المجتمع السعودي أمام اختبار إسقاط الولاية عن النساء
مثّل القرار الجريء الذي أصدرته المملكة العربية السعودية لصالح النساء والذي تمثل في إسقاط ولاية الرجل على المرأة، خطوة جديدة نحو منح الفتيات والسيدات المزيد من الحقوق التي طالبن بها على امتداد عقود طويلة، وعزز النهج الذي تسير فيه السعودية منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم مطلع العام 2015، وتولي نجله الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد، فرص حصول السعوديات على المزيد من الحقوق، والمساواة مع الرجال في تحد للأعراف الاجتماعية السائدة في المملكة المحافظة.
وجاء القرار بمثابة رسالة موجهة إلى الغرب الذي طالما وجه اتهامات إلى المملكة بتقييد حرية النساء والفتيات السعوديات والتضييق عليهن حتى في أبسط حقوقهن، حيث طالما تعرضت الرياض لانتقادات دولية بسبب هذا النظام الذي يجعل كل امرأة في حاجة لموافقة أحد الأقارب الذكور، الأب أو الأخ أو الزوج أو الابن، على العديد من القرارات المهمة طوال حياتها.
وواجهت السعودية طويلا انتقادات دولية بشأن وضع المرأة التي تقول جماعات لحقوق الإنسان إنها تُعامل في كثير من الأحيان كمواطنة من الدرجة الثانية بسبب قوانين تشترط عليها الحصول على موافقة ولي أمرها في القضايا المهمة بصرف النظر عن السن.
وأشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن هذه الإجراءات وما سبقها من سماح للمرأة بقيادة السيارة تشكل جزءا من وعد الأمير محمد بن سلمان بتحديث المملكة، حيث تدعو خطته “رؤية 2030” إلى زيادة مشاركة المرأة في العمل لتصل إلى نسبة 30 بالمئة، ومنع أي قوانين تمييزية ضدها.
وقررت السعودية إسقاط الولاية على المرأة في السفر ومنحتها قدرا أكبر من التمكين في ما يتعلق بشؤون الأسرة، مما يقلص صلاحيات ولاية الرجل في وقت تتابع فيه الأنظار سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.
وخفف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، القيود الاجتماعية على النساء والفتيات وذلك في إطار حملة انفتاح المملكة.
ولقي القرار ردود فعل مرحّبة في المملكة وخارجها، واعتبره البعض خطوة تاريخية على طريق تحقيق المساواة بين الجنسين في المملكة المحافظة.
وأكدت ناشطة سعودية أن إسقاط الولاية يمنح الفرصة لجيل سعودي جديد من النساء للانفتاح على العالم وتحقيق طموحاتهن سواء بالدراسة أو العمل، بعيدا عن قيود الأسرة والمجتمع.
وأشاد مبعوثا الرياض إلى الولايات المتحدة وبريطانيا بالمراسيم الملكية باعتبارها مؤشرا على إرادة من المملكة للإصلاح في وقت تتابع فيه الأنظار سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.
وكتبت السفيرة السعودية لدى واشنطن الأميرة ريما بنت بندر آل سعود على حسابها بتويتر “هذه التعديلات تكتب التاريخ، وتدعو للانخراط المتوازي بين المرأة والرجل في مجتمعنا. إنّها مقاربة تاريخية لتحقيق المساواة بين الجنسين”.
وقال الأمير خالد بن بندر في بيان أصدرته سفارة السعودية في لندن “قد يبدو ذلك كخطوة صغيرة لكنها أيضا تشكل تحولا كبيرا للسعوديات”.
وعلى خلاف التغطية الإعلامية الواسعة التي حظي بها قرار رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات فإن المراسيم الجديدة لم تبث في التلفزيون ولم تنشر في وكالة الأنباء الرسمية وإنما صدرت في الجريدة الرسمية.
وقالت هدى الحليسي وهي عضو في مجلس الشورى السعودي إن من المرجح أن تلاقي التعديلات مقاومة من البعض. لكنها أضافت “مثل كل التغييرات والإصلاحات التي حدثت في المملكة سيصير ذلك أيضا أمرا واقعا”.
وغرد مستخدم لتويتر يدعى وائل “هو ليس انفتاحا كما يسمونه… بل إعطاء كل ذي حق حقه. محمد بن سلمان رجل سخّر نفسه ليصلح ما أفسده المتطرفون”.
وقالت منظمة العفو الدولية تعقيبا على القرار “أعلنت الصحف السعودية عن إصلاحات كبيرة في العديد من القوانين بما يخفف بعض القيود التي تُفرض على النساء كجزءٍ من نظام ولاية الرجل القمعي في البلاد. وتضمن الإصلاحات للنساء الحق في الحصول على جواز سفر يتيح لهن السفر من دون إذن ولي الأمر الذكر. كما تمنح النساء حقوقًا متساوية في ترؤس الأسرة وإدارة بعض الشؤون المتعلقة بها”.
وبينت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية “تمثل الإصلاحات التي أُعلن عنها خطوة إيجابية مهمة طال انتظارها من أجل تعزيز حقوق المرأة. إن هذه التغييرات دليل واضح على نجاعة النضال المتواصل لنشطاء حقوق المرأة الذين كافحوا ضد التمييز المستشري في السعودية منذ عقود”.
وستسمح التعديلات للنساء فوق سن 21 بالحصول على جوازات سفر، مما سيسهل لهن إلى حدٍ كبيرٍ السفر من دون إذن ولي الأمر. كما أنها ستمنح المرأة الحق في تسجيل الزيجات والطلاق والمواليد والوفيات واستخراج سجلات الأسرة.
وترى الإعلامية السعودية وعضو المجلس البلدي بالقطيف، عرفات الماجد، أن أكبر التحديات التي تواجهها المملكة في قضايا حقوق المرأة لا تأتي من الخارج، بل من الداخل، حيث صرحت الماجد “سمو ولي العهد قام بخطوة جبارة، في ظل مجتمع محافظ”، لافتة إلى أن الكثير من السعوديين، وبينهم حتى مسؤولين، يرفضون هذه الإصلاحات لأنهم “لا يفهمونها، ولأن النقاش تمت أدلجته لكي لا يتم استعياب أهمية هذه الحقوق”.
وأكدت الماجد أن الخطوة القادمة تتمثل في “إعادة تنوير العقول لتدرك أهمية هذه القرارات بالنسبة للمرأة والمجتمع”.
كما أشارت إلى أن ما تحقق إلى حد الآن من مكتسبات يجب أن يكون تمهيداً لمكتسبات أخرى منها فتح المجال أكثر أمام المرأة للعمل في القطاع الخاص، وتحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، ومنح الأبناء حرية اختيار الحياة التي يرضونها بعد سن 21 بعيدا عن الوصاية.
وكشف مسؤولون سعوديون أن جوانب كثيرة من نظام الولاية تنبع من ممارسات غير رسمية، مع غياب نصوص قانونية تسير جنبا إلى جنب مع أحكام الشريعة، حيث تعول الشرطة وسلطات القضاء في أحوال كثيرة على الأعراف الاجتماعية التي تفرض قيودا على النساء.
ونبهوا إلى أن الحقوق الجديدة الممنوحة للنساء في المملكة تعزز إنهاء نظام الولاية الذي يتعرض لانتقادات شديدة، ووصفوها بأنها “تاريخية” لكن ما زال بإمكان الأقارب الذكور إيجاد سبل لسلب هذه الحريات.
كما نبّه خبراء إلى أن الأقارب الذكور لا يزال بإمكانهم منع النساء من تحدي رغباتهم عبر الوسائل القانونية أو السبل غير الرسمية في المملكة المحافظة التي تحتاج إلى بعض الوقت لتغيير وجهات النظر المرتبطة بالمرأة والعادات الاجتماعية.
وقالت هالة الدوسري وهي خبيرة في شؤون حقوق المرأة السعودية ومقيمة في الولايات المتحدة “نحتاج إلى تطبيق هذه القوانين وإنشاء آليات للإبلاغ عندما لا يتم الالتزام بهذه السياسات، فضلا عن منظمات المراقبة”.
وأضافت أن أولياء الأمور ما زال بإمكانهم رفع قضايا النشوز والتغيب عن المنزل على النساء. وتقر الحكومة بأن عصيان الأبناء جريمة.
وقالت الدوسري “تمثل القضيتان، اللتان يُعاقب عليهما بالسجن والجلد، سيطرة الرجال القانونية الأوسع على استقلالية المرأة وثمة حاجة لتفكيكها”.
ومن جانبها قالت تمارا ويتيس الباحثة في معهد بروكنغز إنه من المهم بشكل خاص معرفة كيفية تعامل المحاكم السعودية مع طعون أولياء الأمور.
ويشعر الكثير من المواطنين بما في ذلك نساء بالقلق من سرعة وتيرة التغييرات الاجتماعية في المملكة، حيث قالت سارة وهي سعودية في أواخر الأربعينيات “نحن مجتمع مسلم وليس غربيا. اللهم احم بناتنا من كل شر”.
وأضافت “تخيلوا لو كبرت بناتكم وذهبن ولم يعدن.. هل ستكونون سعداء؟”.
وأوضحت بدور، مقيمة في الرياض طلبت عدم الإفصاح عن اسمها كاملا، قائلة “سوف تمنعنا ثقافتنا وتنشئتنا من السفر دون موافقة ولي الأمر حتى لو كان ذلك حقنا”.
وصرحت الصحافية لولوة شلهوب من جدة قائلة “وأخيرا، بات تعريف البلوغ في السعودية محايدا من الناحية الجندرية، فكل الرجال والنساء يعدون بالغين إذا وصلوا سن 21 عاما”.
وتابعت “في المرة القادمة عندما أسافر لن أكون قلقة بشأن تحديث إذن السفر في سجلات إدارة جوازات السفر أو على الحدود السعودية. سأحمل حقيبتي وأنا على دراية بأن إبراز جواز سفري السعودي الأخضر، كبالغة ومتمتعة بالجنسية السعودية، يكفي. سأكون وحدي مسؤولة عن اختياري عبور الحدود من دون موافقة رجل، ولي الأمر”.
وأضافت “لقد شهد الأسبوع الماضي يوما تاريخيا آخر للنساء السعوديات منحهن الأمل في مستقبل مشرق لهن ولبناتهن. مستقبل لا يكنَّ فيه مواطنات من الدرجة الثانية”. كما قالت “لم نعد نرغب أنا وصديقاتي السعوديات، والعديد من النساء السعوديات، في تأطيرنا في صورة نساء يعشن في ظروف خاصة تنقصهن الحقوق التي تتمتع بها النساء في كل أنحاء العالم. وهذا التوجه الجديد يضعنا كنساء في مكان نحقق فيه ذواتنا ونكتسب الثقة في قدرتنا على العناية بأنفسنا”.
وأوضحت شلهوب قائلة “يعد الأمر ازدراء للمرأة التي تكرس حياتها لتربية ابن ثم لا تستطيع السفر لاحقا من دون إذنه، كما يعد الوضع أيضا مثيرا للسخرية في مجتمع تؤكد ثقافته بشدة على احترام الوالدين”.
ولفتت إلى أن الأمر يصبح أكثر سوءا عندما لا يكون للمرأة قريب ذكر مؤهل لولاية الأمر كأب أو زوج أو أخ أو ابن. ففي هذه الحالة فإن المطلقة أو الأرملة التي تعيش في مجتمع محافظ للغاية يهيمن فيه الرجل على الأسرة قد لا تستطيع الحصول على إذن وتحرم من السفر الذي ترغب فيه.
وتساءل العديد من المثقفين عن مدى تقبل المجتمع السعودي المحافظ لهذه التغيرات، وعلق أحدهم قائلا “حتى الشعوب العربية لم تتحرر بعد من السطوة الأبوية ولن يتغير الحال بمجرد قانون، إعادة كتابة تاريخنا ونقده هو الحل لتقبل الإصلاحات في السعودية وتونس وغيرهما، في ما يتعلق بالأفكار التحررية”.
وساد المملكة نظام “ولاية الرجل” الذي يجبر المرأة السعودية على الحصول على إذن “ولي أمرها” للقيام بإجراءات عدة. وينص “نظام الولاية” على حاجة النساء لموافقة الرجال من الأقرباء، الزوج أو الأخ أو الأب أو الابن، للتعلم، وتجديد جوازات السفر، ومغادرة البلاد.
ويأتي القرار بعد سنوات من مطالبة منظمات حقوقية ونشطاء في مجال حقوق الإنسان بإنهاء هذا القانون، في وقت تشهد المملكة محاولات للانفتاح.
وتداول مستخدمون في تويتر وسم #لا _ولاية_على_سفر_المرأة.
وكتبت سيدة الأعمال السعودية منى أبوسليمان في تغريدة “تخلّت نساء عن أحلامهن بسبب عجزهن عن مغادرة البلد لأي سبب كان.. للدراسة في الخارج أو لفرصة عمل أو حتى للهروب إذا رغبن بذلك”.
وتابعت “هذا التغيير يعني أنّ النساء أصبحن يتحكمن بشكل كامل بمصيرهن”.
وتشهد السعودية حملة إصلاحات قانونية وتغيّرات ثقافية واجتماعية هي الأكبر في تاريخها المعاصر. وقالت كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربي في واشنطن إن “هذه التغييرات ستثير حتماً مخاوف لدى الأسر السعودية.. ربما لن تسعى الحكومة بعد ذلك إلى إعادة هؤلاء النساء رغما عنهن، مع انتهاء القيود”.
ويضع نظام “ولاية الرجل” في أيدي الذكور، الأب أو الأخ أو الزوج وحتى الأبناء، سلطة التحكم بجوانب كثيرة في حياة المرأة.
وقالت منى أبوسليمان وهي من الأسماء السعودية المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي ومقدمة برامج سابقة، “ينشأ جيل من الفتيات يتمتعن فيه بحرية ومساواة تامة مع أشقائهن”.
وغردت هيلة المشوح على تويتر “بعدما أصبحوا نشازاً بأفكارهم وتطرفهم وبعد أن لفظهم المجتمع، يتفقون في غرفهم المظلمة على عبارة ‘لن نترك الساحة لهم’ فيعملون باستماتة على بث الفتن ضد التغيير وتحريك مكامن الجهل في العقول المتكلسة ضد #رؤية 2030 ألا يعلم هؤلاء أن ‘الساحة’ أصبحت أوسع وأشمل من أن تُحتكر بالفكر الأوحد؟”.
وأضافت “#الولاية_سقطت هي حياة جديدة لكِ كأنثى لا تسمحي لأحد بأن يحدد خياراتك المستقبلية ولا تسمحي للأفكار الذكورية بأن تواصل قمعها لحريتك هذه فرصتك الثمينة استغليها جيدا، حتى وإن غضب من حولك، تذكري دائماً قمعهم وعدم رحمتهم لضعفك ومحدودية خياراتك في الحياة لا تنسي المعاناة”.
وأفادت جواهر على تويتر “انتشار التحذير من ‘العقوق’ بعد إسقاط الولاية، سببه ليس فقط التمييز ضد الأنثى أو سوء ظن، السبب الحقيقي الذي يعرفونه أنه فعلًا ثقافتنا الذكورية المترسخة عند فئة من الآباء والأمهات كانت واقفة في طريق حرية البنات حتى في أتفه خصوصياتهن، وعندما أنصفهن القانون أخيرا خافوا أن يأخذن حريتهن وسمّوه عقوقا”.
وقال حقوقيون “قضايا تمكين المرأة لم تعد مثيرة للجدل كما كانت في السابق في المجتمع، فالمرأة الآن تخطت هذه المرحلة لتدخل مرحلة جديدة، نحن نريد عدالة في الفرص لا مساواة وتفعيل لأدوار المرأة بما يعزز رؤية المملكة 2030 حول التوازن بين الجنسين”.
وأكدوا أن تقييد سفر المرأة بإذن الولي يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية القائمة على المساواة والعدالة بين الجنسين، وإعطاء الأهلية الكاملة للمرأة، وعدم فرض الوصاية عليها أو معاملتها كقاصر أو تطبيق أي شكل من أشكال التمييز ضدها.
العرب
إضافة تعليق جديد