الانقلاب الأميركي وتجديد مذهبية حلف الناتو
الجمل: تشير التطورات الجارية في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن علاقات عبر الأطلنطي الأميركية-الأوروبية سوف تشهد خلال الفترة القادمة حراكا متزايدا في مختلف الملفات, وعلى وجه الخصوص في الملف العسكري-الأمني, حيث تخطط واشنطن حاليا, لإحداث انقلاب شامل جديد في هذا الملف, وبالذات فيما يتعلق بوضع ومستقبل حلف الناتو:
الانقلاب الأميركي الجديد عبر بوابه حلف الناتو؟
عقدت جامعة الدفاع الوطني الأميركية سمنارا حول استراتيجية حلف الناتو, وكان اللافت للنظر أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غاتز-برغم مشاغله الكثيرة- قد اهتم بحضور هذا السمنار والمشاركة فيه بإلقاء محاضرة تميزت بأهميتها القصوى لجهة الإشارة إلى النوايا والمساعي الأميركية لجهة الدفع من أجل استبدال المفهوم الاستراتيجي الخاص بالحلف بمفهوم استراتيجي جديد, يتطابق وينسجم مع الطموحات الأميركية إزاء مستقبل وضع حلف الناتو.
تحدث وزير الدفاع الأميركي روبرت غاتز في محاضرته مشيرا إلى النقاط الآتية:
• ينعقد هذا السمنار على خلفية اللحظات الأخيرة التي سوف يبدأ بعدها الخبراء الاستراتيجيون-العسكريون الأميركيون بوضع التوصيات النهائية وإدراجها في مسودة استراتيجية الحلف, والتي سوف تبدأ الإدارة الأميركية في إجراء المشاورات لحشد تأييد أعضاء حلف الناتو لها, بما يتيح إجازتها بشكل نهائي في فعاليات الحلف القادمة.
• يوجد حاليا في المسرح الأفغاني حوالي 120 ألف جندي تابعين لدول حلف الناتو, وهناك المزيد من الجنود القادمين من هذه الدول لخوض الحرب في المسرح الأفغاني.
• مذهبية وجود قوات الحلف الحالية في المسرح الأفغاني تتطابق وتنسجم مع مذهبية حلف الناتو خلال الأعوام السابقة والمطلوب تعديل وتجديد هذه المذهبية, وفقا للاستراتيجية الجديدة, بما يتماشى مع التصور الأميركي لمستقبل دور قوات حلف الناتو في المسرح الأفغاني, وفي المسارح الأخرى المحتملة.
• تقوم مذهبية حلف الناتو على استراتيجية الحلف التي تؤكد على: مبدأ سلامة وحدة أراضي الدول الأعضاء-حماية الاستقلال السياسي للدول الأعضاء-حماية أمن الدول الأعضاء.
• أدت التطورات الجارية إلى ظهور العديد من أنماط ونماذج المخاطر والتهديدات ذات الطبيعة الجديدة: المهددات العابرة للحدود والقوميات-المهددات الجديدة الخاصة بالقرن الـ21.
• مرت أكثر من 10 سنوات على المفهوم الاستراتيجي الذي ظل يعتمده الحلف, وحاليا لم يعد من الممكن أن يستمر اعتماد الحلف على هذا المفهوم, وبالتالي, لابد من وضع واعتماد مفهوم استراتيجي جديد, يعزز قدرة وفعالية الحلف في مقابلة التطورات الجديدة, وتحدياتها الأمنية.
• خلال العشرة سنوات الماضية, لم يتحرك أي عضو في الحلف من أجل تحريك عجلة تطوير الحلف باتجاه اعتماد استراتيجية جديدة, وقد ظل الحال الاستراتيجي للحلف كما هو عليه منذ عام 1999م.
هذا, وخلصت محاضرة وزير الدفاع الأميركي روبرت غاتز, إلى استنتاج يقول: لقد حدث في تحول كبير في الأبعاد والفعاليات العملياتية الخاصة بالحلف خلال الفترة الماضية, فقد كان الحلف مجرد كيان عسكري دفاعي متعدد الأطراف. وكان وجوده "ساكنا" ولكنه, وعلى خلفية التطورات الجديدة, فقد تحول حلف الناتو إلى قوة انتشار سريع، أي تحول من نموذج الحلف الدفاعي إلى نموذج الحلف الأمني, وقد حدث هذا التحول –على وجه التحديد- بسبب التغيير الذي حدث في البيئة الأمنية الإقليمية والدولية, بحيث لم تعد التهديدات والمخاطر التي يواجهها أعضاء الحلف تأتي من الدول العدوانية, وإنما أصبحت تأتي من الدول الفاشلة والمفككة, إضافة إلى أن الفاعلين لهذه التهديدات والمخاطر أصبحوا يتمثلون في المنظمات المعادية, التي أصبحت تجد الملاذ الآمن داخل الدول الفاشلة والمفككة, وبالتالي, فإن استراتيجية حلف الناتو الجديدة يجب أن تتضمن دفع الحلف من أجل القضاء على المخاطر والتهديدات الموجودة والكامنة في داخل الدول الفاشلة والمفككة.
المنظور الأميركي لإعادة إنتاج حلف الناتو: الاستراتيجية الجديدة إلى أين؟
تشير معطيات خبرة الناتو, إلى أن الحلف قد تدخل عسكريا في الآتي:
• ملف يوغسلافيا السابقة: البوسنة-الهرسك, كوسوفو.
• ملف الإرهاب في الشرق الأوسط.
• ملف الصراع الأفغاني.
• ملف مكافحة القرصنة في خليج عدن.
يرى المنظور الأميركي الجديد للاستراتيجية الجديدة لحلف الناتو, بأن المطلوب هو تأسيس الاستراتيجية الجديدة على أساس اعتبارات الفقرة (5) من ميثاق الحلف, ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• تقول الفقرة (5) من ميثاق الحلف, بأن الاعتداء على أي دولة عضو في الحلف هو اعتداء على كل الدول الأخرى الأعضاء في الحلف, وهذا معناه, أن الدول التي تكون ملتزمة بتقديم الدعم العسكري لأي دولة إلا إذا تعرضت للاعتداء.
• بسبب الطبيعة الجديدة للتهديدات والمخاطر, فإن دول حلف الناتو لم تتعرض لخطر الاعتداء على أراضيها وسيادتها بواسطة الدول الأخرى, وإنما أصبحت تتعرض للعديد من المخاطر النوعية الجديدة والتي من أبرزها المخاطر الناشئة بفعل تزايد الفاعلين غير الحكوميين والفاعلين غير الدول, مثل تنظيم القاعدة وغيره.
• المخاطر الجديدة, لا سبيل إلى القضاء عليها إلا عن طريق الردع, والتقدم لمواجهتها في مراحل نموها الأولية, وعلى وجه الخصوص في داخل الدول الفاشلة والمفككة.
• لابد من اعتماد استراتيجية جديدة للحلف, تقوم بإدماج مفهوم الردع كمفهوم ملزم ضمن بنود الفقرة (5) من ميثاق الحلف, بحيث إذا قرر أحد الأعضاء القيام بردع المهددات والمخاطر قبل استفحالها, فإنه يتوجب على الدول الأعضاء الأخرى القيام فورا بممارسة الردع جنبا إلى جنب مع هذه الدولة.
• لابد من تعريف مصطلح "اعتداء" وتغييره بمصطلح "خطر" أو مصطلح "تهديد" بحيث تصبح الفقرة (5) ضمن الصيغة الآتية: إذا تعرضت أي دولة عضو في حلف الناتو لأي خطر أو تهديد, فإن ذلك معناه أن بقية دول الحلف قد تعرضت لنفس هذا الخطر والتهديد.
من الواضح, أن المفهوم الاستراتيجي الأميركي الجديد لاستراتيجية حلف الناتو, يسعى إلى إدماج مفهوم الضربة الاستباقية ضمن مذهبية حلف الناتو, ولكن, على ما يبدو, فإن إدماج هذا المفهوم سوف لن يكون أمرا سهلا, وذلك لأن قرارات الناتو تتم بإجماع الدول الأعضاء, وهو إجماع يصعب الحصول عليه حاليا في ظل وجود تركيا والسويد, وفي المستقبل سوف تزداد صعوبة الحصول على هذا الإجماع طالما أن حكومات يمين الوسط الأوروبية بدأت تتساقط واحدة تلو الأخرى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد