ألمانيا إلى العسكرة... «للمساهمة في تشكيل النظام العالمي»
تتجه ألمانيا إلى كسر القيود العسكرية التي فُرضت عليها إثر هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى تفاوت صارخ بين كونها «عملاقاً اقتصادياً، وقزماً سياسياً». وتطمح الحكومة الألمانية الحالية، بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل، إلى دور عسكري أكبر، ضمن أطر حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
يوم أمس، أعلنت وزارة الدفاع الألمانية وضع «ورقة بيضاء» جديدة (وثيقة تحدد الأطر العامة للسياسة الأمنية والحربية للبلاد)، مفادها أنه «بات يُنظر الى ألمانيا أكثر فأكثر على أنها لاعب مركزي في أوروبا»، مؤكدةً أن «ألمانيا، كدولة لها اتصالات عالمية على مستوى عالٍ»، مستعدة لـ«تحمّل المسؤولية... والمساعدة على تلبية التحديات الإنسانية والأمنية، الحالية والمستقبلية».
تدعو الوثيقة إلى تعزيز جيش البلاد ونفوذه السياسي، بهدف «المساهمة بشكل نشط في تشكيل النظام العالمي». وتمثّل الوثيقة تطوراً ملحوظاً في السياسة الخارجية الألمانية التي كانت تسير في ركب السياسة الأميركية «بخجل»، متجنبة التورط عسكرياً في الحروب التي تقودها واشنطن بأكثر من أدوار «ثانوية»، لوجستية واستخبارية.
وجاء في الوثيقة أن ألمانيا تهدف، على المدى الطويل، إلى «تحقيق اتحاد أمني ودفاعي أوروبي مشترك»، بما يعني اللجوء إلى كل سبل التعاون العسكري المتاحة بموجب معاهدات الاتحاد الأوروبي، وتعزيز الصناعات الحربية الأوروبية، عبر التعاون مع فرنسا على وجه الخصوص. وفي هذا الإطار، تدرس الحكومة الألمانية رفع الإنفاق العسكري إلى 2% من ميزانية الدولة، وتعزيز عديد القوات الألمانية بنحو 20 ألف عسكري على مدى السنوات السبع المقبلة، وذلك تلبية لمطالب حلف الأطلسي.
تدشّن ألمانيا سياستها الجديدة في أوروبا الشرقية، حيث ستقود إحدى الكتائب الأربع التي سينشرها «الأطلسي» في دول البلطيق، والتي ستبدأ العمل العام المقبل لمواجهة «التهديد الروسي». وقد أثار هذا الإجراء الذي اتُّخذ في خلال قمة «الأطلسي» الأخيرة في وارسو، جدلاً واسعاً في ألمانيا، حتى داخل الائتلاف الحكومي. ففي الوقت نفسه حين يحاجج ساسة ألمان عدة، أبرزهم الرئيس يواخيم غاوك ووزيرة الدفاع أورسولا فون دير ليان، في أن على ألمانيا أن تشارك بقوة أكبر في الصراعات الدولية (إلى جانب الحلف الأطلسي طبعاً)، يرى أقطاب «الحزب الاشتراكي الديمقراطي»، وأبرزهم رئيس الحزب ونائب المستشارة، سيغمار غابريال، أن انخراط ألمانيا في سياسة التصعيد ضد موسكو أمر غير مبرر ولا يخدم المصلحة الوطنية. وانتقد المستشار الألماني السابق، غيرهارد شرودر، الخطط الألمانية لقيادة الحشد العسكري الأطلسي في شرق أوروبا، قائلاً إن برلين ترتكب بذلك «خطأً فادحاً». ودعا شرودر حكومة بلاده إلى بذل قُصاراها لتحسين العلاقات مع موسكو. كذلك سخر المستشار السابق من فكرة أن روسيا تخطط لغزو بلدان حلف الأطلسي (وهي الحجة الأساس للتحشيد والتصعيد الذي يقوم به الحلف)، قائلاً إن هذه الحجة منفصلة تماماً عن الواقع.
وفي سياق متصل، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، إثر اجتماع لـ«مجلس الأطلسي ــ روسيا» عُقد في مقر الحلف في بروكسل، أن «بين الحلفاء وروسيا خلافات عميقة ومستمرة بشأن أوكرانيا، ولم يُسجَّل تطابق في الآراء اليوم». وكان الهدف الأساس من الاجتماع مناقشة مخرجات قمة الحلف الأخيرة في وارسو. بدوره، صرّح أمس وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قائلاً إن قرارات الحلف الأخيرة «لا ترضينا بالتأكيد»، مبدياً أسفه لسعي الحلف إلى «خلق عدو وهمي (روسيا) بهدف رصّ الصفوف وتعزيز المواقف».
وفي مقال في صحيفة «موسكوفسكي كومسموليتس»، تناول الكاتب ميخائيل روستوفسكي نتائج قمة حلف شمال الأطلسي التي عُقدت في وارسو نهاية الأسبوع الماضي، واصفاً القمة بـ«جلسة كراهية جماعية، تعقبها دعوة مهذبة للمكروه إلى حفل شاي»، في إشارة إلى اجتماع «مجلس الأطلسي ــ روسيا» الذي عُقد أمس.
تنافَس قادة الحلف، في قمة وارسو، في وصف «عدوانية (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين»، قال روستوفسكي في مقاله، متوقعاً أن يحاول هؤلاء القادة إقناع موسكو بأنه ليس لدول الحلف أي نيات عدوانية ضدها. ويرى الكاتب أن ذلك، بعيداً عن كونه «أمراً غريباً وغير منطقي»، هو تطبيق لـ«استراتيجية سياسية كلاسيكية: العصا والجزرة. حاولوا في القمة إخافة روسيا، وفي مجلس روسيا – الأطلسي، سيحاولون إرضاء موسكو وتهدئتها وإقناعها بأن الحلف هو صديق مخلص وصادق، ولكنه صريح». ويدعو روستوفسكي بلاده إلى «عدم تصديق هذه أو تلك (التخويف أو الطمأنة)، وخاصة الهيستيريا العدوانية في قمة وارسو... كذلك إن ارتداء الحلف مسوح الرهبان لن يقنع أحداً في موسكو». ويخلص كاتب المقال إلى أن هدف الولايات المتحدة من تخويف أوروبا بروسيا هو جعل الحلف الأطلسي «أداة للسيطرة السياسية على أوروبا». ويرى روستوفسكي أنه «عندما تكون العلاقات السياسية بين موسكو والغرب طبيعية وهادئة، تظهر داخل الحلف حالات تردد وارتباك، ويبدأ بعض ساسة أوروبا يسأل: لماذا علينا إطاعة أميركا بخشوع؟ وهل فعلاً نحن بحاجة إليها»؟
(الأخبار، أ ف ب)
إضافة تعليق جديد