عن «جهاد».. صُنع في ألمانيا! من «الحاج غليوم» إلى بروباغندا الحرب العالمية الأولى
شيخ معمّم يقف في مسجد بالعاصمة الألمانية برلين ليحث المصلين على الجهاد ضد «الكفار من أعداء الأمة». مشهد قد يستدعي عند البعض الحديث عن العلاقة بين المسلمين والغرب والتعددية والاندماج. غير أن الحادثة التي تذكرها الوثائق الألمانية لا تنتمي إلى جدل القرن الحادي والعشرين، بل يرجع تاريخها إلى ما يقرب من مئة عام، وهي مرتبطة بالجهاد الذي دعمته ألمانيا في الحرب العالمية الأولى في مسعى لإنزال الخسائر بأعدائها.
ولا تضمّ مقتنيات معرض الحرب العالمية الأولى في متحف التاريخ ببرلين الكثير من المعروضات التي تتعلق بالصراع في الشرق الأوسط في زمن الحرب الكونية الاولى، إذ ان معظمها مرتبط بالمواجهات في أوروبا.
ومع ذلك تبرز صورة للقيصر فيلهلم الثاني الذي حكم ألمانيا زمن الحرب العالمية الأولى، وحقق بعض الشعبية في الأوساط الإسلامية نتيجة للتقارب بين ألمانيا والدولة العثمانية.
ويقول الدكتور عبد الرؤوف سنو، استاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية، إن التقارب الذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر يرجع إلى أن «ألمانيا والتي كانت بلا ماضٍ استعماري يُذكَر في البلدان الاسلامية، رأت في التقارب مع الدولة العثمانية سلاحاً فعالاً في الصراع على المستعمرات مع الدول الاستعمارية الأخرى».
وحقق التقارب الألماني العثماني الكثير من الزخم مع زيارة القيصر فيلهلم الثاني لمنطقة الشرق الاوسط في العام 1898، ووقوفه عند قبر صلاح الدين في دمشق وثنائه على الملك الأيوبي، لتتشكل أسطورة «الحاج غليوم» والتي مفادها أن القيصر الالماني اعتنق الإسلام، وأنه بصدد قيادة جيوشه لطرد المستعمرين الأوروبيين من البلدان الإسلامية.
وبعد اشتعال نيران الحرب الكبرى وانقسام أوروبا إلى معسكرَين متحاربَين جاء الدور على الدولة العثمانية لتقرر موقفها من الصراع الدولي.
وكانت مدينة اسطنبول في شهر تشرين الثاني العام 1914 مسرحاً لإضفاء البعد الديني على الصراع في الحرب العالمية الأولى، فبعد إصداره فتاوى تحث المسلمين على الجهاد ضد معسكر الوفاق، وقف شيخ الإسلام مصطفى خيري أفندي ليقلد السلطان العثماني محمد الخامس «سيف النبي»، ويعلن الجهاد ضد مَن وصفهم بالكفار من أعداء الإسلام في اشارة إلى بريطانيا وفرنسا وروسيا.
لم يكن إعلان الجهاد أو الحرب المقدسة في الصراعات المسلحة جديداً، لكن المثير في أمر جهاد الحرب العالمية الأولى أن القائمين على الحكم في اسطنبول كانوا أبعد ما يكونون عن مزج الدين بالسياسة، إذ لم يكن للسلطان محمد الخامس أي تأثير يُذكَر في صناعة القرار في البلاد. أما حركة «الاتحاد والترقي» التي تهيمن على الحكم في الدولة العثمانية طيلة فترة الحرب العالمية الأولى فكانت أقرب إلى العلمانية والأفكار الليبرالية.
واستعانت ألمانيا في الحملة لنشر دعاوى الجهاد بالعديد من المستشرقين وعلماء الآثار البارزين ومن أبرزهم ماكس فان اوبنهايم الذي اعتبره العديد من المراقبين «عراب» حملة الجهاد في الحرب العالمية الأولى.
وأسست برلين «وكالة أنباء الشرق» للإشراف على نشر حملة الدعاية الجهادية لحث المسلمين على الجهاد عبر إصدار الصحف وطباعة المنشورات الدعائية.
وضمت الوكالة عدداً من المستشرقين بجانب مفكرين ومثقفين من العالم الإسلامي من أصحاب التوجهات المختلفة مثل الكاتب اللبناني شكيب أرسلان والشيخ عبد العزيز جاويش أحد زعماء الحزب الوطني في مصر.
وسعت حملة الدعاية الجهادية إلى كيل المديح إلى ألمانيا بوصفها صديقة وحليفة للمسلمين.
في موازاة ذلك، عمل الالمان على بث الدعاية الجهادية في صفوف المسلمين في الدول التي تستعمرها دول الوفاق، حتى وصل الأمر إلى اتهام القوى الغربية بـ»محاولة هدم الكعبة».
لكنّ معظم المؤرخين يصفون حملة الجهاد بالفاشلة التي لم تحقق النتائج المرجوة، حيث لم تشهد البلدان التي تستعمرها قوى الوفاق ثورات تطيح بحكم تلك القوى الغربية.
ويرى الدكتور عبد الرؤوف سنو أن من أسباب فشل حملة الجهاد هو أن العديد من سكان البلدان الإسلامية كانوا يسعَون للتخلص من الحكم الاستعماري لكنهم «لم يريدوا أن يحل محله الحكم العثماني».
وبغض النظر عن أسباب عدم نجاح الحملة فإن هزيمة الدولة العثمانية مهّدت الطريق لسيطرة بريطانيا وفرنسا على الشرق الأوسط وإعادة رسم خريطة المنطقة وهي الخريطة التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
(عن «بي بي سي»)
إضافة تعليق جديد