إردوغان في إدلب: نحو عمليّة شاملة!
يواجه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مأزقاً حقيقياً في إدلب تحديداً، وفي سوريا عموماً. الرجل الذي عُرف بتوظيفه جيداً السياسات الخارجية لحسابات داخلية قد لا تسعفه مغامراته المتشعّبة في أكثر من بلد وقضية في تعزيز شعبيته. وفي وقت تتصاعد فيه التطورات الميدانية في منطقة إدلب، فهي تتحوّل إلى بند أول في الحراك السياسي الداخلي.
وإذ هدّد إردوغان، أمس، في كلمة أمام كتلة حزب «العدالة والتنمية»، النظام السوري بتدفيعه «ثمناً باهظاً بل باهظاً جداً جراء اعتداءاته على الجيش التركي»، كشف أنه سيعلن اليوم الأربعاء تفاصيل الخطوات التي سيقوم بها في إدلب، لتردّ الخارجية السورية، كما قيادة الجيش السوري، على تهديداته باتهامه بأنه الراعي الأول للإرهاب في سوريا، ويريد إدامة احتلاله لها، في تواصل للحرب الكلامية بين الجانبين.
في الداخل التركي، طلب حزب «الشعب الجمهوري» عقد جلسة للبرلمان لمناقشة الوضع في إدلب وفي سوريا. وفي حيثيات المذكّرة التي قدّمها، أورد أن الجيش التركي في إدلب أمام مخاطر كبيرة، وأمام احتمال الدخول في حرب مع الجيش السوري. ورأت المذكرة أن «اتفاق سوتشي» بكلّ مندرجاته لم يتمّ تطبيقه من قِبَل إردوغان، داعياً إلى مناقشة مجمل السياسة السورية للرئيس وكيفية حماية الجنود الأتراك من المخاطر.
ميدانياً، جاء مقتل خمسة جنود أتراك إضافيين، الإثنين الماضي، ليفاقم التساؤل حول إصرار إردوغان على البقاء في نقاط المراقبة التي أصبحت ضمن نطاق سيطرة الجيش السوري، والتي زاد عددها على أربع، كما على إرسال تعزيزات من مختلف أنواع الأسلحة من دبابات وصواريخ ومنصّات إطلاقها ومدافع ثقيلة إلى الجبهة. ويبدو من الواضح أن إردوغان يحاول التمسّك حتى الرمق الأخير بكل شبر يقع تحت سيطرة تركيا أو المسلحين الذين ترعاهم، من أجل:
1- حماية هؤلاء المسلحين أنفسهم لأنه يستخدمهم عند الحاجة في أكثر من مغامرة داخل سوريا وخارجها (كما في ليبيا مثلاً)، ولا يريد خسارة إحدى أدواته في مقارعة خصومه وأعدائه.
2- يحاول، من خلال إرسال التعزيزات المسلحة، على الأقلّ، وقف التقلّص التدريجي لمساحة الأراضي التي يسيطر عليها في إدلب، والحفاظ على الحدّ الأقصى الممكن لتبقى إدلب ورقة ضغط قوية وشوكة في خاصرة الدولة السورية.
3- إن إبقاء إدلب بيده وبيد المسلحين يشكّل ورقة مساومة في مباحثات «اللجنة الدستورية»، أملاً بأن يحقّق من خلالها مكاسب في الصيغة المستقبلية للنظام في سوريا. ولا يزال أركان النظام في تركيا يتحدّثون عن تشكيل حكومة ذات مشروعية تنبثق من انتخابات نيابية ديموقراطية، ما يعني مكابرة في الجلوس مع النظام الحالي، ورهاناً على إمكان إسقاط النظام في الانتخابات.
4- يحاول إردوغان أن يحتفظ في إدلب، على الأقلّ، بالشريط المحاذي للواء الإسكندرون (هاتاي) لكي يبقي الجيش السوري بعيداً عن الحدود التركية مباشرة.
