التداوي بالأعشاب.. الطب البديل علوم أم أوهام؟
التداوي بالأعشاب، الطب البديل أو الرديف.. كلها عناوين تشد اهتمامنا خاصة المرضى منا..
وسائل الإعلام لا توفر جهداً وحبراً ووقتاً في الحديث عن هذه الظواهر واللقاءات مع من تصفهم بالمختصين ومع مراكز أخذت تسوق لنفسها ولسلعها في أرجاء الوطن وخارجه..
أعشاب لكل الأمراض.. بدانة، سكري، صداع، مفاصل، ديسك، اضطرابات هضمية، بحصة، عقم، ضغط دم، ربو، شقيقة، دوالي، حب الشباب، صدف، صلع... وغيرها.. مما يدفعنا لنسأل.. إذاً لماذا ما زلنا نمرض؟
فأين الوهم من الحقيقة.. وأين تقف هذه الظواهر الجديدة؟
وأين نضعها.. بين جوانب العلم أم لدى الأدعياء به؟
من يمارس التداوي بالأعشاب.. ما مؤهلاته العلمية؟
ماذا قدم من دراسات؟
هل كافة الأعشاب آمنة؟
وإلى أي حد يختلف التداوي بها عن مهنة العطارة؟
هل سجلت حالات عن أخطاء كادت تودي بحياة البعض؟
من هي الجهات المعنية بضبط هذه الظاهرة؟
وبرسم من عبوات الأعشاب وزجاجاتها التي لا تحمل أي لصاقة تعرف عنها؟
ما هو الطب البديل أو الرديف؟
هل نسير في طريق الاعتراف به كما في بعض دول العالم؟
وأسئلة أخرى كثيرة..
ـ مراكز لا تخشى الإعلان لكنها لا تتحدث مع الإعلام!
بداية حاولنا الاتصال ببعض المراكز التي قرأنا إعلاناتها كي نطلع على ما تقدمه للزبون أو للمريض ولإنصاف تلك المراكز فيما لو كانت على أرض الواقع مثلما تبديه إعلاناتها على صفحات الجرائد..
أحدهم قال لنا: نحن مركز تسويق فقط لأحد الاختصاصيين؟! لكنه رفض الحديث بأكثر من ذلك بل وقال لنا مسؤول العلاقات لدى هذا المركز بأنه من الأفضل لنا عدم الخوض في هذه المواضيع! مركز آخر قال بأن المسؤول غير موجود حالياً وسيتصلون بنا لاحقاً.. نحن كنا متأكدين بأنهم لن يفعلوا.. وهذا ما حدث..
ـ أذى جسيم..
ثم كانت لنا وجهتنا مع نقيب أطباء حمص د.عبد القادر حسن الذي تحدث بكثير من الوضوح.. وسنقدم رأيه بالتفصيل، لكننا سنبدأ بما بدا في غاية الأهمية..
حيث قال: «هناك حوادث مأساوية بسبب استبدال الدواء بالأعشاب، فأحد المرضى المصابين بالسكري توقف عن استعمال دوائه واستبدله بآخر عشبي وصفه له أحد المطببين، وبعد فترة ارتفع لديه السكري بشدة وأصيب بالتهاب شبكية سكري أفقده بصره»..
طبيب آخر ـ أخصائي داخلية ـ سمعنا بأنه يأس لرؤية هذا الكم من الإعلانات عن تلك المراكز والأعشاب العجيبة..
في حديثنا معه طلب عدم ذكر اسمه لأسباب لم نعرفها!
وأيضاً أخبرنا عن أحد المرضى السكريين الذي اقتنع بالإعلانات عن أحد أنواع العسل الشافي من مرضه، فكان أن عمل بذلك..
لكن السكر لديه سجل ارتفاعاً لم يشهده من قبل..
وأضاف: «هناك أعشاب ومركبات تغزو الأسواق ويروج لها على أنها تعالج أمراضاً مثل الصدف، الصلع.. وهي على الأغلب لا تفيد لكنها لا تؤذي أذية جسمية قد تؤدي للوفاة»..
وبشكل عام فإن طبيبنا هذا ليس ضد الأعشاب فبعضها يلعب دوراً مكملاً ومساعداً للعلاج الأساسي التقليدي لكنه ضد أن يعالج بالأعشاب من لا صلة له بعلوم الصيدلة والطب..
طبيب آخر مهتم بالطب المكمل وبعمل الميكروبيوتيك..
أيضاً فضل عدم إيراد اسمه لأسباب احتفظ بها لنفسه..
وعن الجوانب غير الآمنة في التداوي غير المنظم بالأعشاب؟
قال: «إن الاستخدام الخاطئ لها والطب الشعبي يتسببان بالأذى، كما في معالجة التهاب الكبد الحاد حيث يشيع استعمال عشبة «قتة الحمار» كنقوط أنفي مما يسبب التهاباً في المخاطيات الأنفية والهضمية والتنفسية قد تودي بحياة المريض كون هذه العشبة سامة».
وأضاف: «لا يزال الكثير من الوصفات العشبية متداولاً بين الناس كمادة الشيح لعلاج السكري والنتيجة دائماً هي الإصابة بغيبوبة سكرية، كما ويروج شعبياً للعشرق كمادة منحفة رغم محاذير ومخاطر تعاطيها»
إذاً.. ورغم كل ذلك فالإعلانات لا تتوقف وتروج كل يوم للمزيد من النباتات مساهمة في التضخيم من أهميتها والتقليل من أخطارها..
ـ تكريس عقلية القرون الوسطى:
نعود للدكتور نقيب أطباء حمص الذي قال: «لأن الألم والمرض موجودان منذ وجود الإنسان، فقد بدأ تجربته الأولى بالاعتماد على الملاحظة والتجريب حيث لاحظ لجوء بعض الحيوانات إلى عشبة ما لدى إصابتها بأحد الأمراض، كما وقادته الصدفة إلى أن تناول بعض الأعشاب يشفي أو يخفف من الصداع والمغص والرشح والإقياء، لهذا في موروثنا الشعبي الكثير من الأعشاب لعلاج أو لتخفيف مثل هذه الأعراض، لكن مع تطور علوم الطب والصيدلة خضعت النباتات للدراسة واستخرجت منها المادة الفعالة وصنعت بشكل أدوية أعطت نتائج باهرة، ومع تنامي التطور، تطورت وسائل التشخيص والعلاج والتداخل الجراحي وصناعة الأدوية وصولاً لعصرنا الحالي المتمثل بقمة الاكتشافات كاكتشاف الخارطة الوراثية
لجينات الإنسان واستخدام الهندسة الوراثية لعلاج العديد من الأمراض والوقاية منها..
ولكن ما نشهده الآن من ضجة إعلامية وإعلانية حول التداوي بالأعشاب وبالإيحاء وحول التنجيم والشعوذة وحول «عشبة تشفي من كل الأمراض» إنما هو جزء من الغزو الثقافي الصهيوني والأميركي للعقل العربي وتكريس عقلية القرون الوسطى المؤمنة بالإشاعة والخرافة مستغلين الموروث الشعبي ويأس المرضى من أمراضهم المزمنة».
عطارة بحلة معاصرة:
وحول الفرق بين التداوي بالأعشاب والعطارة قال د.الحسن: «إن المداوي بالأعشاب موديل حديث من العطارة يجمع الأعشاب ويمزجها ليشكل مركباً يعطيه للمريض بصفة دواء أما العطار فهو يبيع أنواعاً عديدة من الأعشاب المعروفة في موروثنا الشعبي، وعادة لا يتدخل في الكمية والنوع اللذين يرغب بهما المشتري أو المريض».
وعن الطب البديل وأين هو ضمن هذه الظواهر والمفاهيم؟
أجابنا: «بأن اصطلاح طب بديل هو خطأ فادح والأصح وضعه بالرديف أو المكمل، وفي واقع الأمر والمتعارف عليه طبياً عادة ما يرفق الطبيب وصفه للدواء بحمية غذائية معينة أو باستعمال بعض النباتات الملطفة والمخففة».
وحول علمنة التداوي بالأعشاب قال: «أصبح لدينا في سورية شركات أدوية مختصة بتصنيع عقاقير من أصل نباتي وبطريقة علمية صحيحة ويتم وصفها من قبل الأطباء وهذا هو الشكل الصحيح للتداوي بالأعشاب».
ـ الحد من هذه الظاهرة مسؤولية تتحملها وزارات عديدة:
وفيما يخص الفوضى والعشوائية السائدة في ممارسة هذه المهنة أكد د.الحسن على عدم وجود أية جهة رسمية تمنح ترخيصاً لشخص أو حتى لطبيب للمعالجة بالأعشاب..
وعلمياً يوجد نوعان من الأشخاص ممن يمارسون هذا النوع من المداواة..
النوع الأول يمثله أفراد لا يملكون أية شهادة طبية بل ولا علاقة لهم بالطب لا من قر يب ولا من بعيد ورغم ذلك يدّعون معالجة الأمراض المزمنة والمستعصية دون أية رقابة أو شروط وهنا الطامة الكبرى.
والنوع الثاني يمثله بعض الأطباء ممن يمارسون هذا النوع من العلاج منطلقين من تحصيلهم العلمي ومن دراستهم لبعض النباتات فيعمدون لوضعها لمرضاهم مرفقين إياها بالأدوية التقليدية، وهذا النوع يندرج في إطار من يمارس الطب الرديف.
أما مسؤولية الحد من هذه الظاهرة ووضعها في الإطار المهني والقانوني فتقع على عاتق جهات عديدة من صحة، تعليم عالي، عدل وداخلية ولابد من تضافر جهودهم كافة»..
ـ لا مراكز لدينا للبحث في النباتات الطبية الغنية بها بلدنا:
أما الطبيب المهتم بالطب البديل والذي فضل عدم ذكر اسمه، فرأى الحل ليس في المراقبة والقمع لأنهم سيمارسون مهنتهم في الأقبية فيما لو اضطروا لذلك، إنما في إيجاد البديل العلمي من نشرات تبين للناس ما عرف علمياً عن الأعشاب، وبيع تلك
الأخيرة في الصيدليات وإناطة استحضارها بالأطباء والصيادلة..
وأضاف: «بعض شركاتنا الوطنية مهتمة بالأدوية النباتية لكنها لا تقوم بأية أبحاث عنها بل تستورد المادة الأولية لتنتج منتجاتها الدوائية بامتياز أو بترخيص من شركات غربية علماً أن بلادنا غنية جداً بالأعشاب النادرة والطبية التي لو عزز الجانب العلمي للتداوي بها فإنها ستعود بفائدة صناعية وطبية وبيئية وسياحية حيث سنستقطب المزيد من الطلاب والاختصاصيين المهتمين في البحث حول الأعشاب وعنها، وبالتالي سنؤمن مورداً من العملات الصعبة يتأتى من قدومهم إلينا، كما وسنوفر تكلفة استيراد المادة الأولية..»
وأضاف متسائلاً: «لماذا لا تقام أقسام في المشافي المحدثة لطرق الطب غير التقليدي؟ أسوة بدول في الغرب والشرق تعمد على تنشيط العلوم القديمة الجديدة وتقيم من أجلها المعاهد والجامعات، وأكبر دليل على نجاعة الحل العلمي تواجد (450) صنفاً دوائياً عشبياً يباع في صيدليات ألمانيا الغربية.. ولكن «وما زال الكلام له» ما يدعونا للتفاؤل هو توافر (35) صنفاً دوائياً عشبياً في سوقنا السورية ما يعني أننا نسير نحو علمنة وتطوير هذه الظاهرة القديمة الجديدة.
هالة حلو
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد