أميركا في سوريا: انتشار استثنائي لا يردع المقاومة
أيهم مرعي:
لم تكن حادثة استهداف قاعدة «التنف» الأميركية في سوريا، في كانون الثاني الماضي، عادية؛ إذ أرادت المقاومة، في حينه، توجيه رسالة ميدانية مفادها بأنها قادرة على التصعيد المميت ضدّ الأميركيين. ومذاك، يستمرّ استقدام التعزيزات العسكرية، والتي شملت خصوصاً أنظمة دفاع جوي ومعدات خاصة بالمراقبة والتعقّب، كان الهدف منها لجم المقاومة ومنْعها من الاستمرار في مهاجمة القواعد الأميركية المنتشرة على الأراضي السورية. ورغم استقدام واشنطن المعدات والسلاح، وشنّها اعتداءات برية وجوية على مناطق في ريف دير الزور، إلا أن نشاط المقاومة تضاعف على نحو غير مسبوق.
90 هجوماً في 10 أشهر
لم تكد تنتهي هجمات واشنطن على أهداف لفصائل المقاومة في سوريا والعراق، ردّاً على مقتل جنودها في التنف، حتى جدّدت الفصائل استهدافها لكلّ من قاعدتَي «العمر» و«كونيكو» في دير الزور. وتكرّرت الهجمات مذاك، مستهدفةً سبع قواعد رئيسية في سوريا، هي: «كونيكو»، «حقل العمر»، «الشدادي»، «خراب الجير»، «التنف»، «الركبان» و«اللايف ستون». وتوزّعت بواقع 39 استهدافاً لـ«كونيكو» في ريف دير الزور الشمالي، و22 لـ«حقل العمر» في ريف دير الزور الشرقي، و7 ضد «الشدادي» في ريف الحسكة الجنوبي، و10 لـ«خراب الجير» في ريف الحسكة الشمالي، و10 لـ«التنف»، واستهداف واحد طال كلاً من «اللايف ستون» في ريف الحسكة الغربي، و«الركبان» على الحدود مع الأردن. وجرت الهجمات بواسطة القذائف الصاروخية والطائرات المسيّرة الانقضاضية، ما أدى، على مدى نحو عام، إلى مقتل ثلاثة جنود في «التنف»، وإصابة العشرات في مجمل الاستهدافات، آخرهم 8 جنود في «خراب الجير»، قبل نحو شهرين.
كذلك، نجحت المقاومة، للمرة الأولى، في استهداف قاعدة «الشدادي» في ريف الحسكة الجنوبي، والواقعة تحت سيطرة «قسد»، في ما عُدّ اختراقاً أمنياً أقلق الأميركيين، ودفعهم إلى تنفيذ حملة أمنية واسعة. أيضاً، سُجّلت، قبل ثلاثة أشهر، أول حالة إطلاق رصاص مباشر على دورية أميركية على ضفاف نهر الفرات بالقرب من بلدة ذيبان في ريف دير الزور الشرقي، ما اعتبر محاولة هجوم بري على الأميركيين في المنطقة.
واشنطن مستنفرة
ما تقدّم، دفع الأميركيين إلى اتّخاذ سلسلة إجراءات دفاعية داخل قواعدهم، عبر استقدام أنظمة دفاع جوي من طراز «أفينجر»، ومئات الكاميرات الحرارية، بالإضافة إلى مناطيد المراقبة، لتعزيز أنظمة المراقبة والدفاع. وفي حصيلة تقريبية خاصة بـ«الأخبار»، استقدمت الولايات المتحدة، منذ مطلع العام الجاري، أكثر من 1100 شاحنة عبر معبرَي «الوليد» و«السويدية» غير الشرعيين، تحمل أسلحة ومعدات مختلفة، وتشمل تبديل مناوبات العمل والحراسة بين القواعد في كل من سوريا والعراق. ويضاف إلى ذلك، وصول أكثر من 120 طائرة شحن عسكرية، حملت أسلحة وآليات وجنود، إلى قواعد «خراب الجير» و«الشدادي» و«كونيكو» و«العمر».
كذلك، ولّد هجوم قوات العشائر الواسع على مناطق سيطرة «قسد» في دير الزور، في آب الفائت، مخاوف لدى الأميركيين من تحوّل الهجمات الجوية إلى هجمات برية، ما دفعهم إلى بناء 143 برج مراقبة على امتداد ضفة نهر الفرات، والتي تفصل مناطق سيطرة «قسد» عن مناطق سيطرة الجيش السوري في ريف دير الزور، لضبط أيّ محاولات تسلّل برية في اتجاه قاعدتَي «العمر» و«كونيكو». وتؤكد مصادر ميدانية، «الولايات المتحدة عزّزت كلاً من قواعد التنف والعمر وكونيكو وخراب الجير والشدادي بأنظمة دفاع جوي، لأنها أكثر القواعد عرضة للاستهداف»، مشيرة إلى أنهم «لجأوا أخيراً إلى تنفيذ اعتداءات برية شبه يومية بواقع 29 استهدافاً خلال الشهر الماضي، للتضييق على المقاومة ومنعْها من تصعيد هجماتها ضدهم». وتلفت إلى أن «واشنطن لم تتمكّن، إلى الآن، من الوصول إلى تقنية تمنع وصول صواريخ ومسيرات المقاومة إلى قواعدها»، مؤكدة أن «غالبية هجمات المقاومة تحقّق أهدافها، وهو ما يجعل القواعد الأميركية في حالة قلق واستنفار دائمَين».
المقاومة مستمرّة
لا شكّ في أن قدرة فصائل المقاومة على الوصول إلى القواعد الأميركية في سوريا، بشكل مستمر، وبأدوات بسيطة، يُعتبر نجاحاً ميدانياً ومعنوياً بالنسبة إليها. وتؤكد مصادر ميدانية، أن «المقاومة مستمرّة إلى حين تحقيق أهدافها في دفع القوات الأميركية غير الشرعية إلى الانسحاب من سوريا والعراق»، مشيرة إلى أن «عدم وجود ضمانات حقيقية لتنفيذ خطّة الانسحاب الأميركية - العراقية المشتركة المقرّرة في نهاية عام 2026، تجعل من استهداف الأميركيين ضرورة لإجبارهم على تطبيق الخطة من دون أي مماطلة». وتلفت إلى أن «المقاومة تراعي الديبلوماسية العراقية في التعامل مع ملف وجود القوات الأميركية في المنطقة»، مستدركةً بأن «التصعيد العسكري الإضافي سيكون ممكناً في حال تنفيذ أيّ اعتداء على فصائل المقاومة أو إظهار مماطلة في تنفيذ خطة الانسحاب المقرّة أخيراً».
الأخبار
إضافة تعليق جديد