صناعة الساعات الدمشقية قبل ألف عام
عرف العرب قيمة الوقت وأهميته في حياة الإنسان فوضعوا ضوابط تقيسه وتحدده, واستخدموا الظواهر الفلكية والمناخية للدلالة على أجزاء العام والشهر والليل والنهار, فجاءت تسمية الأشهر القمرية دلالة على الفصول ومنها ربيع وجماد, كما قسموا النهار والليل إلى 16 ساعة تبدأ بالفجر الكاذب ( السر ) وتنتهي بالغلس ( آخر العتمة ), وكانت كلمة الساعة تطلق على أصغر جزء من الوقت, وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم: قال تعالى: (إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
ومع الحاجة إلى معرفة الوقت بدقة وضعوا عدة ضوابط تحدد الوقت, وكان أولها (المزولة) المأخوذة من زوال ظل الشمس عن منتصف السماء, وهي عبارة عن عصا توضع أمام ستة خطوط, ويقدر الوقت بوصول ظل العصا أو الحجر إلى خط, وكانت هذه الساعة حتى فترة قريبة في جامع الحنابلة الذين قدموا من القدس إلى الصالحية.
وكان لا بد من إيجاد مقياس آخر لمرور الوقت نظرا لارتباط المزولة بحركة الشمس, فظهرت الساعة الرملية التي يقاس فيها المزن بمرور كمية من الرمل من عنق قارورة, ثم الساعة المائية التي تحتوي على صندوق فيه كمية من الماء وكرات, وعندما يمر وقت ينزاح قسم من الماء وتسقط كرة ليدوي صوتها, ويعتقد الباحثون السوريون أن الساعة التي أهداها هارون الرشيد إلى شارلمان كانت من هذا النوع.
وتطورت الساعة بعد ذلك إلى صناعة ميكانيكية, وأقدم كتاب في المكتبة العربية عن صناعة الساعات كتاب (علم الساعات والعمل بها) تأليف رضوان بن محمد الساعاتي الدمشقي, وقد أتمه المؤلف في عام 600 هجرية وحققه العلامة محمد أحمد دهمان وصدر في عام ,1981 وكان قد تجاوز الثمانين من العمر.
ومن الإنصاف أن نذكر أن لهذا العلامة الفضل في متابعة هذا الكتاب في عدة مكتبات عربية وأجنبية, وعمله الأهم البحث في المصادر العربية عن الكتب والمؤلفين الذين أشاروا إلى الساعات وعملها, فكان نصف الكتاب تحقيقا لكتاب رضوان الساعاتي, ونصفه الآخر بحثا تأليفيا في هذه الصناعة, وقد كتبها تحت عنوان ( مجموع في الميكانيك الإسلامي ), ويصل ببحثه إلى مقالة لأرخميدس ويثبتها ويعتبره أول من عمل على صنع آلة لتحديد الوقت.
ويشير دهمان إلى نص منقول عن القاضي ابن زبر المتوفى في عام 312 هجرية يفيد أنه كان على باب دمشق القبلي بنكام ساعات, كما يشير إلى ما أورده الرحالة المقدسي في كتاب احسن التقاسيم الذي زار المكان في عام 376 هجرية, ويورد وصف ابن جبير لساعة كانت فوق باب جيرون شرقي الجامع الأموي, وكذلك وصف ابن بطوطة لساعات الأموي في عام 726 هجرية, كما يورد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن الباب القبلي كان يدعى باب الساعات ومنه قوله إنما سمي الباب القبلي باب الساعات لأنه عمل هناك ساعات يعلم بها كل ساعة تمضي من نهار فإذا تمت الساعة خرجت حية فصاحت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة في الطست.
وبالعودة إلى كتاب علم الساعات نستنتج أن علماء دمشق نقلوا صناعة الساعات من البدائية إلى الصناعة الميكانيكية, ومنه نعرف أيضا أنهم قسموا اليوم إلى 24 ساعة, ويرسم الكتاب أقسام الآلة التي بلغت أكثر من مئة وعشرة, مؤلفة من 12 بابا.
أما عن أسماء الأقسام التي تتألف منها وطريقة عملها فشرحها يطول, وباختصار كلما مضت ساعة يستدير باب فيعلم كم مضى من ساعات النهار ويتكرر مثل ذلك في الليل حتى تمضي 24 ساعة, ونشير أخيرا إلى وجود قبة في صحن الأموي تسمى قبة الساعات ولا تزال قائمة حتى يومنا هذا لكن دون وجود ساعات, وهناك رسم ساعة ظل على جدار الباب الشمالي.
وقد تقدمت صناعة الساعات الدمشقية, وأصبحت في فترة لاحقة شبيهة بالإسطرلاب وتعلق على الحائط, ثم ظهرت الساعة ذات العقارب, وأخيرا أخذنا عن العالم الساعات الرقمية.
محمد قاسم الخليل
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد