المجموعات المسلحة المتناحرة في سوريا وأوهام التوحيد والسطوة

30-10-2012

المجموعات المسلحة المتناحرة في سوريا وأوهام التوحيد والسطوة

لم يتغير شيء في ما يتعلق بوحدة المعارضة في سوريا، لكن الجديد هو السعي لتوحيد المعارضة المسلحة بدلا من المعارضة السياسية التي فقد كل من الشارع والمجتمع الدولي الأمل في قدرتها على تشكيل جبهة سياسية موحدة، فانتقل العمل إلى كتائب ومجموعات «الجيش الحر» لتبدو المهمة أكثر صعوبة في ظل الانقسام اللامحدود الذي تغرق به المعارضة، والتفاوت في التمويل وتخزين السلاح والتبعية لجهات ودول ذات قرارات متخبطة في الشأن السوري، لتبدو الصورة كتائب تعتمد الاستعراض الإعلامي و«التشبيح» وأخرى تتعرض للتضييق من رفاق السلاح، ومجموعات ثالثة لا صلة لها «بالجيش الحر» بل لا صلة لها حتى بالحراك الشعبي، أي المجموعات السلفية والكتائب التي أعلنت الولاء لتنظيم «القاعدة».
أما القيادات المتواجدة في تركيا وشمال سوريا فتلك معضلة بحد ذاتها في ظل المزايدة المفتوحة يومياً على التنسيق، ولو بالحد الأدنى، ما يجعل إمكان توحيد المعارضة المسلحة أمرا صعبا للغاية، رغم تعويل كثر، من المعارضة السياسية والشارع، عليه.
المعارضة المسلحة
... «جيش» متعدد القيادات
يبلغ الانقسام العسكري لدى المعارضة المسلحة مداه الأقصى حين تتشعب القيادات وتتنافس في ما بينها، لتحاول كل منها إظهار نفسها كالقائد الأوحد لمختلف المسلحين، وتكون المحصلة أربع قيادات لا تتفق مع بعضها البعض، ولا تتردد احداها في مهاجمة الأخرى، بحجة أنها الأسبق بالانشقاق أو الأعلى رتبة عسكرية، ولتبدو النتيجة قيادات متعددة هي:
أولاً: المجلس العسكري للثورة السورية ويقوده العميد المنشق مصطفى الشيخ، وتتبع له مجالس عسكرية في كافة المحافظات، والتي تتبع لها أيضا عدة كتائب ومجموعات مقاتلة تتفاوت بين محافظة وأخرى في نفوذها وقدرتها التسليحية.
ثانياً: الجيش الوطني السوري، ويقوده اللواء المنشق محمد الحاج علي، الذي تعرض لانتقادات من بقية المجموعات بحجة انشقاقه المتأخر، بينما لم يتردد آخرون باتهامه بانه قد انشق بقرار غربي لكونه مقرباً من النظام ويمكنه العمل على قيادة مرحلة انتقالية لا تتبدل فيها ملامح النظام على حد تعبير مقاتلين في «الجيش الحر». وتزايدت الشكوك حوله مع تسريب معلومات عن انضمام العميد المنشق مناف طلاس له، ما قد يشكل واجهة غربية يسعى من خلالها، الفرنسيون تحديداً، لإيجاد قيادة عسكرية تستقبل السلاح وتكون ضامنة له.
ثالثاً: القيادة العسكرية المشتركة للثورة السورية، التي يقودها اللواء المنشق عدنان سلو، ويضم إلى جانبه مجلساً يضم 18 ضابطاً برتبة عميد. ويرفض قائد «الجيش الحر» رياض الأسعد الانضمام إليهم بحجة أن لا سلطة له على أي مجموعة مقاتلة في الداخل. ورغم إعلان المجلس انه يبذل جهداً لتوحيد مختلف الكتائب والقيادات إلا أن شيئاً لم يحدث.
رابعاً: قائد «الجيش السوري الحر». رياض الأسعد، هو أول من أعلن تشكيل «الجيش الحر» الصيف الماضي، ورفض الانضواء تحت أي تشكيل مقاتل آخر، معتبراً انه قادر على التواصل مع مختلف الكتائب في الداخل، رغم أن مصادر عديدة في المعارضة تعتبر أن الأسعد لا يمتلك أدنى سلطة على مقاتل في الداخل السوري، وينحصر دوره في التحدث عبر الإعلام لا أكثر.
ويضاف إلى هذه القيادات كل من «القيادة المشتركة للجيش الحر في الداخل» التي تعمل مع «مكتب التنسيق والارتباط» على إيجاد الحد الأدنى من التوافق بين هذه القيادات. مع الإشارة إلى العديد من الكتائب المستقلة التي لا علاقة لها بأي من القيادات الأربع، ككتائب في حلب وحمص، فتحت أبواب اتصال مع الأتراك والأميركيين مباشرة.
وهناك كتائب أخرى تعمل بشكل منفرد أو وفق توجه ديني بحت، وأبرزها الكتائب الإسلامية أو تلك التي تحمل لواء السلفية الجهادية، وهذه بدورها تقسم إلى مجموعتين، الأولى تعمل وفق قرار ما يسمى «مجلس شورى المجاهدين» والأخرى تعمل بشكل منفرد ومستقل، ولا علاقة لها بأي كتائب أخرى، وأبرزها «جبهة النصرة» التابعة مباشرة لتنظيم «القاعدة» وتعلن الولاء التام لزعماء التنظيم الجهادي، بالإضافة إلى ألوية أخرى مثل «أحفاد الرسول» و«لواء الإسلام»، وهؤلاء لهم تمويل مستقل من جماعات سلفية في الخارج، وذوو تنظيم فائق الدقة، وألويتهم تتعرض للتضييق حتى من بقية الكتائب المقاتلة التي تعتبرها من صنع النظام، أو ذات منهجية فكرية وسياسية لا تتوافق والإسلام المعتدل الذي يتمتع به الشعب السوري. وتختلف عن بقية المجموعات باعتبارها تستخدم أسلوب العمليات الكبرى كتفجير مبنى الأركان أو ساحة سعد الله الجابري في حلب والهجوم على مقار الاستخبارات العسكرية والجوية في دمشق، بمعنى أنها لا تستخدم أسلوب السيطرة على منطقة ما ثم الاشتباك مع الجيش النظامي.
«الجيش الحر»
... فتوة أم حماية للسكان؟!
لم تعد نغمة استجداء السلاح تجدي نفعاً في عمل «الجيش الحر»، خصوصاً ان معطيات كثيرة باتت تكشف النقاب عن دعم مالي وعسكري هائل تتلقاه بعض فصائل المعارضة المسلحة من دون غيرها ومن دون حتى أن تستخدمها، بمعنى تخزينها حتى وصول قرار غربي بالتحرك، ما يفرضها كقوة مقاتلة تفرض نفوذها ضمن المناطق التي تسيطر عليها، وهو سبب بحد ذاته يجعل توحيد «الجيش الحر» امرا اكثر صعوبة، إذ تشير معلومات واردة من مناطق مختلفة في سوريا إلى تمويل ضخم يصل بشكل منتظم خاصة من بلدان الخليج العربي ومحصور بكتائب معينة، خاصة في حمص وإدلب وحلب وريف دمشق.
ويعتمد هذا التمويل على أحد عاملين، الأول قدرة هذه المجموعات على الاستعراض الإعلامي بمعنى تصوير عمليات ونسبها لنفسها، طمعاً في الدعم المالي، والثاني علاقات تجمع مقربين منها بشخصيات سورية أو عربية في الخليج، ما يعني تدفقاً منتظماً للمال إلى هذه المجموعات، وفي أحيان أخرى قد يصل التمويل بشكل ذخائر وأسلحة خفيفة ومتوسطة، وفي أخرى ثقيلة خاصة صواريخ «ستينغر» الأميركية الصنع المضادة للطائرات، والتي بالرغم من نفي مختلف قادة المعارضة المسلحة امتلاكهم لها فإن مصادر عدة أكدت وصول دفعات من هذه الصواريخ إلى الكتائب، وخاصة بعد حديث النائب الكويتي وليد الطبطائي عن تسليم عدد منها للمقاتلين في الشمال، ثم إعلان موسكو أن مقاتلي المعارضة قد حصلوا بالفعل على هذه الصواريخ، بينما نفى آخرون ذلك، مؤكدين سيطرتهم على صواريخ من نوع «سام» روسية الصنع، بعد سيطرتهم على كتائب ومقار للدفاع الجوي في إدلب وريف دمشق، لكن حتى هذه الصواريخ غير قادرة على إسقاط الطائرات وعملها يقتصر على الدفاع فحسب، بينما يتمكن البعض من إسقاط المروحيات حين تحلق على علو منخفض لا أكثر.
وعلى المقلب الآخر، تحدث نشطاء مقربون من «الكتائب المقاتلة» في الشمال عن أنهم يمتلكون قدرة مالية، لكنهم غير قادرين على الحصول على سلاح ثقيل، وهو أمر محصور بقرار من الدول الكبرى التي تشتكي من تشتت المعارضة وعدم قدرتها على الاتحاد أو إيجاد ضمانات لعدم وصول الأسلحة إلى تنظيمات متشددة. وفي ظل هذا الظرف أصبحت الكتائب الأكثر تمويلاً وتسليحاً ترفض الاتحاد مع غيرها من المجموعات، وتتصرف في المناطق الخاضعة لها على أنها الحاكم بأمره، وبالتالي ستفرض شريعتها وقوانينها التي ستعاقب كل من «يتطاول على أسياده المحاربين»، كما أشار احد النشطاء في حلب، حين قمعت إحدى «الكتائب» تظاهرة خرجت تطالب «الجيش الحر» بالرحيل. وتكررت هجمات المسلحين على مواقع تاريخية في حلب، من دون أدنى اعتبار للوجود الاجتماعي أو للنازحين في هذه المناطق.
ويشير ناشط في دير الزور إلى أن مقاتلين دخلوا العديد من الأحياء، وطلبوا من الأهالي المغادرة فوراً تمهيداً لتحويل المنطقة إلى ساحة عمليات، عدا عن عصابات تعتبر نفسها ضمن لواء «الجيش الحر» وتعمد إلى سرقة مبان حكومية أو تدميرها بحجة أنها مراكز أمنية.
ورغم رفض الأهالي وتحذيرهم من المسألة مراراً يكتفي «الجيش الحر» بالتجاهل والتركيز على أنهم يحاربون النظام ويقومون بحماية الأهالي، بينما يستمر أسلوب السيطرة على أحياء أو استغلالها لقصف مواقع عسكرية تابعة للنظام على ما هو عليه، إذ يعمد هؤلاء إلى قصف موقع ما بقذائف الهاون فيرد الجيش النظامي بمحاصرة المكان وإشغال المسلحين بتبادل إطلاق النار حتى نفاد الذخيرة، وبالتالي سهولة اقتحام المنطقة، وهو ما تكرر في حلب وحمص والرستن وداريا ودوما وعربين في ريف دمشق، ما يزيد النقمة الشعبية وضرورة الكف عن مثل هذه العمليات.
وفشلت حجة المعارضة القائلة ان النظام سيقصف المناطق بوجود «الجيش الحر» أو عدمه في إقناع الأهالي. وذهبت معها حجة السيطرة على 70 في المئة من الأراضي السورية أدراج الرياح، بعد أن بات من الواضح أن من يسيطر على السماء يتحكم بالأرض، وهو ما لم يقتنع المسلحون به حتى الآن.
                                                  

                                                                                                               طارق العبد: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...