الحكومة اللبنانية تتبنى قانون «قيصر»؟
يضع الرئيس حسان دياب كل أسلافه في «جيبتِه» الصغيرة. يداهُ ممدودتان للبصمْ على كلّ ما يُمليه دفتر الشروط الدولي. الأمثلة وافِرة، دشْنتها قضية العميل عامر الفاخوري وتهريبه من لبنان، بالتعاون مع حكومة دياب، التي شكرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً على ذلِك، من دون أن يخرج منها تعليق واحد على الشكر. ومهما كان دور الحكومة في قضية الفاخوري، لم يُعد مِن مجال للشكّ في أن لواشنطن «جماعتها الضاغطة» داخِل مجلس الوزراء. وهذه الجماعة التي تعمَل حالياً على خياطة خطط اقتصادية - مالية وفقَ المواصفات الدولية المطلوبة، لم يعُد «تورّطها» محصوراً بملف عميل أو خطط «إصلاحية». فقد قرّرت هذه الجماعة طيّ مبدأ النأي بالنفس، واستبداله بسخاء النفس مع الأميركيين إلى درجة أنها تُريد أن تقتاد لبنان إلى صفّهم في حصارِهم لسوريا، بالامتثال لأوامرهم وتبنّي قانون «قيصر» الخاص بالعقوبات الشديدة على سوريا!
فيوم الجمعة الماضي، وفي جلسة مجلِس الوزراء، حطّ على طاولة الحكومة بند «غريب» من خارِج جدول الأعمال. مجموعة أوراق وزّعتها نائبة رئيس الحكومة، وزيرة الدفاع زينة عكر على زملائها، تتضمّن الترجمة العربية لنصّ «قانون قيصَر» الأميركي، طالبةً منهم «الاطلاع عليه»، لأن «على الحكومة أن تُناقشه في وقتٍ لاحِق». وقالت عكر، بحسب ما نقل عنها زملاؤها: «في محادثاتي مع السفيرة الأميركية، أبلغتني أنهم جادون في تطبيق القانون، وكل من يتعامل مع سوريا سيكون عرضة للعقوبات. وأنا أود أن تطّلعوا على القانون لأن بعض الوزارات اللبنانية تتعامل مع نظيراتها السورية. ونحن في مفاوضات مع صندوق النقد، ويجب أن نكون حذرين لكي لا نتعرّض لعقوبات تؤثر سلباً على المفاوضات». وقبلَ الجلسة، تحدّثت عكر إلى زميلها وزير الصناعة عماد حب الله في الأمر، متسائلة: «ماذا علينا أن نفعل؟ الأميركيون بدأوا جس النبض». وهذا الحديث سبقه أيضاً نقاش بين عكر ورئيس الحكومة، الذي بدوره وصلته «الأوامِر»، فقرّر أن يكون القانون مادة للتداول بين الوزراء لاتخاذ قرار مشترك، وخاصّة أن للبنان مِن هذا القانون حصّة وازِنة. وبحسب ما علمت «الأخبار»، اتفق دياب وعكر على إطلاق الوزراء على القانون، لدراسته. هكذا، يتحوّل قانون أميركي إلى ورقة رسمية من أوراق الدولة اللبنانية، يُناقشه مجلس الوزراء، لا من أجل اتخاذ موقف سياسي منه، بل كمادة قانونية كما لو ان مجلس النواب اللبنانية أصدره. وهنا لا بد من طرح أكثر من سؤال:
هل وصَلت إلى لبنان مراسلة رسمية من السفارة الأميركية أو الإدارة الأميركية تطلُب من الحكومة اللبنانية تطبيق القانون؟ أم أن بعض من هم في الحكومة قرّروا الردّ على الدعوات المُتتالية للانفتاح على سوريا، رئة لبنان الاقتصادية، برفع ورقة العقوبات وتركيع البلاد؟
من داخِل الحكومة، ينقل أكثر من مصدر وزاري استغرابه لخطوة عكر في الشكل، من دون الدخول في النيّات. والأكثر استغراباً، أن هذا القانون الذي لا يعني محاصرة سوريا وحدها، بل محاصرة لبنان أيضاً، يجهله معظَم الوزراء! علماً بأن الحديث عنه يعود لأشهر، وفي متنه تأكيد لـ«استهداف أي شخصيات رسمية وسياسية وحزبية ورجال أعمال تربطهم علاقات تجارية بالنظام السوري». ومع أن النص لم يأتِ على ذكر لبنان حرفياً، إلا أن اللبناني نزار زكا (الذي كانَ موقوفاً في إيران) وهو عضو في فريق «قيصر»، قال منذ أيام لـ«العربية.نت» إن «4 دفعات من العقوبات من ضمن القانون تبدأ اعتباراً من منتصف تموز وتستمر حتى نهاية آب المقبل، وتتضمّن أسماء مسؤولين وشركات خاصة في سوريا ولبنان والعراق وإيران وروسيا»، فيما القانون ينصّ بشكل واضح على تعرّض «كل شركة أو كيان أو حتى أفراد من الداخل السوري أو من أي دولة خارجية للعقوبات إذا ما دخلوا في علاقات تجارية مع النظام أو قدّموا الدعم العسكري والمالي والتقني».
الحركة السياسية باتجاه تحويل قانون الحصار على سوريا إلى «مرسوم حكومي» لم تبدأ بخطوة وزيرة الدفاع، بل بتحريك ملف التهريب وضبط الحدود، والذي توسّعت أطره من قبل الفريق الذي يدور في فلك المحور المُعادي للمقاومة إلى حدّ المناداة بتطبيق القرار ١٧٠١ على الحدود مع سوريا بحجة «سد مزاريب الفساد»، علماً بأن المقصود به إطباق الخناق على سوريا والمشاركة في تجويع الشعب السوري، كما تقول مصادِر سياسية رفيعة المستوى في فريق 8 آذار. وتضيف المصادر أن خطوة عكر - دياب تثير استغراب بعض القوى السياسية المشاركة في الحكومة. حتى الآن «ليسَ هناك من قرار نهائي لكيفية مواجهة هذا الأمر من داخِل الحكومة، بانتظار تكشّف ما هو المقصود منها». يفضّل فريق 8 آذار التعامل معها، بحسن نيّة، من باب التنبيه وأخذ العلم، وخاصّة أن مؤسسات كثيرة وعدداً من الوزارات لديها خطّ مفتوح وتعاملات مع سوريا. أما «إذا اتضح أن الحكومة ذاهبة في اتجاه تبنّي القانون وتطبيقه وإلزام الدولة اللبنانية به، فحينها سيكون هناك كلامٌ آخر ونبرة أعلى، خاصة أن هذا القانون ليسَ الأول من نوعه، ولم تذهَب أي حكومة لبنانية سابقاً إلى الالتزام بمثل هكذا قوانين». يبقى اللافِت من بين كل ذلِك أن دياب قرر مناقشة الأمر «بتأليف لجنة من اختصاصيين لتحديد مفاعيل هذا القانون على لبنان».
في جميع الأحوال، يبدو أن الولايات المُتحدة الأميركية قرّرت التحرك على الجبهات كافة، في وقت واحد، ضد المقاومة. فإضافة إلى ما جرى داخِل الحكومة، بدأت الأصوات على الأرض ترتِفع في السياق ذاِته. وهو ما حصل في التظاهرة الأخيرة أمام قصر العدل في بيروت تحت عنوان «لا للدويلة داخل الدولة ولا للسلاح غير الشرعي»، وتخلّلتها دعوات إلى الأمم المتحدة للعمل على تطبيق القرارات 1559 و1680 و1701 في ما خص نزع سلاح «الميليشيات» وترسيم الحدود مع سوريا تحت الفصل السابع، مع تأكيد «رفض الاحتلال الإيراني ووجود بندقية خارج الجيش اللبناني وترْك قرار الحرب والسلم بيد مجموعة تأتمر بأجندة إيرانية». فهل كانَت كلمة السرّ في حديث مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، في مقابلته مع تلفزيون «فرانس ٢٤»، حينَ قال منذُ أيام إننا «ننتظر كي نرى مدى التزام الحكومة بالاصلاحات، وتنفيذها بالفعل، عندها نرى موقفنا من دعم لبنان في ما يتعلق بملفها في صندوق النقد الدولي»؟ وهل يقصُد شينكر بالإصلاحات تنفيذ القرارات الدولية والقوانين الأميركية؟ المطلوب من رئيس الحكومة ونائبته الإجابة.
الأخبار
إضافة تعليق جديد