الأشواق لا تحلّ أزمة التعليم في سوريا
أينما تحرّك المرء في دمشق، تقع عيناه على لوحات طرقيّة لأطفال بالزيّ المدرسي، يحملون حقائبهم أو يلعبون في باحات المدارس، أو تتناهى إلى مسامعه عبر محطات الراديو في سيارات الأجرة وباصات النقل برامج تركّز على أهمية التعليم وخطورة التسرّب من المدارس. يأتي هذا النشاط الإعلامي المكثّف ضمن حملة «المدرسة اشتاقتلك» التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، بالتعاون مع وزارة التربية السورية، تزامنًا مع الموعد الرسمي لانطلاق العام الدراسي.
قد تكون قضية التسرّب من المدارس وارتفاع عدد الأطفال السوريين الذين لا يتلقون التعليم من أخطر النتائج غير المباشرة للحرب، إذ تشير الإحصاءات إلى خروج ما قد يزيد عن 2.1 مليون طفل سوري من المدارس، جراء اللجوء إلى دول خارجية أو نتيجة الهجرة الداخلية بين المحافظات السورية مع تدهور الوضع الأمني وفقدان الأوراق والوثائق الرسمية التي تتيح لهم التسجيل في المدارس. تتعاون «يونيسيف» مع وزارة التربية السورية للعام الثاني على التوالي، بعد تنفيذ سلسلة من الخطوات تتيح قبول الطلاب من دون أوراقهم الرسمية، وبعد تطبيق المنهاج التدريسي (ب) الذي يدمج عامين دراسيين بسنة واحدة.
أما الحملة الجديدة هذا العام فتمتد على كل المحافظات السورية، وتختار منابر إعلامية محددة تتيح الوصول إلى فئات الشعب كافة عبر رسائل مبسّطة وعاطفية. تتضمن معظم الإعلانات الطرقية صوراً لأطفال صغار بزيّهم المدرسي يخاطبون أصدقاء لهم في المدرسة، بلغة يراد منها أن تظهر «طفولية وغير متكلّفة»، يخبرونهم عن شوقهم ويحضّونهم على العودة إلى مقاعد الدراسة. هذا وتتضمن الحملة تنفيذ أنشطة لاصفيّة لتعزيز العلاقة الإيجابية بين الطالب ومدرسته، إلى جانب حشد فرق عمل تطوعية تنتشر في الأحياء والمناطق السكنية وتحاول التواصل بصورة مباشرة مع الأهالي للتركيز على أهمية حصول الأطفال على تعليمهم. المشكلة أن أزمة التعليم في سوريا لا تحل «بالتعبير عن الأشواق» وإظهار النيات الحسنة. فعلى الرغم من ضخامة «المدرسة اشتاقتلك» وانتشارها، تُظهر الحملة فهماً مُبسّطاً لتلك الأزمة، وتبني تبعاً لذلك رسائلها الإعلامية والدعائية كافة، كما لو أن تسرب الأطفال من المدرسة وعدم قدرة ذويهم على إرسالهم لتلقي تعليمهم قضية تتعلق بالرغبة في التعليم أو عدمها. لنتصوّر مثلاً أن طفلاً في الثانية عشرة من عمره يتجه في السادسة صباحاً إلى عمله في إحدى ورشات تصليح السيارات أو كحمّال ينقل البضائع أو الخضار في أحد الأسواق الشعبية. ولنتخيّل أيضاً أنه نال قدراً ضئيلاً من التعليم في السنوات السابقة قبل اضطراره للتسرب من المدرسة لإعالة عائلته، مكّنه بصعوبة من قراءة العبارات التي تخبره أن المدرسة وأصدقاءه فيها قد اشتاقوا له، ماذا يفترض به أن يشعر حينها؟ وماذا سيغيّر ذلك في حقيقة أنه ينبغي أن يصل إلى العمل في موعده المحدد، من دون أن يتلكأ في تأمل اللوحات الطرقية، كي لا يحسم رب عمله من أجره الزهيد أصلاً؟
قد تكون أحد مكامن الضعف في الحملة أساساً، توجهها للأطفال بدلاً من ذويهم، إلا أنها مجرد مشكلة شكلية تعكس تعقيدات أكبر تتعلق بفهم أزمة التعليم ذاتها، وهي أزمة اقتصادية بالدرجة الأولى ومن ثم أزمة أمنية تنطوي على المخاطر التي قد يتعرض لها الأطفال في حال ذهابهم إلى المدارس. أحد الأمثلة الكثيرة على ذلك توقّف طالبات المدرسة الإعدادية عن الذهاب إلى مدرسة أنشأتها «يونيسيف» غرب حلب، وكانت تستقبل ما يقارب 600 طالبة، بعدما حالت قذائف الهاون والاشتباكات دون وصول الفتيات إلى مدرستهنّ.
لا تهمل الحملة تماماً القضايا المادية واللوجستية، فقد وزّعت «يونيسيف» ما يقارب المليون حقيبة مدرسية تتضمن القرطاسية والمعدّات الأساسية اللازمة للدراسة، إلا أن تلك الجهود بالرغم من أهميتها قد تخفف من تكاليف الدراسة ذاتها، لكنها لا تحل القضية جوهرية المتعلقة بأن الأطفال يتسربون من المدرسة لاضطرارهم للحضور في مكان آخر؛ فهم إما حبيسو منازلهم في المناطق المشتعلة، أو في أماكن عملهم كمعيلين لأسرهم.
حملة «المدرسة اشتاقتلك» نبيلة في الظاهر، لكنّها تضرب على أوتارٍ حساسة، وتحمّل الفئات التي سحقتها الحرب، ما لا طاقة لها عليه.
نور أبو فراج
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد