حريق يلتهم محكمة في القاهرة: لهيب سياسي يطاول «الإخوان»

05-04-2013

حريق يلتهم محكمة في القاهرة: لهيب سياسي يطاول «الإخوان»

ثماني ساعات كاملة استغرقتها قوات الإطفاء حتى تتمكن من إخماد الحريق الهائل الذي شب في مقر محكمة جنوب القاهرة في حي باب الخلق العتيق، لكن يبدو أن آثار اللهيب السياسي للحريق ستستغرق أياما قبل أن تهدأ.
الشرارة انطلقت من كون أن الحريق أتي على ملفات لقضايا غاية في الأهمية، أبرزها أوراق القضية المعروفة باسم «موقعة الجمل» التي قتل فيها نحو 11 متظاهرا في ذروة تظاهرات «ثورة 25 يناير». وطاولت الاتهامات قيادات «إخوانية»، أبرزها محمد البلتاجي ووزير الشباب أسامة ياسين، بالتورط فيها، خاصة بعد اعتراف الوزير بأنه كان مسؤولا عن إدارة فرقة إخوانية لتأمين الميدان حينها. عناصر الاطفاء يحاولون اخماد الحريق في المحكمة وسط القاهرة امس (رويترز)
الأوراق التي التهمتها النيران شملت أيضا قضايا اشتباكات المقطم الأخيرة التي دارت في محيط مكتب إرشاد «الإخوان»، وصدر أمر بضبط وإحضار خمسة من المعارضين على أساسها، بالإضافة إلى قضايا اتهام «الألتراس» بحريق اتحاد الكرة ونادي الشرطة، والتحقيق في قضية ابن عم العقيد الليبي الراحل أحمد قذاف الدم المتهم بمقاومة قوات الأمن وحيازة أسلحة وذخيرة. وكذلك قضية الناشط السياسي حمادة المصري الذي صدر قرار بإحالته على محكمة الجنايات لاتهامه بحيازة أسلحة، رغم أنه من أبرز قيادات ميدان التحرير وقت الثورة.
وفي الوقت الذي غابت فيه أي بيانات رسمية للكشف عن ملفات القضايا المحترقة، قال المحامي خالد فؤاد، أحد الشهود العيان، ان الحريق أسفر عن احراق نيابة وسط القاهرة التي تحوي قضايا قتل المتظاهرين والأموال العامة وتعذيب المعتقلين وقتلهم.
تركيبة القضايا المعقدة التي التهمتها النيران دفعت العديد من الجهات إلى الحديث عن إمكان وجود شبهة جنائية في الحادث. وقال رئيس المحكمة المستشار هاني عباس ان «الإهمال الأمني وراء تسلل شخص لإحراق المحكمة»، مضيفا ان هناك كمية كبيرة من الأدلة والإحراز الخاصة بالقضايا أتلفت، من بينها القضايا المتعلقة بقتل المتظاهرين وموقعة الجمل ومجمل أحداث التحرير، قبل أن يؤكد أن كل السيناريوهات متوقعة. ويعد حديث رئيس المحكمة سابقة نادرة، وإشارة واضحة الى أن الحادث مدبر، خاصة أن كل الشهود العيان قالوا ان النار اشتعلت فجأة في الطابق الثالث من مبنى المحكمة الأثري، الذي يعود تاريخه إنشائه إلى ما يزيد على 100 عام.
المحامي ثروت الخرباوي، أحد أبرز المستقلين من جماعة «الإخوان» وأكثر من انتقدها، حول الشكوك عن الجهة التي يمكن أن تشارك في حريق المحكمة إلى اتهامات مباشرة لـ«الإخوان». وقال، لوكالة «أونا»، ان محاولة إحراق محكمة جنوب القاهرة في باب الخلق هي الثانية من نوعها، مشيرًا إلى محاولة جماعة الإخوان المسلمين إحراقها في العام 1948 لإعدام أدلة القضية المعروفة إعلاميًا آنذاك بقضية «السيارة الجيب»، عن طريق إلقاء قنبلة على المحكمة، والتي أسفرت عن وقوع إصابات. وانتهت قضية «السيارة الجيب» التي تم ضبطها أمام أحد المنازل في القاهرة وبداخلها أسلحة ووثائق مرتبطة بالتنظيم الخاص - العسكري - «الإخواني» بإصدار أحكام بالسجن على عدد من قيادات الجماعة، منهم مصطفى مشهور وعبد الرحمن السندي، قبل أن يصدر استنادا لنفس القضية قرار بحل الجماعة.
«الإخوان» من جهتها التزمت الصمت على حريق المحكمة مع خطورته، رغم أنها ملأت الدنيا صخبا قبل يومين بعد واقعة تسمم غذائي لطلاب جامعة الأزهر، والموقف ذاته انسحب على كل مؤسسات الدولة باستثناء بيان من النيابة العامة، أعلن أنها تمتلك نسخا رقمية من كل أوراق القضايا التي احترقت. وإن كان لافتا أن البيان لم يحدد هذه القضايا، فكيف تأكد من وجود نسخ رقمية منها إذاً؟
وإذا كان البعض استبعد تورط «الإخوان» في الحريق، مشيرا إلى وجود ملفات لقضايا أخرى مهمة يتورط فيها أشخاص آخرون، فإن ضابط الشرطة السابق خبير العلوم الجنائية ومسرح الجريمة اللواء رفعت عبد الحميد ذهب خلال تحليله للحريق للقول لـ«السفير» ان الحريق به شكوك جنائية بنسبة 75 في المئة، وذلك يعود لأنه بدأ في الساعة السابعة وخمس وخمسين دقيقة صباحا، ما يعني عدم صحة الادعاء بوقوعه نتيجة ماس كهربائي نظرا إلى عدم تشغيل أجهزة التكييف داخله، مضيفا «ما يساعد على وجود شبهة جنائية هو أن المبنى كان شبه خال من المواطنين والموظفين في هذا الوقت».
وعن الجهة المستفيدة من الحريق، قال عبد الحميد ان طبيعة القضايا المنظورة في المحكمة والتي احترقت أوراقها، تكشف عن المستفيد، متسائلا «لماذا لم يقترب أحد من محكمة الأسرة والأحوال الشخصية أو المحاكم الإدارية ومجلس الدولة، ولم تشتعل النار إلا في محكمة تضم أوراقا لقضايا جنائية لها بعد سياسي». واضاف «لا بد من أن نضع في الاعتبار حريقا سابقا لمحكمة الإسكندرية والاعتداء على قضاة ووكلاء نيابة ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا. من يحاصر المحاكم يسهل عليه إحراق محكمة».
ولمبنى محكمة باب الخلق تاريخ قضائي وسياسي حافل، إذ تمت محاكمة الرئيس الراحل أنور السادات في قضية اغتيال وزير المال الأسبق أمين عثمان في العام 1944، بين جنباتها. والمفارقة أن عبود الزمر وخالد الإسلامبولي، المشاركين في عملية اغتيال السادات في العام 1981، تمت محاكمتهما داخل نفس المبنى في القضية التي عرفت باسم قضية «الجهاد الكبرى». كما شهدت المحكمة قضايا أخرى لا تقل أهمية مثل الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام، والفساد في وزارة الزراعة، وأكياس الدم الفاسدة.
وكاد المبنى التاريخي للمحكمة، الذي بني في العام 1884، يدخل قائمة المباني الأثرية التي تحول دون هدمه أو استمرار العمل القضائي بداخله، لولا أن القرار تاه وسط الاضطرابات التي أعقبت «ثورة 25 يناير».

محمد هشام عبيه

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...