بدلات الإيجار ومدته تهرب ضريبي على المكشوف
من بين مئات العقود التي توقع يومياً في محافظة دمشق ومراكز أخرى افتتحتها المحافظة في بعض المناطق لتخفيف الضغط عن المركز الرئيسي سيكون الجامع الأكبر بين هذه العقود وهذه المراكز هو امتلاؤها بمعلومات غير حقيقية، ولاسيما فيما يتعلق بالأرقام المتعلقة ببدل الإيجار ومدة الإيجار اللذين قلّما توضع قيمتهما الحقيقيتين.
أسعار تتفاوت حسب المنطقة
وقبل أن نخوض في التفاصيل لا بد من الحديث عن أسعار الإيجار في الشقق المتوسطة والكبيرة التي تشهد منحى تصاعدياً والبداية في حي المزة (86) حيث يصل إيجار الغرفة مابين 7500 ليرة و9000 ليرة شهرياً والشقة المتوسطة بحدود غرفتين ما بين 9 -12 ألف ليرة.وهذا المؤشر ينسحب على باقي الأحياء الشعبية القريبة من دمشق كالمخيم وبرزة والقابون إذ يندر أن تجد غرفة واحدة للإيجار وإن وجدت فإن سعرها سيكون مضاعفاً وتبدأ الأرقام من 6000 ليرة وتصل إلى 9000 ليرة شهرياً للغرفة الواحدة وحتى الغرف المشتركة أصبح إيجارها 3000 ليرة سورية على الأقل وبدون أثاث طبعاً ومع الأثاث تصبح مثل هذه الإيجارات مضاعفة، ولو ابتعدنا عن المدينة مثلاً والأحياء الشعبية القريبة منها واتجهنا نحو ريف دمشق كصحنايا وجرمانا وداريا حيث تتراوح إيجارات الشقق المتوسطة ما بين 8-10 آلاف ليرة سورية شهرياً وبدون أثاث وأما داخل مدينة دمشق كفر سوسة و البرامكة فالإيجارات حدث ولا حرج ففي الشقق الصغيرة تتراوح بين 15-25 ألف ليرة شهرياً وما بين 20-25 ألف ليرة للشقق الأكبر وطبعاً بلا فرش ومع وجود الفرش يصبح السعر مضاعفاً ويصبح الإيجار باليوم أو الأسبوع أيضاً والشقق الصغيرة 3000 ليرة سورية والكبيرة 6000 ليرة يومياً.
عدم الإفصاح
وبعيداً عما يثيره قانون العقود الموحد رقم /51/ لعام 2004 من إشكالات قانونية بين مختلف الأطراف المعنية بتنفيذه، إذ تحولت هذه العقود بفضل تواطؤ أطراف العقد وبرضاهم إلى التسبب في إلحاق الخسائر الكبيرة بخزينة الدولة بسبب عدم الإفصاح الحقيقي عن مضمون الاتفاق، فيقوم البعض بالالتفاف والتضليل تهرباً من حقًّ واضح وصريح للخزينة العامة يجب الالتزام به يقابله جهل المواطن بحجم الفائدة التي ترتجى من العائدات الضريبية على عموم المجتمع.
مراكز التسجيل
وحول عدد مراكز تسجيل عقود الإيجار الموجودة في محافظة دمشق أكد محمد عقيد رئيس دائرة العقود في محافظة دمشق أن هناك تسعة مراكز موزعة كما يلي:
مركز رئيسي في مبنى المحافظة القديم ويناط به تسجيل عقود إيجار العقارات السكنية للسوريين وغير السوريين والعقارات التجارية والصناعية للسوريين وغير السوريين كذلك مركز خدمة المواطن في بناء المحافظة الجديد ويناط به تسجيل عقود إيجار العقارات الواقعة ضمن نطاق عمل دائرة خدمات ساروجة فقط وللسوريين حصراً.
وثمّة مراكز للتسجيل في دائرة خدمات (ركن الدين، المزة، برزة، جوبر، الميدان، القدم، الشام الجديدة، الحسينية) ويناط بها تسجيل عقود إيجار العقارات السكنية للسوريين فقط ضمن نطاق عمل هذه الدوائر.
آليات وعقود
وعن كيفية آلية تسجيل عقود الإيجار يؤكد عقيد أنه يتوجب حضور المؤجر والمستأجر إلى هذه المراكز مصطحبين معهم بطاقاتهم الشخصية حصراً إضافة إلى الوثيقة التي تثبت ملكية المؤجر
وأما بالنسبة للوثائق عن إثبات الملكية المطلوبة بالنسبة للعقارات الواقعة ضمن المخططات التنظيمية المرخصة يجب على المؤجر إحضار سند تمليك واخراج قيد عقاري وحكم قضائي ووكالة بيع العقار.
أما بشأن الذي يقع ضمن مناطق المخالفات الجماعية والسكن العشوائي بالإضافة إلى ما ذكر بالتنظيمات المرخصة إيصال كهرباء وماء وإيصال ريع عقارات (ترابية) إضافة إلى سند إقامة من المختار حسب النموذج المعتمد.
العقد شريعة المتعاقدين
مقولة العقد شريعة المتعاقدين تمر من تحتها القصص والروايات المتعددة، وإن سلسلها وفق القانون حين قال: بالنسبة لإجراءات تسجيل العقود فإن قانون الإيجار رقم /6/ لعام 2001 المعدل بالقانون /10/ لعام 2006 قد أخضع تأجير العقارات لإرادة المتعاقدين وحيث إن المادة /3/من قانون الإيجار قد اشترطت أن يشتمل العقد على هوية المتعاقدين وعنوانهما وتوقيعهما ومدة الإيجار وبدله وأوصاف المأجور والغاية من التأجير وجميع الشروط المتفق عليها وأن يستوفى من المؤجر عند التسجيل رسم مقداره 1% من بدل الإيجار الشهري على ألا يزيد هذا الرسم عن مدة سنة واحدة مهما كانت مدة العقد، إضافة إلى الرسوم المقررة بشرط ألا يقل عن 500 ليرة سورية لدعم إيرادات الوحدات الإدارية المحلية التي تصب في نهايته في مصلحة المواطن عن طريق الخدمات المقدمة له. وعلى ألا تكون الشروط المتفق عليها بين الفريقين مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة.
ليس له مبرر
في بيت القصيد نجد أن لغة التبرير لاتقدم شيئاً، إذ إن لجوء المؤجر والمستأجر إلى تسجيل بدل إيجار صوري في العقد وعدم التصريح عن قيمة بدل الإيجار الحقيقي يراها السيد عقيد غير مبررة على الإطلاق لأن رسم التسجيل 1% من بدل الإيجار الشهري وعن مدة سنة واحدة مهما كانت مدة العقد وهذا الرسم لا يشكل عبئاً على المؤجر وفضلاً عن ذلك فإن عدم تدوين بدل الإيجار الحقيقي يلحق ضرراً فادحاً بالمؤجر ويتجلى هذا الضرر في عدم التزام المستأجر بتسديد بدل الإيجار الحقيقي المتفق عليه ويلتزم بما هو معروف بالعقد وفي هذه الحالة لا يمكن للمؤجر المطالبة بالبدل الحقيقي ولا يحق للمؤجر وفق أحكام هذا القانون تخمين العقار كما كان معمولاً به في القوانين السابقة.
ومن جهة أخرى وفي حال حصل خلاف بين المؤجر والمستأجر فبإمكان المستأجر أن يُعلِم مديرية الاستعلام الضريبي ببدل الإيجار الحقيقي الذي قبضه المؤجر وبذلك يعتبر المؤجر متهرباً من الضريبة ويطبق بحقه قانون التهرب الضريبي.
وهنا ربما يسأل أحدنا عن ممكن المشكلة أهي في الآليات التي يتبعها الناس للتمسك بالعقد من جهة والالتفاف على ما يمثل حق الدولة فيه من جهة ثانية.
والدكتور عابد فضلية الباحث الاقتصادي من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أكدأنه من المفيد إعادة النظر بالضريبة المطلوبة على عقود الإيجار من جهة ووضع ضوابط أكثر صرامة في حال التهرب من جهة أخرى، ومقدار هذا التهرب غير معروف ولا يمكن التكهن به لأن العقود الحقيقية غير معلنة للجهات الرسمية بين المؤجر والمستأجر وقال: يمكن للجهات الرسمية أن تحصي عدد عقود الإيجار والمبالغ الحقيقية للمبالغ المتفق عليها بين المؤجر والمستأجر ومقارنته بالعقود المبرزة رسمياً خلال ذلك يمكن تقدير حجم التهرب الضريبي في هذا المجال.
مسببات
وعن المسببات التي تنتج عن هذا العقد يقول الدكتور نواف فخر من قسم المحاسبة في كلية الاقتصاد: العقد شريعة المتعاقدين وطالما كان العقد مكتمل الأركان فهو بالتالي صحيح وتضمن المبلغ بين أقل أو أكثر باعتبار أنّ الدولة لم تحدد الحد الأدنى المثبت في العقد وبالتالي يحق للمؤجر والمستأجر أن يحددان المبلغ الذي يرغبانه وبذلك يرى فخر وجوب تأمين العدالة بمعنى أن يكون هناك توازن في حق الدولة في أن تحصل على المبالغ من هذه العقود وأن يكون هناك تخفيض على المواطنين وختم فخر بوجوب وجود توازن يحفظ من خلاله حق الوطن أولا ومن ثم حق المواطن ثانياً.
أثر سلبي
وعما تتركه هذه العقود الصورية من أثر سلبي على العلاقة بين المتعاقدين أنفسهم كونهم متفقين وتخصهم وحدهم بينما هناك على المحور الآخر الرسوم التي تدفع للدولة على أساس القيمة المسجلة بالعقد.
أكد الدكتور تيسير المصري من قسم المحاسبة بكلية الاقتصاد أنه هو نوع من التهرب من الضرائب ولو بحثنا بالإضافة للرسوم يشعر المواطن أنها عالية رغم أن العقود مكتملة الشروط.
عقود وهمية
وعن أسباب لجوء المواطن إلى عقود صورية ووهمية غير صحيحة أضاف المصري: يشعر المواطن بعدم وجود عدالة ضريبية وإمكانياته المحدودة كأن يكون لديه محل يعتاش منه وبالتالي يطلب منه دفع مبلغ كبير من الإيرادات من الرسوم فيما يشاهد تجار كثر لايقع عليهم العبء كما يقع ويتحمله المواطن أكثر مايتحمله أولئك التجار فيلجأ إلى العقود الصورية وبالتالي هذه العقود هي جزء من مشكلة كبيرة فكيف لنا أن نتأكد من المبلغ الذي صرح عنه المواطن هو فعلاً المبلغ الحقيقي، لذلك نرى أن الآليات التي تضعها الدولة تعتمد على تقديرات أشخاص وموظفين وهي تقديرات تعود إلى مزاجيتهم وبالتالي يلعب العامل الشخصي للموظف مهما كان نزيهاً ليشفق على المواطن بشكل أو بآخر أو يقال «محلولة بشوفة خاطر للجنة الكشف» وهذا كله ينعكس سلباً على الخزينة.
آليات ناضجة
وعن الحلول الناجعة قال المصري على الدولة أن تتبع آليات ناضجة وواعية لتوثيق العمليات المالية بنظام قوانين مستندي لايفسح المجال لعقود صورية وأن تعمل الدولة على تضمين المسائل المطروحة وتقديم وجهات نظر جميع الأطراف المتعاقدة ووجهة نظر في العدالة الضريبية وبعد تجميع جملة هذه القضايا لابد من تفكير منهجي عقلاني واع بمؤسساتنا ووضع قوانين ناضجة فتصبح الثغرات لاختراق القوانين صغيرة عملياً وبالتالي ثغرات محددة.
الواردات الضريبية
والسؤال هنا: متى نصل إلى الدرجة المطلوبة من الوعي لفائدة الضرائب ومعانيها بالرغم من أن الضريبة ضرورة وطنية يجب الأخذ بها بعين الاعتبار لما تشكله من نسبة في الاقتصاد السوري والبالغة40% من حجم الاقتصاد السوري وبالتالي تخسر الخزينة من عدم تنظيمه الكثير من المليارات.
هذا الكلام أيده معاون وزير المالية محمد خضر السيد أحمد في تصريح سابق حيث أكد أن التهرب الضريبي ظاهرة موجودة في كل دول العالم ولسنا بمعزل عن هذه الظاهرة وتختلف من دولة إلى أخرى، وعزا السيد أحمد ذلك إلى طبيعة النظام الضريبي المطبق ومدى قدرة الإدارة الضريبية على تطبيق إجراءات تنفيذية بسيطة وشفافة، والعامل الآخر هو ثقافة المجتمع نحو مفهوم الضريبة.
ويتابع السيد أحمد: المواطن في الدول المتقدمة يحمل ثقافة بأن الضريبة أولاً هي واجب فرضه القانون وبالتالي لا بد من احترام سيادة القانون وهنا تكون درجة الالتزام عالية جداً، وفي المجتمعات الأقل ثقافة ينخفض منسوب الالتزام وينظر إلى التهرب في بعض المجتمعات على أنه نوع من الشطارة، لذلك عملت وزارة المالية مؤخراً إلى اتباع أسلوب تحسين التشريعات الضريبية بما يؤدي إلى التخفيف من التهرب الضريبي ولمسنا نتائج طيبة نتيجة هذه الإجراءات.
إعادة جسور الثقة
أخيراً نقول: حتى لا يضاف مدماك آخر إلى جدار الفساد نتيجة ممارسة غير مسؤولة ومرفوضة اجتماعياً فلا بد من إعادة جسور الثقة بين المالية والمواطن حتى يتم الإفصاح طواعية دون الدخول بالمتاهات عند حدوث النزاعات، وبقي أن نقول إن الحل الحقيقي لهذه المشكلة هو حل أخلاقي أولا وآخراً.
محمد عكروش
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد