إدارة أوباما أمام إشكالية تماثلات المسرحين العراقي والأفغاني
الجمل: برغم تصريحات ومزاعم إدارة أوباما لجهة التأكيد على خروج القوات الأمريكية من العراق فإن الأمر ما زال ينطوي على قدر كبير من الشكوك واللايقين لأن الأداء السلوكي الأمريكي إزاء مستقبل العراق ما زال ينقل العديد من الإشارات المتعاكسة التي يفيد بعضها لجهة الانسحاب بينما يفيد بعضها الآخر لجهة عدم الانسحاب؟
* الأداء الأمريكي في المسرح العراقي: مخاطر الفشل الاستراتيجي:
أكد العديد من الخبراء الأمريكيين أن خوض القوات الأمريكية للحرب في مسرحين مختلفين هما المسرح العراقي والأفغاني قد ترتب عليه العديد من الحسابات الاستراتيجية المتأرجحة ويمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
• حسابات كلية متأرجحة: تفيد لجهة المفاضلة بين جدوى التمركز في العراق وجدوى التمركز في أفغانستان وقد سعت إدارة بوش الجمهورية إلى تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في العراق أما إدارة أوباما فقد سعت إلى تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان.
• حسابات جزئية متأرجحة: تفيد لجهة تضارب الحسابات الخاص بكل مسرح، ففي العراق، وإن كانت إدارة أوباما قد أكدت على مبدأ الانسحاب من العراق، فإن حسابات سحب القوات الأمريكية تتزامن من الناحية الأخرى مع حسابات بقاء القوات الأمريكية في القواعد التي سيتم إقامتها في العراق. وفي المسرح الأفغاني، ما تزال إدارة أوباما تواجه مسؤولية القيام بنشر المزيد من القوات الأمريكية ولكن ما هي نقطة البداية، هل من أفغانستان إلى باكستان، أم من باكستان إلى أفغانستان؟
يقول الخبير الأمريكي باري هاريس الداعم لوجهة نظر اللوبي الإسرائيلي إزاء حرب العراق أنه بعد أن شنت واشنطن الحرب ضد العراق وأكملت قواتها عملية الغزو والاحتلال فقد سعت واشنطن باتجاه التخفيف من تركيزها على الحرب في المسرح الأفغاني وظلت إدارة بوش الجمهورية حتى آخر أيامها في البيت الأبيض أكثر اهتماماً بجدوى الرهان على بقاء القوات الأمريكية غير المحدود في المسرح العراقي.
* خبرة المسرح العراقي: نتائج عملية "تحرير العراق" وعملية "الحرية الدائمة":
شنت إدارة بوش الجمهورية حرب أفغانستان وأطلقت عليها تسمية عملية "الحرية الدائمة" وشنت أيضاً حرب العراق وأطلقت عليها تسمية "تحرير العراق"، وبرغم تماثل القوات الأمريكية التي قامت بغزو واحتلال العراق وأفغانستان وبرغم تماثل نمط إدارة النظام السياسي الذي اعتمدته واشنطن في العراق وأفغانستان وبرغم التشابه والتماثل الكبيرين بين نظام كرزاي الأفغاني ونظام نوري المالكي العراقي، فإن الإدراك العسكري – الأمني الأمريكي أصبح في مواجهة تماثلات أخرى تمثلت في مدى تطابق نمط وأسلوب المقاومة المسلحة في المسرحين العراقي والأفغاني ومن أبرز الدلائل على ذلك:
• تزايد العنف الديني في المسرحين الأفغاني والعراقي وإذا كان ظهور المشاعر الدينية ونمط التربية الديني في المجتمع الأفغاني فإن المجتمع العراقي أكثر علمانية بما لا يقارن مع المجتمع الأفغاني وبرغم ذلك فإن العنف الديني وصل في العراق إلى مستوى أكبر بكثير من مستواه في المسرح الأفغاني.
• تطابق المذهبية العسكرية والقتالية المعتمدة بواسطة الحركات المسلحة العراقية والأفغانية لجهة الهجمات المباغتة واستخدام المتفجرات والعبوات والسيارات المفخخة الاغتيالات.
• تمتع الحركات المسلحة في العراق وأفغانستان بدعم السكان المحليين.
إضافة لهذه التماثلات يوجد تماثل آخر هو فشل الأنظمة السياسية التي دعمت أمريكا تنصيبها في العراق بقيادة نوري المالكي وفي أفغانستان بقيادة كرزاي في الحصول على الدعم الشعبي إضافة إلى فشل العمليات النفسية التي نفذتها القوات الأمريكية لجهة إحداث الانقسامات في الرأي العام العراقي عن طريق تنظيم حركات الصحوة وما شابه ذلك وفي أوساط الرأي العام الأفغاني عن طريق دعم خصوم حركة طالبان مثل الذين انشقوا عنها وتحالفوا مع قوات الشمال الأفغاني.
* الحلول المخابراتية الأمريكية وإشكالية الواقع الصعب:
أشارت بعض البحوث والتحليلات إلى أن القوات الأمريكية في المسرحين العراقي والأفغاني حولت اعتمادها في الفترة الأخيرة باتجاه اعتماد مذهبية عسكرية تعطي دوراً أكبر للأنشطة المخابراتية وفي هذا الخصوص فقد سعت القيادة الوسطى الأمريكية المسؤولة عن المواجهة في المسرحين العراقي والأفغاني إلى اعتماد الآتي:
• المخابرات البشرية: ركزت القوات الأمريكية على استخدمها بشكل واسع النطاق في المسرح العراقي وذلك بسبب توافر العناصر العراقية ذات القابلية للتعامل مع القوات الأمريكية.
• مخابرات الاتصالات: نفذت وكالة الأمن القومي الأمريكي عملية اتصالية واسعة النطاق في المسرح العراقي تضمنت نشر شبكات الاتصالات الرقمية المتطورة التي ترتبط بتكنولوجيا أقمار التجسس.
• مخابرات الميدان: انخرطت وكالة مخابرات الجيو-سباسيال الأمريكية في جهود مكثفة عززت من قدرة القوات الأمريكية في التعرف على الأوضاع الميدانية الجارية في مسارح العمليات التي كانت تخوض فيها المواجهات وذلك بحيث كان القادة الميدانيون يرصدون بواسطة الوسائط الإلكترونية الليزرية والشاشات المرتبطة بالأقمار الصناعية كامل التفاصيل الجارية في مسرح المواجهات التي يخوضونها.
• مخابرات الرصد والاستطلاع المبكر: نفذ البنتاغون الأمريكي برنامجاً تضمن استخداماً واسع النطاق لعمليات الرصد والاستطلاع المبكر التي يتم تنفيذها بواسطة الطائرات بدون طيار وحالياً تتمركز في المسرح العراقي ألوية كاملة مختصة بالإشراف على هذه الطائرات.
برغم كل هذه القدرات المتطورة وتطبيقاتها فقد أشارت تقارير الموقف والتخمينات الاستخبارية إلى أن وضع القوات الأمريكية المتمركزة في العراق سيزداد سوءاً.
حتى الآن لم تتوصل لا مراكز الدراسات الأمريكية ولا أجهزة المخابرات الأمريكية إلى الكيفية التي يمكن أن تتيح لأمريكا فرض سيطرتها على المسرح العراقي، وتقول التقديرات أن تداعيات الأزمة العراقية قد تجاوزت خط اللارجعة بحيث إذا استمر وجود القوات الأمريكية في العراق فإن العنف سيزداد وستتكبد أمريكا المزيد من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية وإن خرجت القوات الأمريكية من العراق فإن المواجهات العراقية – العراقية قادمة لا محالة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد