حسني مبارك والاخوان وأمريكا والإصلاحات الدستورية

22-08-2007

حسني مبارك والاخوان وأمريكا والإصلاحات الدستورية

الجمل:     نشر الموقع الالكتروني لشبكة الأمن الدولي، ضمن صفحة الرصد الأمني يوم 21 آب 2007م تحليلاً استخبارياً، أعده المحلل دومينيك موساري، حمل عنوان (لعبة حسني مبارك الخطرة).
يقول التحليل:
اعتقلت قوات الأمن المصرية على الأقل 34 شخصاً من جماعة الاخوان المسلمين المحظورة، في الأيام الأخيرة، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه حكومة الرئيس حسني مبارك، بمواصلة سياستها المتعلقة بعزل الجماعة المعارضة الأكبر للنظام في مصر.
وينتقد التقرير استراتيجية حسني مبارك، على أساس اعتبارات أنها، تعطي عكس النتائج المطلوبة، وذلك لأنها تؤدي إلى إرساء الأسس والدعائم التي تدفع باتجاه التطرف الأكثر خطورة للإسلام السياسي.
يقول المحلل، لقد كسب الاخوان المسلمين في عام 2005م 88 مقعداً في مجلس الشعب المصري المكون من 454 عضواً. ويضيف المحلل دومينيك موران قائلاً بأن الجماعة هي الأقدم والأكثر نفوذاً من حركات الاخوان المنتشرة في سائر أنحاء العالم العربي، وقد قوبل صعودها السياسي باهتمام كبير على السواء، في الداخل، وفي العواصم الغربية الحليفة لمصر.
تم اعتقال 800 من أعضاء حركة الاخوان في الأشهر القليلة الماضية، وكان من بينهم كبار ممولي التنظيم والأعضاء القياديين، ضمن عملية سعي الحكومة لجعل الحركة في حالة عجز عن المواجهة، وفاقدة للتوازن. وقد تم إطلاق سراح معظمهم، بعد فترة الحجز والاعتقال.
لقد كان نمو وصعود الاخوان متزامناً ومترافقاً مع انهيار المعارضة الليبرالية، وانقسام حزب الوفد وحزب الغد، وانتشار الحركات الحزبية الجديدة، التي لم تنجح في تكوين وتشكيل البدائل الصحيحة الناجحة لحكم الحزب الوطني الديمقراطي.
الصعود المتزايد القوي، للاخوان –في مصر- على ما يبدو ويظهر، قد كان من أجل تخفيف ضغط الولايات المتحدة على حكومة حسني مبارك، لكي تمضي قدماً في عملية الإصلاح المدني والديمقراطي، التي أصابها الركود منذ انتخابات عام 2005م.
المدى الذي دفعت إليه الولايات المتحدة عملية التحول الديمقراطي في مصر، تم الحد منه وتقليصه، وتأكد ذلك بفشل إدارة بوش المتكرر في إجبار السلطات المصرية على إطلاق سراح أيمن نور زعيم حركة الغد، وبالانعكاس والارتداد الذي حدث في خطط الحد من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، والتي وقفت عام 2006 في حدود 1’3 مليار دولار.
تحرك الكونغرس للحد من تقديم 200 مليون دولار لمصر في حزيران، وذلك بسبب عمليات تهريب السلاح، مسائل الحقوق المدنية والإنسانية. غير أن إدارة بوش نجحت  في دفع مجلس النواب الأمريكي مطلع هذا الشهرـ لكي يوافق ويعلن بأن مصر سوف تتلقى 13 مليار دولار على مدى السنوات العشر القادمة بأولوية لمتطلبات احتياجاتها العسكرية العادية.
لقد نجح حسني مبارك في اللعب على مخاوف الولايات المتحدة، عن طريق إظهار رغبته وتقصده الاقتراب من روسيا على النحو الذي يجعل من مصر ويظهرها كموضوع ومجال للحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، وقد أفادت المعلومات بأن روسيا عرضت لمصر طائرات ميغ 29 المتطورة وتوقيع العقود المتعلقة بالأنشطة النووية.
شكلت حركة الاخوان قوة سياسية كبيرة من خلال سيطرتها ونفوذها على جمعيات اتحادات الطلاب، وأساتذة الجامعات المصرية، وبدأت كما لو أنها على وشك القيام بإطلاق برنامج سياسي جديد، من النوع الذي يسعى ويهدف إلى وضع أسس ودعائم تشكيل وصياغة حزباً مدنياً جديداً.
تحرك الاخوان كان استجابة للإصلاحات الدستورية المثيرة للجدل، التي تم تمريرها في آذار الماضي، والتي أكدت على حظر ومنع قيام الأحزاب الدينية، وأبطلت عملية الإشراف القضائي على الانتخابات، على النحو الذي عزز ودعم البيروقراطيات الرئاسية.
لقد سمح التعديل للرئيس حسني مبارك أن يقوم بتحديد نوع وشكل المحكمة التي ستقوم بالنظر في القضايا الجنائية، وهي السلطة التي سبق أن استخدمها لكي يقوم بإرسال وتحويل القضايا المتعلقة بالاخوان المسلمين الى المحاكم العسكرية.
قالت صحيفة الأهرام المصرية بأن ميثاق جماعة الاخوان المسلمين يهدف ويسعى إلى إكمال عملية فصل السلطات، وتداول السلطة، واحترام حكم القانون، وذلك على النحو الذي يضفي ويعطي انطباعاً بأن الجماعة تسعى وتهدف من أجل الاعتبارات الإصلاحية العلمانية.
ونادى ميثاق الجماعة أيضاً بإخضاع الأنشطة الاقتصادية لقوانين الشريعة، وفي الوقت نفسه عبر الميثاق عن دعمه وتأييده لاقتصاد السوق وإجراء عمليات الخصخصة.
أشار المحلل دومينيك موران إلى المزيد من المظاهر والجوانب الأخرى المتعلقة من جهة بأداء حركة الاخوان المسلمين المصرية المعاصرة، ومن الجهة الأخرى، أسلوب وطريقة تعامل نظام حسني مبارك مع هذه الجماعة.
وعموماً، برغم الطريقة غير المنظمة التي تناول بها المحلل دومينيك موران أسلوب حسني مبارك في التعامل مع جماعة الاخوان المسلمين، وما ترتب على هذه الطريقة في التحليل من إفقاد، ما سماه بـ(لعبة حسني مبارك)، لا لعمقها، وخصائصها وحسب، بل ولنظامية التعامل العلمي والمنهجي مع هذه العملية باعتبارها ظاهرة سياسية، مثلها مثل الكثير من الظواهر الأخرى الموجودة في توجهات السياسة المصرية الحالية، مثل التطبيع مع إسرائيل، وإدماج السياسة الخارجية المصرية ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، وظاهرة (المعتدلين العرب) وغير ذلك.
ويمكن أن نتناول أسلوب تعامل نظام حسني مبارك مع جماعة الاخوان المسلمين، وباختصار، على النحو الآتي:
• معطيات خبرة التعامل مع حركة الاخوان المسلمين:
تعدد منهجية نظام حسني مبارك إلى منهجية محور السادات- جعفر نميري، وهي منهجية كانت تقوم على (المناورة الداخلية) من أجل دعم وإسناد (المناورة الخارجية).
واستطاع محور السادات- نميري أن ينجح في القيام بالخطوات الآتية في مطلع سبعينيات القرن الماضي:
- شن المزيد من حملات العنف السياسي المادي والرمزي ضد القوى التقدمية واليسارية، وعلى وجه الخصوص الناصريين والبعثيين والشيوعيين.
- إفساح المجال أمام الإسلاميين، وبالذات جماعة الاخوان المسلمين، واستخدامهم في ملء الفراغ المذهبي والعقائدي، وذلك من اجل محاربة الفكر التقدمي واليساري.
أدت هذه (المناورة الداخلية) إلى تحريك (المناورة الخارجية)، وقد التقطت الولايات المتحدة آنذاك (الإشارة الخاطئة) واندفعت الإدارة الأمريكية في دعم محور السادات- نميري، معتبرة أنها قد حققت نصراً جديداً في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي.
وبالفعل تم توظيف (نظام السادات) ضد التطلعات العروبية، وتم توظيف (نظام نميري) ضد نظام منفستو هايلي ميريام الماركسي المعادي لإسرائيل، وضد حركات التحرير الاريتيرية ذات التوجه العروبي، ودعم جماعة أسياس افورقي لكي تسيطر على ارتيريا في فترة ما بعد الاستقلال، كذلك تم توظيف (نظام نميري) في إسقاط النظام التشادي الموالي والمؤيد للعرب، واستبداله بنظام حسين هيري المؤيد لفرنسا، وترتب على ذلك اشتعال الحرب الليبية- التشادية، واندلاع الحرب الأهلية في تشاد.
تغلغلت عناصر الاخوان المسلمين داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية، وقدم الاخوان أفضل الخدمات للسادات وجعفر النميري من جهة، وكانوا من الجهة الأخرى يركزون على إنعاش وإجبار حركتهم التي ظلت في حالة (احتضار) في العالم العربي منذ مطلع ستينيات القرن الماضي.
شاركت أمريكا بدور كبير في دعم حركة الاخوان المسلمين، وقد استطاعت جماعات الاخوان المسلمين المصرية، والسودانية، بالتعاون مع التنظيم الدولي للاخوان المسلمين (الذي كانت تنفق عليه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكانت العاصمة السويسرية تستضيف مركزه الرئيسي الذي كان يشرف عليه أحد زعماء جماعة الاخوان المسلمين المصرية) وإعادة إصدار دوريات الجماعة، والتي كان من أبرزها مجلة الدعوة.. وغيرها.
واستطاعت عناصر الاخوان المسلمين التسلل في فترة منتصف السبعينيات إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق المنح الجامعية للدراسات العليا، التي كانت وكالة المعونة الأمريكية تقوم بتقديمها ضمن برامج المساعدات الأمريكية لنظام السادات ونظام النميري، وقد استطاعت عناصر الاخوان المتغلغلة ضمن النظامين تسريب عناصرها لأمريكا، والتي تم تجميعها لاحقاً تحت إشراف التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، وقاموا بإنشاء ما يعرف بـ(المعهد العالمي للفكر الإسلامي) والذي أصبح يعمل كمؤسسة أكاديمية أمريكية إسلامية.
نظام حسني مبارك، لم يقم بابتكار (اللعبة الخطرة) بل ورثها عن نظام السادات، ونظام نميري، ونقول نظام السادات- نظام نميري، بسبب عملية التكامل شبه الاندماجي بين أجهزة مخابرات النظامين، وتبني النظامين لمذهبية أمنية- سياسية تقوم على استخدام الاخوان المسلمين، تحقيقاً للآتي:
- تخويف أمريكا من أن البديل للسادات أو النميري هو الاخوان المسلمين على النحو الذي يجعل الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي يقومان بتقديم المزيد من الدعم المالي والسياسي لهذين النظامين.
- الاستفادة من الدعم الأمريكي في ممارسة النفوذ على بقية دول المنطقة.
- إشعار الرأي العام الأمريكي والغربي، بأن عدم دعم نظامي السادات ونميري، سوف يترتب عليه خيارين أحلاهما مر:
أ‌- سيطرة الاخوان المسلمين على السلطة.
ب‌-  عودة النفوذ السوفييتي للمنطقة.
أبرز النتائج التي أدت إليها (اللعبة الخطرة) التي دعمتها الأموال والأسلحة والسياسات الأمريكية تتمثل في الآتي:
- تغلغل الإسلاميين في أجهزة السلطة في السودان ونجاحهم في تنفيذ انقلاب في حزيران 1989م، على النحو الذي جعل الإدارة الأمريكية الحالية تدفع ثمن خطأ الإدارات الأمريكية السابقة.
- سيطرة الإسلاميين على الشارع المصري، على النحو الذي ساعد حسني مبارك في البقاء في السلطة عن طريق استخدام فزاعة خطر الاخوان المسلمين والإسلام السياسي من أجل حلب وابتزاز الإدارة الأمريكية.
وبرغم نجاح حسني مبارك في استدامة (اللعبة الخطرة) التي ورثها عن السادات، فإن الثمن الذي سيدفعه حسني مبارك، سيكون صعباً، وذلك لأن جماعة الاخوان المصرية، قد تحولت ليس إلى مجرد حزب سياسي، وإنما إلى (تيار اجتماعي) في الشارع المصري، وعلى ما يبدو فإن هذا التيار، لن يشكل تهديداً حقيقياً ضد إسرائيل أو أمريكا، وإنما ضد شعوب المنطقة، بسبب الصراعات الداخلية التي سوف تشعلها عملية وصول الاخوان المسلمين إلى السلطة.. فقياساً عل قاعدة (الشبيه بالشبيه يدرك)، فإن وصول حركة الاخوان المسلمين إلى السلطة في السودان من جراء سياسة (اللعبة الخطرة) لم يهدد أمريكا أو إسرائيل، وإنما أشعل الحروب الأهلية التي أصبحت تهدد السودان والشعب السوداني بالدرجة الأولى، والشيء نفسه يجب أن نتوقع حدوثه في مصر إذا وصل الاخوان المسلمين إلى السلطة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...