«أحرار الشام» تضم ميليشيات «أستانا» وقيادات «القاعدة»
كشفت التطورات الأخيرة في الشمال السوري عن حقائق جديدة من شأنها أن تزيد من تعقيد المشهد سواء عسكرياً أو سياسياً. تتعلّق هذه الحقائق بطبيعة ميليشيا «حركة أحرار الشام الإسلامية» وحقيقة توجهاتها وارتباطاتها ولاسيما في ظل انكشاف التناقض الحاد الذي بات يهيمن على تركيبتها ومواقفها.
فمن جهة، احتضنت «أحرار الشام» أغلبية الميليشيات المسلحة التي شاركت في اجتماع أستانا، الشهر الماضي وعلى رأسها «تجمع فاستقم» و«جيش المجاهدين» وبعض القطاعات من «الجبهة الشامية» و«جيش الإسلام». وذلك على الرغم من أنها لم تشارك في الاجتماع ولم تعلن عن موافقتها على مقرراته الختامية، كما أنها رفضت من قبل التوقيع على اتفاق وقف الأعمال القتالية بحجة تمهيده لعملية سياسية غير واضحة المعالم، كما قال قائدها أبو عمار العمر في لقاء صحفي بوقت سابق.
وأيّا كانت الغايات الحقيقية وراء انضمام ميليشيات «أستانا» إلى «أحرار الشام» فمما لا شك فيه أن قبول الميليشيا لهذا الانضمام يعتبر مؤشراً على وجود ميل لديها للموافقة على مقررات الاجتماع وإن لم تعلن عن ذلك صراحةً، وخصوصاً أن الانضمام حصل في لحظة هجوم «جبهة النصرة» على هذه الميليشيات لمعاقبتها على مشاركتها في «أستانا»، فلو لم تكن الميليشيا ميّالة للقبول بالاجتماع أو على الأقل لعدم عرقلته لكانت تركت هذه الميليشيات تواجه مصيرها على يد «النصرة» كما حدث سابقاً مع ميليشيات أخرى مثل «جبهة ثوار سورية» و«حركة حزم».
لكن من جهة أخرى، استهدفت غارة منسوبة للتحالف الدولي قيادي في «أحرار الشام» هو أبو هاني المصري. وتعتبر هذه أول غارة من نوعها يشنها التحالف الدولي ضد قيادي في الميليشيا بعد أن كانت غاراته السابقة تستهدف فقط قياديين في «النصرة».
وما يلفت الانتباه في هذه الحادثة، ويعطيها مدلولات خطيرة، هو أن أبت هاني المصري واسمه الحقيقي هاني هيكل، مصري الجنسية، كان مبايعاً لزعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن وشغل منصب عضو مجلس الشورى في تنظيم «القاعدة» العالمي. ولا تقتصر سيرة الرجل على ذلك وحسب، بل تشير إلى أنه شارك في القتال في البوسنة، ثم انتقل إلى الشيشان وبايع ثامر سويلم المعروف بلقب «القائد خطاب». وبعد ذلك انتقل إلى الصومال وكان له دور قيادي في تنظيم «القاعدة» هناك. وسجن في مصر قرابة ستة أعوام بعد تسليمه من السلطات الماليزية، ولدى خروجه من السجن لأسباب صحية جاء إلى سورية عن طريق مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا وسط تباين في الروايات حول تاريخ قدومه بين عامي 2011 أو 2012 ويرجح صديقه أبو مصطفى الشربيني أن يكون جاء إلى سورية بتاريخ 2011 حيث أسس معسكراً في مدينة أطمة للتدريب العسكري، وأشار الشربيني إلى أن أبا هاني يعتبر من أوائل «المقاتلين الأجانب» الذين وفدوا إلى سورية.
ولا تخلو سيرة الرجل من أدلة على تورط الأمن التركي والقطري في حماية رجالات «القاعدة» ومنع أي جهة كانت من عرقلة نشاطاتهم التخريبية في سورية. حيث أكدت سيرته كما رواها صديقه الشربيني أن أبا هاني تعرض للاعتقال في تركيا بعد خروجه إليها إثر الخلاف بين «النصرة» و«داعش» في العام 2013، لكن الأمن التركي تدخل وأطلق سراحه حيث تم ترحيله إلى دولة قطر وبقي فيها حتى منتصف العام 2014 حيث عاد إلى سورية عن طريق تركيا من دون أن يعترض طريقه أحد، على الرغم من أنه مطلوب من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى.
وقد جاء استهداف أبي هاني بعد الانشقاقات التي حصلت في «أحرار الشام» وانضمت على إثرها عشرات الكتائب التابعة لها إلى «هيئة تحرير الشام» التي أسستها وتهيمن عليها «جبهة النصرة»، وهو ما يعني أن «أحرار الشام» ما زالت تضم العديد من قيادات «القاعدة» وليس كما ذهبت بعض التحليلات إلى أن التيار القاعدي فيها انتقل برمته إلى «تحرير الشام».
وهذا يعني فيما يعنيه أن «أحرار الشام» أصبحت تجمع تحت سقفها أغلبية ميليشيات «أستانا» التي وافقت على قتال «النصرة» وغيرها من التنظيمات الإرهابية، مع قادة من تنظيم «القاعدة» العالمي الذي يفترض أن الطرف الأول وافق على قتاله. وهو ما من شأنه أن يخلق وضعاً معقداً حول كيفية التعامل مع هذه الميليشيا والتمييز بين المكونات المتناقضة التي تتداخل فيها، لأن ميليشيات «أستانا» التي انضمت إليها خاضعة لوقف الأعمال القتالية في حين قيادات «القاعدة» مستهدفة من جميع الأطراف سواء سورية أو روسيا أو إيران أو الولايات المتحدة، فهل ينبغي أخذ ذلك بالاعتبار في قواعد تحديد الخروق التي تتضمنها آلية وقف إطلاق النار، أم إن الغارة الأميركية الأولى من نوعها على قيادي في «أحرار الشام» ترفع الغطاء عن هذه الحركة بمختلف تكويناتها؟
عبد الله علي
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد