مؤشر جيد، وذلك لأن هذه النتيجة تؤكد صحة النتائج السابقة وذلك لأن التقرير الإحصائي للنتيجة يؤكد صحتها.
- تؤكد هذه النتيجة عوامل القوة والضعف، وذلك لأن تحليل هذه النتيجة على أساس اعتبارات منظور القوة والضعف يشير إلى الآتي:
* قوة الموقف المطالب بالمفاوضات مع سورية: بدليل عدم تغير هذا الموقف طوال الأشهر الماضية، برغم الحملات الإعلامية التي حاولت التقليل من شأن التفاوض مع سورية والتي تزعمها الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو، إضافة إلى ضغوط جماعة المحافظين الجدد، وضغوط الإدارة الأمريكية الرافضة، وتواطؤ يهود اولمرت وزعماء كاديما، وبالتالي فإن عدم تأثير كل هذه الضغوط على الرأي العام الإسرائيلي، يعتبر في حد ذاته ظاهرة غير مسبوقة بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي المفكك المصاب بـ(ولع الحرب).
* ضعف الموقف الرافض للمفاوضات مع سورية: ويبدو هذا واضحاً في الإمكانات والقدرات التي تم توظيفها بوساطة الأطراف الإسرائيلية، والأمريكية الرافضة للحرب، وفشلها في تحقيق أي قدر من التأثير الذي يمكن أن يعزز أطروحاتها ومزاعمها المعادية لسورية، وهي أطروحات مزاعم لم يتم إطلاقها عشوائياً بل شاركت في إعدادها والترتيب لها أعداد كبيرة من مراكز الدراسات وخبراء الإعلام الإسرائيلي، والصهيوني.. وقد قامت الأطروحات والمزاعم بعملية تنميط إعلامي واسع النطاق، تم بثه بواسطة شبكات الإعلام الإسرائيلية والأمريكية التابعة للمحافظين الجدد مثل شبكة أخبار فوكس نيوز وغيرها.
* المفاوضات مع سورية مفتاح البقاء لأولمرت في السلطة: تختلف العلاقة بين قمة وقاعدة نظام الحكم والسلطة في كل بلد تبعاً لاختلاف طبيعة النظام السياسي، وفي دولة مثل إسرائيل، نجد أن العلاقة بين الرأي العام والحكومة الإسرائيلية هي علاقة غير مستقرة، ودائماً عرضة للتوترات بفعل تأثير عدة متغيرات، واستناداً إلى معطيات علم الاجتماع السياسي، يمكن تحديد هذه المتغيرات على النحو الآتي:
أ- متغير الثقة والمصداقية: يزعم الإسرائيليون بأن النظام السياسي في إسرائيل هو نظام ديمقراطي، ولكن تقارير التحقيقات ومحاكمات الزعماء والقادة الإسرائيليين، والذين كان آخرهم كاتساف رئيس الدولة، تؤكد عدم ديمقراطة الدولة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الديمقراطية ليس معناها حق تكوين الأحزاب والتصويت في الانتخابات، بل يكمن مغزاها الحقيقي في (الشفافية)، وهي المتغير المفقود في إسرائيل، وقد ظلت الجماعات والتكتلات المالية والدينية تسيطر على الدولة في إسرائيل.
ب- ظلت الحكومات الإسرائيلية تتصرف وفقاً للأجندة التي يتم الاتفاق عليها في بادئ الأمر بين الزعماء الإسرائيليين وعناصر اللوبي الإسرائيلي، ثم بعد ذلك يتم تأييدها والتأكيد عليها عبر علاقات تل أبيب- واشنطن، وهو أمر يؤكد في حدّ ذاته عدم قدرة الحكومة الإسرائيلية الاعتماد على كيانها المؤسساتي الدولاتي في صنع واتخاذ القرار، والاعتماد بدلاً عن ذلك على النخب وجماعات المصالح الدينية والعنصرية.
وعموماً، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية كما هو واضح من نتائج الاستطلاعات هي حكومة لا تخدم شعبها، وذلك لأنه عندما تكون النخب الحاكمة راغبة في القيام بشيء محدد، وكان الشعب الإسرائيلي الذي انتخبها يرغب في شيء آخر، فإن النخب الإسرائيلية لا تقوم بتلبية رغبات الشعب، بل تحاول استخدام الإعلام وبث الأكاذيب والتضليل من أجل دفع رأي هذا الشعب إلى التغير والانتقال إلى موقف جديد يتطابق مع مصالح النخبة الإسرائيلية الحاكمة.
الآن وقبل كل شيء، على أولمرت أن يعلم جيداً بأنه سوف يكون الخاسر إذا رفض الانصياع لرغبة الشعب الذي انتخبه، وإلا فسوف يحرق مستقبله السياسي ومستقبل حزب كاديما، لأن الشعب الإسرائيلي سوف لن يقف إلى جانبه في الانتخابات، وعنده سوف لن تفيده أو تنفه مواقفه المؤيدة للأقلية على حساب الأغلبية، وسوف تتخلى عنه الإدارة الأمريكية وجماعة المحافظين الجدد، الذين يركزون جهودهم على محاولة إرجاع الليكود وبنيامين نتنياهو إلى سدة السلطة، لذلك ليس أمام يهود أولمرت سوى انتهاز (الفرصة) السانحة أمامه بالإعلان عن بدء التفاوض مع سورية، ليس من أجل سورية، فالسوريون يعرفون كيف يدافعون عن بلدهم، ولكن من أجل أن لا يعرض أولمرت وزنه السياسي للانكشاف والتعرض لـ(مخاطرة) غضب الرأي العام والتي بلا شك سوف تلقي به في أعماق محرقة (مخاطرة) الهزيمة على يد بنيامين نتنياهو.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد