التضليل الإعلامي ومستشفيات المنطقة الشرقية بحلب
لم تُحدِث مدينة سوريّة صخباً إعلاميّاً كما فعلت حلب. المدينةُ الاستراتيجيّة ذات الأهمية العسكريّة الكبرى، للمسلّحين والجيش السّوري على حدٍّ سواء، مثّلت قاعدةً ممتازة لازدحام الأخبار. المشهدُ الإنساني فيها حمل الكثير من التأويل. وما عاد التمييز بين صحيح أخبارها وخطئه يُمثّل نقطة جذبٍ لكثيرين.
متابعةٌ قليلةٌ تظهر فارقاً كبيراً. حلب الشرقيّة القابعة تحت الحرب، التي تنتظر مساعداتٍ عالقة، تعاني أيضاً عدم دقّة نقل واقعها، وهي أكثر ما يحتاجُ الآن إلى نقل الصّورة كما هي.
في الآونة الأخيرة، أصبح «قصف مستشفيات القسم الشرقيّ من المدينة» العنوان الأكثر تداولاً على السّاحة الإعلاميّة، بعد سيطرة الجيش السّوري على طريق الكاستيلو في شهر تمّوز الماضي. وفي ظل الحرب، تقلّصت خيارات مصادر الأخبار. وجد المتابعُ البعيد نفسه أمام ضخٍّ إعلاميّ هائلٍ من أخبارٍ تستشهد بصورةٍ من هنا ومقطع فيديو من هناك لتأكيد صدقيّة ما تطرح.
لا أحدَ يعرف تحديداً عدد المستشفيات الباقية في شرق حلب. في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن تعرّضها للقصف، وكثر معه التعارض في الأخبار، أحياناً في المؤسّسة الإعلاميّة نفسها. منذ ثلاثة أيّام، أعلنت منظّمة «أطباء بلا حدود» أنّ «أربعةً من أصل ثمانية مستشفيات باقية شرق حلب تمّ قصفها خلال أربعة أيّام، بما فيها بنك الدّم الوحيد الباقي في المدينة». قبل أسبوع، نقلت قناة «الجزيرة» عن أدهم سحلول، من «الجمعيّة الطّبية السّورية الأميركيّة»، رقماً مغايراً. تحدّث الأخير عن ستّة مستشفيات عاملة باقية في شرق حلب، بعد قصف مستشفيين رئيسيّين في المدينة يوم 28 أيلول هما «أم 2»، و»أم 10».
مفارقات الأخبار المقدّمة عن الوضع الإنساني في المدينة، وتحديداً تلك المتعلّقة بالمستشفيات، لم تتوقّف. منذ ستّة أيّام، وتحديداً في 2 تشرين الأوّل، قالت صحيفة «الغارديان» البريطانيّة إنّ عدد المستشفيات الباقية في شرق حلب هو ثلاثة، من بينها واحد تعرّض في أوّل تشرين الأوّل لقصف «الجيشين السّوري والروسي». تُعارض «الغارديان» بذلك إعلان «أطبّاء بلا حدود» عن عدد المستشفيات الباقية والعاملة في شرق المدينة المحاصر. لكنّها توافق المنظّمة الدّولية في الحديث عن إعلان تعرّض أكبر مستشفى للقصف ثمّ الإغلاق في ذلك التاريخ، للمرّة الثانية.
شبكة «سي إن إن» قدّمت بدورها، في تاريخ 2 تشرين الأوّل، معلوماتٍ مغايرة لـ «أطبّاء بلا حدود» و«الغارديان» معاً. تحدّثت الشبكة الأميركيّة عن مستشفى واحد في شرق حلب ما زال صالحاً للخدمة من أصل أربعة مستشفيات. كذلك تحدّثت عن مستشفى ثالث تعرّض للقصف هو «أم 3»، لم يقع فيه ضحايا. المفارقة، أنّ «أطبّاء بلا حدود» لم تذكر اسم هذا المستشفى في إشارتها بالتواريخ، إلى حصيلة قصف المستشفيات خلال الأسبوع الماضي.
المنظّمة الدوليّة تحدّثت عن قصف مستشفيين مدعومين من قبلها في شرق حلب في 30 أيلول الماضي، إضافةً إلى بنكٍ للدّم. لكنّها أوضحت في الوقت نفسه، أنّ طاقمها الطبيّ استمرّ في العمل داخل المرافق الطبيّة الثلاثة.
«هافنغتون بوست» الأميركيّة نقلت منذ خمسة أيّام، عن «الجمعيّة الطبية السورية الأميركية» قولها إنّ خمسة مستشفيات لا تزال تعمل في شرق حلب، ليتقلّص بذلك الرقم الذي أدلى به أحد أعضائها منذ عدة أيّامٍ (ستّة مستشفيات)، وليبقى متعارضاً مع الرقم الذي قدّمته «أطبّاء بلا حدود» (ثمانية مستشفيات، أربعة منها تعرّضت للقصف).
كذلك صرّحت إحدى ممرّضات «الجمعيّة الطبية» للصحيفة قائلةً «النّاس عالقون في حلب تحت الأنقاض، ونحن لا نتمكّن من الوصول إليهم بسبب القصف الشّديد».
وتحدّثت «هافنغتون بوست» قبل شهر، وتحديداً في 8 أيلول، عن ثلاثة مستشفيات رئيسيّات في المدينة، من بينها مستشفى «حلب الجامعي» و «ابن رشد» و «الرّازي»، مشيرةً إلى أنّ الأخير تعرّض للقصف السوري، ولافتةً الانتباه إلى أنّ هذه المستشفيات تخدم مليوناً ونصف المليون من الحلبيّين.
لـ«لجان التنسيق المحلية» الداعمة للمعارضة السوريّة المسلحة، دورٌ كبيرٌ في اللّغط الإعلاميّ المتكاثر حول حلب. منذ نحو شهرين، تحديداً في 12 آب، أعلنت اللجان أنّه لا مستشفيات باقية في شمال المدينة! مثّل الأمر تعارضاً كبيراً مع كلّ الأخبار التي كان يجري تناقلها في تلك الفترة عن شمال المدينة. وفي 28 أيلول الماضي، عادت «لجان التنسيق» لتتحدّث عن قصفٍ طال مستشفيين في شرق حلب (أم 2، وأم 10). وقبله بيوم أيضاً قالت إنّ عشرات المصابين موجودون داخل المستشفيات وهم بحاجةٍ ماسّةٍ إلى المساعدة. والجدير بالذكر أنّ هذه اللجان تُعِدُّ حصيلةً يوميّة عن عدد القتلى في سوريا، ويعتمدها الكثير من وسائل الإعلام مصدراً للمعلومات نظراً لوجود أعضائها داخل بعض مدن سوريا.
عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يقع مراسلو مؤسّساتٍ إعلاميّة، من المفترض أنّها تُعرف بالصدقيّة، في «زلّاتٍ» وأخطاء فاضحة. من بينهم مديرة مكتب صحيفة «واشنطن بوست» الأميركيّة في بيروت ليز سلي، التي كتبت في 28 أيلول مقالة تحدّثت فيها عن بقاء ستّة مستشفياتٍ عاملة في شرق حلب، وذلك نقلاً عن «الجمعيّة الطبية الأميركيّة». ثم ارتفع العدد لدى ليز سلي، بعد ستّة أيامٍ إلى ثمانية نقلاً عن «أطبّاء بلا حدود»، الأمر الذي دفع بعض متابعيها إلى التعليق سلباً على التناقض في كلامها.
الجدير بالذكر أنّ حساب أحد الأشخاص، ويُدعى «نافستيفا» (Navsteva)، التفت إلى هذا التناقض في المعلومات المقدّمة عن الوضع الطبيّ في حلب، ما دفعه إلى تركيب صورةٍ تُظهر الاختلاف في الأخبار المتداولة بين بعض المؤسّسات الإعلاميّة وكذلك بعض الحسابات على «تويتر» التي تدّعي متابعة الشأن السوري، ووقعت في فخّ النقل العشوائي.
زينب سرور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد