الزواج يتحول إلى حلم صعب المنال للشباب السوري
أصبح من الصعوبة بمكان أن يقدم الشاب السوري على خطوة الزواج لاسيما في الحرب بعد أن فقد معظمهم فرص العمل خاصة من كان يعمل في القطاع الخاص، والالتحاق بالخدمة الاحتياطية لسنوات طويلة، والأهم من ذلك كله تردي الوضع الاقتصادي لدرجة كبيرة،... الخ.في ظل هذا الواقع المرير يعتبر بعض الشبان أن الاقدام على الزواج هي بمثابة مغامرة، وليس لديهم رغبة الخوض فيها، بينما البعض الآخر يعيش حياة الانتظار لكن لا يعرف ماذا ينتظره، في حين أخرون لا يزالوا يفكرون بالهجرة خارجا عندما تسنح الفرصة وربما هي أفضل الحلول برأيهم، كل تلك الأمور جعلت أغلب الشباب يعزفون أو يتأخرون عن الزواج، ما أدى إلى ارتفاع متوسط سن الزواج عند الفتاة إلى الثلاثينات والشاب إلى الأربعينات.خلال الحرب خسرت البلاد الكثير من الشباب لأسباب مختلفة، وتالياً فقدت قوتها لأنّ فئة الشباب هي نقطة الارتكاز بالنسبة للمجتمع، انطلاقاً من ذلك لا بدّ من المحافظة على ما تبقى من شبابنا، وأن تكون هناك قرارات وقوانين حكومية تعنى برعاية الشباب أهمها إعادة تفعيل قروض الزواج وتأمين مسكن لمساعدة المقبلين على الزواج والاستقرار داخل البلد.التقينا بعدد من الشبان والشابات لمعرفة أسباب عدم رغبتهم بالزواج، وأهم المعوقات التي تقف عائقا أمامهم.
يرفض الفكرة
خليل شاب /39/ سنة أنهى مؤخراً خدمته الاحتياطية، يرفض خليل فكرة الزواج تماما قائلا كيف لي أنا أتزوج ومصروف أي أسرة مهما كانت صغيرة أصبح بمئات آلاف الليرات، مشيراً أنه لا يملك شيئاً، و مقارنة بالراتب الزهيد فإنه يحتاج رواتب أشهر وربما سنوات لإقامة حفل زفاف أو حتى شراء الذهب، فكيف له بشراء بيت؟ موضحاً أن لا خيارات أمامه إلا الانتظار، لكن أي انتظار لا يعرف، ولا يتردد خليل بالهجرة في حال سنحت له الفرصة المناسبة، ربما يكون هو الحل النسب برأيه.
بينما /مصطفى / في سن الأربعين يعمل أعمال حرة يقول يمكن للشاب أن يتزوج بدون مهر أو حفلة زفاف، لكن كيف يمكن الاستغناء عن البيت سيما أن أرخص ايجار منزل يعادل راتب شهر كامل، وهو غير موظف، وليس له دخل محدد أو ثابت، ويعتبر أنّ الاقدام على هذه الخطوة مغامرة، وغير مستعد للخوض فيها وهو يعرف النتيجة مسبقاً.على أمل أن يأتي
مشاكل الفتاة أقل من الشاب ولا يترتب عليها أعباء كثيرة فهي بالنهاية تنتظر زوجها المستقبلي
/ مايا/ في الثلاثينات من عمرها تقول بحزن إنّ الحرب أخذت أجمل سنوات عمرها، وهي الآن تنتظر نصيبها على أمل أن يأتي، حتى لو لم يكن لديه أي مؤهلات مادية سواء بيت – ذهب- لأنها ترغب بالاستقرار وتكوين أسرة، مضيفة أن فرص الزواج سواء للفتيات الصغيرات منهن أو الكبيرات أصبحت قليلة نتيجة خسارتنا للكثير من الشباب خلال الحرب. تعرفي على أسباب عزوف المرأة السعودية عن الزواج المبكر - سورية 24
بسبب البريستيج
رغم الحرب والضائقة الاقتصادية لا تزال بعض العائلات تتباهى بالمظاهر والبريستيجتختلف قصة /لينا/ عن غيرها من الفتيات فهي تنتمي لعائلة ثرية جداً، تروي أن عائلتها ما تزال تهتم بالمظاهر و"البريستيج" ولأجل ذلك تم فسخ عقد قرانها بعد ارتباط دام لأربع سنوات من شاب أغرمت به، حيث قررت عائلتها انهاء هذا العقد بعد أن عجز الشاب عن تأمين تكاليف تليق بمكانة عائلتها المادية والاجتماعية من بيت وسيارة واقامة حفل زفاف كبير تتباهى عائلتها أمام معارفها ممن ينتمون للطبقة المخملية.
غير حميدة
لرجال الدين والفقه رأيهم في هذا الموضوع، حيث يرون أنّ ارتفاع المهور ظاهرة غير حميدة ويجب ألا تكون عائق أمام المقبلين على الزواج لاسيما في هذه الظروف القاسية.
نائب رئيس مجمع كفتارو للشؤون العلمية والبحث العلمي الشيخ الدكتور عبد السلام الراجح أوضح أن غلاء المهور غير محبذة سيما في ظل التضخم الذي تعيشه بلادنا ولعل البعض يظن أنّ غلاء المهور (شطارة) وأنه ضمان لمستقبل الفتاة، إلا أنهّ يترتب عليه محاذير كبيرة من شأنه أن يترك لدى الفتيات والشباب عقد نفسية يغالبون من خلالها فطرتهم وغرائزهم، حيث أنّ احتياجات النفس قائمة في ذات الشاب والفتاة، لافتاً أنّ المغالاة في المهور من شأنه أن يحمل الشباب على العزوف عن الزواج، لافتاً أننا بصدد البحث عن بدائل حيث يجب أن يقوم المجتمع من خلال نخبه بذل زكاة المال للفقراء من الشباب لدعم مشاريع زواجهم، وكذلك المؤسسات الأهلية والجمعيات الخيرية أن تقيم الأعراس الجماعية التي ينبري لها الأغنياء من أبناء البلد لأجل أن يعينوا المقبلين على الزواج وهذا أمر يعادل كل بر يمكن أن يبذل لأنه يمثل سلامة أمة و مجتمع وما أحوجنا إليه اليوم.
أسبابه اقتصادية أ شادي أحمد
بدوره الباحث الاقتصادي الدكتور شادي أحمد كشف أنه من أهم الأسباب الاقتصادية التي تقف عائقا أمام عزوف الشباب عن الزواج هي فرصة العمل بحد ذاتها لأنها غالبا ما تكون بالقطاع الحكومي وتالياً هناك دخل لا يؤدي إلى أي مقدمات أو قدرات لكي يستطيع الشاب أو الشابة الإقدام على حياة الزواج، إضافة إلى ارتفاع التكاليف التأسيسية للزواج بالدرجة الأولى البيت بناء أو تأجيراً، وبعدها تأتي تجهيزات المنزل، و الالتزام بأعراف وتقاليد تتعلق بتقديم مهور معينة، وبالمقابل أيضا هناك الهجرة الكبيرة للشباب السوري خارج القطر ربما بعضهم يحاول أن يؤمن حياته الخاصة ثم يعود للزواج من داخل البلد، ولكن ما يقال أن هناك نسبة كبيرة من الشباب قد ارتبطوا بعلاقات زوجية وأسرية في الخارج وتالياً لم يعودوا يلتفتوا إلى استكمال الحياة الزوجية في الداخل هذا الأمر أيضاً أدى إلى وجود مشكلات في قضية الزواج.
غاية في الصعوبة
إقدام الشاب على الزواج هو أمر في غاية الصعوبة، سابقا كان نظام الأسرة في سورية يعتمد على نظام الأسرة الكبيرة سواء في المدن أو الأرياف بحيث يكون هناك بيت كبير يمكن للعائلة أن تستقبل وافد جديد وهي الزوجة، أما الآن مع النموذج الآخر وهو البيوت الصغيرة والتي بالكاد تتسع لأسرة واحدة أصبحت الاستقلالية ضرورية، وبما أنها غير متوفرة إطلاقا لأسعار البيوت و تكلفة المعيشة مرتفعة، لذلك لا يمكن الآن في ظل هذا الموضوع أن يكون هناك اقبال لهذا الامر حسب ما قاله الباحث الاقتصادي.
حلول
د: أحمد ذكر أنه من واجب الدولة أن تقدم برامج تشجيع الزواج على سبيل المثال أن تبدأ بحل الأزمات وفق التسلسل التالي: باعتبار أن المنزل هو المشكلة الأولى والأكبر بقضية الزواج ممكن أن تقوم الدولة ببناء مساكن صغيرة جدا، بحيث تكون مساحة الشقة 40 متر، فهي تكفي لزوجين في بداية العمر، وتالياً يتم تأجير هذه الشقق أو تقسطيها و كلما كبرت الأسرة يتم بعدها مشروع آخر، المسألة الثانية يجب أن يكون هناك قروض وتمويل بدون فوائد من أجل المتطلبات الأساسية لبداية الزواج، أما المسألة الثالثة اطلاق برنامج كبير للمشروعات المتوسطة والصغيرة ودعم الاقتصاد المنزلي، بحيث تقوم هذه الاسرة الصغيرة ببناء نموذجها الاقتصادي.
حاجات فيزيولوجية
الحاجات الجسدية تأتي بالدرجة الأولى عند الشباب والشابات وعندما لا تجد صيغها الشرعية والقانونية فإنها تؤدي حتماً إلى الانحرافات الأخلاقية..
الأخصائي بعلم الاجتماع العائلي الدكتور جهاد الناقولا أشار إلى وجود حاجات جسدية أو فيزيولوجية تأتي بالدرجة الأولى، وعندما لا تلبى بشكل طبيعي فإن الشاب أو الفتاة يبحثان عن طريق لتلبيتها بطريقة غير مشروعة بعيدا عن أخلاق المجتمع ويصل إلى درجة الانحلال الأخلاقي، مضيفاً أنّ الحرب زادت من نسبة العازفين عن الزواج بشكل كبير، فقد تسببت الحرب بإغلاق المعامل وتهديم الكثير من المنشآت وهذا انعكس على الشاب حيث أصبح من المستحيل أن يفكر بالزواج بسبب فقدان عمله، كذلك فإن الكثير من الأسر تعرضت لحوادث موت أو إعاقة ما زاد من أعباء الشباب فعندما يفقد رب الأسرة العمل يضطر الشاب الأكبر أو الشابة للبحث عن عمل ليحمل وزر العبء الاقتصادي للأسرة وهذا الشيء أخّره زمنيا إذا لم نقل أنه حرمه بشكل كامل من مشروع الزواج.
ارتفاع متوسط سن الزواج
وعن متوسط سن الزواج حالياً يقول الناقولا إنّ الواقع يوحي بارتفاع كبير لمتوسط سن الزواج حيث ارتفع إلى سن الثلاثينات للفتاة، وإلى الأربعينيات للشاب إن لم يكن أكثر من ذلك، مضيفا أن المجتمع السوري كان قبل عشر سنوات يشكل 45% أطفال دون سن 15 سنة، و كاد أن يتحول إلى انفتاح النافذة الديمغرافية والمقصود أن النسبة العظمى من الأطفال أصبحوا في مرحلة الشباب، أي أنه شباب منتج، متعلم، لكن الحرب نزعت عنصر القوة من مجتمعنا والتي هي الشباب، وخلال العقود القادمة سوف نرى الآثار الاجتماعية الخطيرة على المجتمع وعلى عملية التنمية بشكل عام.
وشدد الناقولا على ضرورة إعادة تفعيل مبادرات الزواج الجماعي، ويجب أن تكون المبادارات ليست فقط من قبل المؤسسات الخيرية والجمعيات، وإنما أيضاً وجود قرارات حكومية منها إعادة تفعيل قروض الزواج لدعم الشباب ومساعدتهم، لان قوة أي بلد من قوة شبابه، و اذا لم يتم الاهتمام بهم سيبقى بلدنا مبتوراً ويسير على رجل واحدة، وتالياً عملية التنمية لن تحقق أهدافها.
ميليا اسبر
إضافة تعليق جديد