صناعة التنميط من ريغان حتى بوش
الجمل: تهدف ثقافة الـ(تنميط) إلى تقديم الأفكار والمفاهيم التي تتبناها بعض الجماعات والأفراد، من أجل توصيف الأطراف الأخرى بسمات وخصائص معينة أمام الرأي العام.. وعادة ما تتم عملية اللجوء إلى استخدام التنميط ضمن اتجاهين، الأول إيجابي يهدف إلى تضخيم وتمجيد الطرف الآخر بإعطائه حجماً وبعداً قيمياً أكبر من حجمه، والثاني سلبي يهدف إلى التقليل من شأن الطرف الآخر وإعطائه حجماً وبعداً قيمياً يحط من قدره ويقلل من حجمه، إضافة إلى جعله هدفاً لمشاعر الكراهية وعدم الاحترام.
يقول خبراء السوسولوجيا الثقافية، والمختصون في مجالات تحليل المضمون في الإعلام والاتصال الجماهيري، بأن عملية التنميط تقوم على أساس اعتبارات الكاريكاتور السلبي (الذي يضفي قيماً سلبية ويستأصل القيم الإيجابية)، أو الكاريكاتور الإيجابي (الذي يضفي قيما إيجابية ويستأصل القيم السلبية) وهذه الثقافة الكاريكاتورية بشقيها السلبي والإيجابي، ظلت معروفة ويتم استخدامها في مختلف أنحاء العالم، وذلك منذ فجر الثقافة الشعبية الفولكلورية، وتبدو أكثر وضوحاً في الأداء الثقافي الشعبي الفولكلوري الذي يهدف إلى تمجيد الذات والعشيرة والقبيلة والبطل الشعبي من جهة، وفي الوقت نفسه من الجهة الأخرى يهدف إلى الحط من قدر الـ(غير)، والآخرين، وبالذات الخصوم والأعداء عن طريق إضفاء المزيد من القيم السلبية عليهم.
في الماضي كان يقوم بعملية التنميط شاعر القبيلة، أو الساحر، أو رجال الدين، ولكن في الفترة المعاصرة، تطورت عملية التنميط، وأصبحت صناعة، تخضع لكل مراحل ودورات الإنتاج الصناعي. وبكلمات أخرى تشترك عدة جهات وأطراف في القيام بعملية إنتاجها، بحيث أصبحت مراكز الاتصال والإعلام الجماهيري تقوم بدراسة وتحليل المواد الخام الثقافية.. تختار القيم والمصطلحات الإيجابية والسلبية المطلوب إضفاءها على الطرف المستهدف بعملية التنميط، أو سلبها منه للتأثير عليه سلبياً.. ثم يأتي بعد ذلك دور خبراء المعلوماتية والصحافة، ويدرسون ويحللون مدى جودة الـ(بضاعة) المنتجة والكيفية التي يمكن بها الترويج والتسويق لهذه البضاعة في العالم، ومدى تناسبها مع أذواق المستهلكين، وكيفية تقبلهم لها، وهل يستطيع الرأي العام استيعاب وهضم هذه البضاعة الجديدة، أم أنه سوف يكون لها أعراض جانبية، يتوجب الاستعداد لمعالجتها، حتى لا تعوق نجاح عملية التنميط.
على خلفية معطيات خبرة علم السوسولوجيا الثقافية في مجالات الإعلام والاتصال والصحافة المعلوماتية، تم توضع أربعة قواعد أساسية باعتبارها تمثل المبادئ والمرتكزات لعملية التنميط، وهي:
• التبسيط: ويهدف إلى جعل العناصر والمكونات المستخدمة أكثر بساطة بما يجعل استيعابها وفهمها أكير سهولة أمام المتلقي، وذلك لأن كثرة التعقيدات تؤدي إلى تنفير الطرف المتلقي.
• التضخيم: وذلك بالتركيز على ضبط ومعايرة حجم الـ(محتوى) المضموني وفقاً لمبدأين:
- في حالة التأثير الإيجابي يتوجب جعل المزايا الإيجابية أكبر ما يمكن والمزايا السلبية أصغر ما يمكن.. وذلك على النحو الذي يرفع من قيمة وقدر صورة الطرف المستهدف بأكبر ما يمكن، بحيث تكون أفضل ما يمكن.
- في حالة التأثير السلبي يتوجب جعل المزايا الإيجابية أقل ما يمكن والمزايا السلبية أكبر ما يمكن، وذلك على النحو الذي يقلل من قيمة وقدر صورة الطرف المستهدف بأكبر ما يمكن، بحيث يشم تشويهها، وبحيث تكون أسوأ ما يمكن.
• التعميم: ويهدف إلى استخدام القيم والخصائص العامة المتعارف عليها، وذلك من أجل تسهيل عملية التغلغل والنفاذ من أجل اختراق الإطار العام للنسق القيمي الثقافي العام، كذلك يتمثل التعميم أيضاً في عملية توسيع نطاق التوزيع والنشر بما يغطي أكبر مساحة ممكنة، وذلك بحيث يتم تعميم النموذج التنميطي الجديد ضمن الحدود القصوى.
• التقديم غير المتصنع: ويهدف إلى ضرورة أن تكون عملية تقديم النموذج التنميطي كأنما هي أمر عادي، غير مصنوع أو معد من قبل، فمثلاً يمكن أن يتم تقديم صورة سلبية للطرف الآخر من خلال مشاعر الغضب، أو استغلال مشاعر الفرح والسعادة لتقديم صورة نمطية إيجابية للطرف الآخر.
من أبرز الأمثلة المعاصرة لـ(صناعة التنميط)، قيام الإدارة الأمريكية بالحديث عن محور الشر، خلال فترة الرئيس ريغان، ثم تطورت عملية التنميط أكثر في عهد إدارة الرئيس بوش وأصبحت هذه العملية تتطرف إلى محور الشر (في وصف المعارضين للهيمنة الأمريكية)، ومحور الخير (في وصف المؤيدين للهيمنة الأمريكية)، ثم تطورت صناعة التنميط هذه أكثر فأكثر، وذلك باستخدام بضاعة إعلامية جديدة، تمثلت في مصطلح الـ(فاشية الإسلامية) الذي استغل جورج بوش مشاعر الغضب الغربي عند انتشار خبر اكتشاف محاولة تفجير الطائرات المسافرة بين لندن وأمريكا، وأحداث لبنان الأخيرة، ومن ثم قام بالحديث بشكل غاضب أمام الرأي العام، وأطلق مصطلح هذه البضاعة الجديدة، من خلال تصنعه اتصالات عدم الرضا والاستياء، وتقمصه لدور الشخص الغاضب.
أكدت الدراسات الجارية بأن المصطلح الذي أطلقه جورج بوش لم يأت من فراغ، بل له جذوره وتداعياته والتي يمكن تتبعها في الكثير من نشرات وإصدارات مراكز دراسات المحافظين الجدد والمؤسسات الفكرية والثقافية الصهيونية التابعة للوبي الإسرائيلي في أمريكا، وأيضاً في شبكات وسائط الإعلام الغربية التي تديرها وتشرف عليها العناصر الصهيونية واليهودية.
نيويورك صن (Newyork sun)، ناشونال ريفيو (National Review)، أمريكان سبيكتيتور (Amreican spectator)، ويكلي ستاندارارد (Weekly Standarad)، إضافة إلى شبكة السي.إن.إن (CNN)، وفوكس نيوز (Fox News) جميعها تورطت في عملية نشر وتعميم مصطلح بضاعة جورج بوش الجديدة، وتشير الإحصاءات إلى أن عملية الترويج والتسويق لهذه البضاعة الجديدة، كانت على النحو الآتي:
- نيكسيس (Nexis) روجت لمصطلح فاشية- إسلامية حوالي 56 مرة.
- سي.إن.إن (CNN) روجت للمصطلح 24 مرة.
- صحيفة الواشنطن تايمز (Washington Times) روجت له في صفحاتها 115 مرة.
كذلك نظمت عملية الترويج والتسويق إضافة مصطلحات فرعية جديدة بحيث يتم استخدامها لتعزيز وتدعيم المصطلح الرئيسي، ومن أبرزها: الكراهية، الخرافة، الاستعلاء، الجهل... وغيرها.
وحاليا تقوم شبكة أخبار فوكس نيوز (Fox Newx) التي يملكها ويشرف عليها الصهيوني اليهودي الأمريكي والزعيم البارز بجماعة المحافظين الجدد روبرت مردوخ بدور بارز في عملية تعميم هذا المصطلح وتوسيع نطاق نشره في سائر أنحاء العالم.
الجمل: قسم الترجمة والدراسات
إضافة تعليق جديد