القوى الغربية والديموقراطية الإرتوازية تجاه سورية
الجمل- ترجمة رندة القاسم:
بينما يطالب الغرب سورية بسحب قوات الأمن من مدن تجول فيها عصابات إرهابية و ترتكب فظاعات بما فيها الخطف و التعذيب و قتل المدنيين، الأمر الذي وثق في تقرير المنظمة المملوكة من الغرب Human Rights Watch تحت عنوان: ( سورية : مجموعات معارضة مسلحة ترتكب إساءات)، فانه ينكر على مواطنيه حق الاحتجاج سلميا في (حركة احتلوا وول ستريت) للتعبير عن مظالمهم. و باستمرار تتلقى الحكومة السورية تهديدات من الغرب للبدء في عملية "الانتقال" السياسي، أو للدقة ، الإذعان لمطلب تغيير النظام و الذي يلقى دعما من الغرب مع وجود ميليشيات مسلحة، بينما ينتهج الغرب سياسة صارمة ضد التفاوض مع مطالب الإرهابيين.
و في حين اختلق الغرب أعذارا لا تحصى لكنس شوارع مدنهم الكبرى من احتجاجات (احتلوا) الطويلة، كان يؤكد بأن ليس على السوريين احتمال "احتلال" مسلح فحسب، بل أيضا تلبية طلباتهم فورا. ما يثير التساؤل حول الإجراء الذي كانت ستتخذه أية حكومة غربية في حال طالب محتجون القيادة بالتنحي، و قاموا بذلك عن طريق عنف مسلح.
في أوروبا يوجد انشقاقيو الباسك الاسبانيون، و الذين يعتبرون إرهابيين عبر بلدان الاتحاد الأوروبي، و انكلترا و الولايات المتحدة. و كذلك حال الجيش الجمهوري الايرلندي اذ يعتبر منظمة ارهابية شرسة تسعى المملكة المتحدة لتدميرها بحملات عسكرية قاسية، محولة المدن كلها الى مناطق حرب.
و في الولايات المتحدة الأميركية، لم يكن هناك انتفاضات مسلحة منظمة حقيقية، و مع ذلك لا تزال الحكومة تعبئ جيشها لذبح مواطنيها كما حدث خلال حصار واكو في تكساس عام 1993. و مشاهد الدبابات و الطائرات المروحية على خلفية المناظر الطبيعية في تكساس و الدمار اللاحق تماثل كل الادعاءات حول سورية، بما فيها قتل النساء و الأطفال.
و لكن ، خلافا لما حدث في سورية، حيث كان الإرهابيون يعملون بقوة على نشر العنف المتضمن حملات تفجير و اغتيالات مستهدفة و خطف، كان الناس في واكو منهمكون بالعمل في ممتلكاتهم.
و عندما استولت جماعات مسلحة على الطرقات، كما حدث في احتجاجات لوس أنجلوس عام 1992 ، كانت الحكومة بعيدة جدا عن سحب قوات الأمن من المدينة و الإذعان للمطالب. فإضافة إلى الشرطة التي كانت تطلق النيران على كل من التهديدات المسلحة و السارقين، تم حشد الآلاف من الحرس الوطني و المارينز لاستعادة النظام. و خلافا لسورية، حيث كان المتمردون مسلحين بال آر.بي.جي ، دبابات، صواريخ فرنسية الصنع، بنادق هجوم شبه اتوماتيكية ،مدافع رشاشة و مدافع هاون، كان المحتجون في لوس أنجلوس مسلحين بمسدسات و بنادق عادية أو خردق أو ببساطة بعرباتهم، و مع ذلك تم حشد الجيش و بالطبع قتل أميركيين في شوارعهم.
من المنطق قيام حكومة باستعادة النظام في بلدها، و الحفاظ على حياة و حرية أغلبية مواطنيها الذين لم ينطلقوا الى الطرقات لارتكاب السرقة و العنف و الأذى. و لو أن الحكومة الأميركية لم تتصرف و استمر العنف و خرج عن السيطرة، لقام الناس في لوس أنجلوس بمناشدة قوات الأمن لاستعادة النظام و لاعتبروا الحكومة متهاونة في واجباتها في حال الفشل بتحقيق ذلك.و على الأغلب كانوا سيطبقون القانون بأنفسهم تماما كما يفعل الآن آلاف السوريين ضد فرق الموت المدعومة من قبل الناتو.
إذن، لماذا يطالب الغرب سورية بالالتزام بمعايير هو نفسه رفضها علنا؟ هذا الأمر يذهب الى ما وراء النفاق، انه إعلان للعالم أن القانون الدولي وجد فقط كطريقة لتبرير توسيع السيطرة الغربية على العالم. انه غزو عسكري صريح يختبأ وراء قناع "القلق الانساني" .
و سورية ، و كحال أي دولة ذات سيادة أو أي إنسان على الأرض، تملك الحق بالدفاع عن نفسها لاستعادة النظام ضمن نطاقها.و ما كانت الولايات المتحدة و انكلترا و فرنسا لتسحب قوات الأمن من مدنها حيث توجد ميليشيات مسلحة بالصورايخ و الدبابات و مدافع رشاشة تقتل قوات الأمن و المدنيين و بالطبع لن تتخلى عن الحكم في وجه هذه التهديدات المسلحة. في الواقع، و بعد غزو أمم أخرى بذرائع زائفة و تنشيط المقاومة المسلحة، كانوا يقومون فيما بعد باستخدام هذا العنف لتبرير الاحتلال الدائم. و يصفون هؤلاء الناس بالإرهابيين و يقومون فيما بعد بحملات دموية لتصفيتهم.
و بلغ الفساد و النفاق و اللاشرعية المميزة للأمم المتحدة و المصالح الغربية حدا كبيرا مع مطالبة الجنود السوريين بالانسحاب من مدن مبتلية بالإرهابيين، و لكن دون ذكر للإرهابيين أنفسهم أو انتهاكهم المتسلسل لخطة السلام. و الأمر الذي تقوم به وول ستريت و لندن عبر مؤسساتهما الدولية هو تنكر الامبريالية بزي (القلق الانساني) و ما هذا سوى أضعف أنواع الخطب البلاغية ضمن تاريخ طويل من الخطب الضعيفة التي تستخدم الناس لمصالح الإمبراطورية.
*بقلم توني كارتالوتشي باحث جيوسياسي و كاتب مقره في تايلاند
عن موقع Land Destroyer Report
الجمل قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد