موسيقى الشارع في ألمانيا: تسول أم ارتقاء بالذوق العام؟
موسيقى الشارع فن قائم بحد ذاته، وهو مشهد يتكرر في غالبية الدول الأوروبية وخصوصاً في ألمانيا، حيث يتناهى لمن يتجول في ساحاتها العامة وشوارعها التي تعج بالمارة، أنغام موسيقى بيتهوفن أو موزارت.
ويبدو العزف الموسيقي على قارعة الطرق وفي ساحات المدن الألمانية أو داخل محطات المترو، وسيلة للاحتكاك بالجمهور أكثر مما هو وسيلة للعيش.
وبالرغم من أن البعض ينظر إلى هذا الفن كوسيلة للتسول، إلا أن العازفين الذين ينتشرون في شوارع برلين ليسوا فقط من هواة عزف الموسيقى، بل يوجد بينهم أيضاً أشخاص درسوا الموسيقى وأتقنوا فنونها.
ويتجول هؤلاء في المدن الأوروبية بصحبة آلاتهم الموسيقية بهدف السياحة واكتساب الخبرة بالعزف أمام جمهور عام. ويعزف البعض في الشارع بناءً على طلب المؤسسات الثقافية في المدينة، وذلك بهدف الارتقاء بأجوائها ثقافياً وتنشيط الحركة السياحية فيها، وتوفير سماع الموسيقى مجاناً لفئات مختلفة من البشر.
وتتنوع الموسيقى بين كلاسيكيات الإرث الموسيقي العالمي، التي تتضمن مقاطع من سيمفونيات مشاهير وعمالقة الموسيقى الأوروبية مثل باخ وهايدن وشوبان وموزارت، بالإضافة إلى الجاز، والبوب، والروك، والراب.
ويتطلب عزف الموسيقى في الشارع تخطي حواجز نفسية كثيرة، بينها حاجز الخجل والاستعداد لخوض تجربة مليئة بالمفاجآت والمغامرات. ويختلف فن العزف في الشارع عن العزف في الحفلات وقاعات الموسيقى.
وتقول عازفة الكمان كلاوديا نوفر إن «العزف في الطرق يتطلب جهداً كبيراً لاستقطاب الجمهور»، مضيفة أن العازف غالباً ما «يعزف في ضوضاء المارة المنشغلين بأشياء أخرى».
أما عازف «الساكسفون» ستيف لوزين، في مدينة كولونيا، فيقول إن «المارة يتمتعون بذوق موسيقي أيضاً، فإذا أُعجب هؤلاء بالموسيقى يقفون ليستمعوا إليها لفترة طويلة، وإذا لم تنل إعجابهم يغادرون المكان فوراً».
وتنظم مهرجانات موسيقى الشارع في عدة مدن ألمانية، بينها مهرجان في مدينة بريمن الذي نُظم للمرة الأولى في العام 1996، وهو بمثابة مسابقة موسيقية بين فرق متنوعة في العالم. ويطلق على المهرجان اسم «بريمر شتات موزيكانتين» أي «موسيقيو مدينة بريمن». وعزفت الفرق المشاركة موسيقاها على قارعة الطرق، فيما مثل المارة لجنة الحكم.
كما يُنظم مهرجان «رودول شتادت» للرقص وموسيقى الفولكلور الذي تستمر فعالياته ثلاثة أيام متتالية، وتتوزع الفرق الموسيقية بين طرقات المدينة لتسلية المارة بالموسيقى الحية. ويعد هذا المهرجان الذي يتيح لعدد كبير من الموسيقيين الأوروبيين العزف على قارعة الطرق بمثابة تجربة فريدة مليئة بالمفاجآت. وبالرغم من أن غالبية الفرق الموسيقية تلبي دعوة المنظمات الثقافية لعزف الموسيقى في الشارع، إلا أن بعضها يسعى إلى كسب مردود مالي من الجمهور. ويقول أحد العازفين في فرقة «المايا» هارالد أنغينهوفنفي إنه «بالرغم من أن فرقتنا الموسيقية كانت مدعوة من قبل مديرية الثقافة في مدينة بريمن، إلا أن بعض المارة كان يضع أمامنا بعض النقود»، مضيفاً «كنت أشعر بالخجل، لكن تدريجياً اعتدت على الأمر وأصبحت أتجول في غالبية المدن الأوروبية لأعزف في شوارعها».
وتطالب غالبية المدن الألمانية برخصة لعزف الموسيقى في الشارع، تسمح بموجبها للعازفين بالوقوف أمام مبنى معين، وفي الساحات العامة وبالقرب من محطة المترو، الأمر الذي يؤدي إلى إتقان هؤلاء لأصول العزف، لكن هذا الأمر لا يمنع وجود عدد من الأشخاص الذين يعزفون فقط بهدف التسول.
ويشير لوزين إلى أن عدد هؤلاء يبقى قليلاً مقارنة بالعازفين الموهوبين، مؤكداً أن «عددا قليلا فقط من عازفي الشارع يعتمد على المردود المالي الذي يتكرم به المارة».
(«دويتشيه فيلله»)
إضافة تعليق جديد