5- يسعى إدروغان إلى الحفاظ على إدلب كي لا يكون سقوطها بيد الجيش السوري بداية مرحلة جديدة تتغيّر فيها المعادلات، وتفضي إلى تدحرج كرة الثلج في انسحاب كامل للجيش التركي من كلّ سوريا، سواء سلماً أو مقاومة، فينهار عندها حلم عودة تركيا إلى حدود «الميثاق الملّي» لعام 1920، والذي بات لازمة في كلّ موقف تركي كما لو أن حدود الميثاق هي الحدود الفعلية لجمهورية تركيا.
6- ومع سقوط أول قتلى الجيش التركي في إدلب في مطلع الشهر الجاري، ارتفع صوت المعارضة بالتساؤل عما يفعله الجيش في إدلب. وانطلقت على إثر ذلك نقاشات حادّة حول خيارات تركيا في سوريا، عكست انتقادات لسياسة إردوغان والمستنقع الذي أوقع بلاده فيه فعلاً. لذلك، فإن عدم الظهور بموقف الضعيف والمتراجع ميدانياً كان في صلب تهديدات إردوغان للنظام السوري للانسحاب من حول نقاط المراقبة التركية في إدلب، وإعطائه مهلة حتى نهاية الشهر الجاري.
إذا لم ترضخ سوريا لتهديات إردوغان، فإن تركيا ستنتقل إلى الخطة باء وتاء. وقد أعلن وزير الدفاع، خلوصي آقار، في حوار الأحد الماضي مع صحيفة «حرييت»، أن الخطة البديلة تعني القيام بعملية على غرار «غصن الزيتون» و«درع الفرات» و«نبع السلام»، أي تقدّم الجيش التركي لاحتلال ما تبقى من إدلب ووضع اليد عليها مباشرة، فلا تبقى تحت سيطرة المسلحين، وإعلانها «منطقة آمنة»، ووضع سوريا وروسيا أمام أمر واقع وهو أن أي تقدّم للجيش السوري يعني الاصطدام مع الجيش التركي. وهو ما يفسّر كلّ هذه التعزيزات التركية بمختلف أنواع الأسلحة. وبمثل هذه العملية، يحاول إردوغان الظهور أمام الرأي العام التركي على أنه أنقذ تركيا من موجة لاجئين جديدة واسعة، وحافظ على الحدّ الممكن والمعقول من إدلب بدل خسارتها بكلّيتها. ولا يبقى في تلك الحالة سوى انتظار نهاية الشهر، أو ربما تقديم موعد العملية وإطلاق التسمية عليها.
وفي انتظار ما سيكشف عنه إردوغان، كان مسؤول الأمن والسياسة الخارجية، برهان الدين دوران، يكتب أمس الثلاثاء في صحيفة «صباح» أن أمام تركيا خيارين: الأول، هو إخلاؤها قواتها من نقاط المراقبة المحاصرة، وهو ما سيفتح الباب أمام «استمرار المجازر السورية بحق المدنيين»، ويعرّض أمن الحدود التركية للخطر ولموجة نزوح كبيرة؛ والثاني، هو استمرار المفاوضات مع موسكو، وفي الوقت نفسه القيام بعملية عسكرية شاملة وواسعة تظهر للنظام السوري الحزم والعزيمة التركيين.
وتبعا لذلك، على تركيا اتخاذ خطوات أكثر حزماً ضدّ الأسد. ويرى دوران أن النزوح المحتمل لأكثر من مليون سوري من إدلب إلى تركيا سيجعل مسألة إدلب دولية، معتبراً أن على بلاده التحرّك لدى أوروبا حتى لا تهدّد موجات اللاجئين الديموقراطية الأوروبية، لافتاً إلى أن تركيا بإعلانها أنها تتشاور مع الولايات المتحدة إنما تريد من الغرب أن يشاركها عبء الوضع في إدلب.
الأخبار
إضافة تعليق جديد