فتاوى التحريض ضد الأوربيات
الإسلام فى عصرنا الحاضر ونحن فى القرن 21 أصبح يتعرض لخطر كبير وخاصة فى أوروبا وأمريكا. والعجيب حقًا أن هذا الخطر لا يعود إلى أعداء الإسلام فى العالم وما أكثرهم، أو إلى أصحاب الديانات الأخرى، ولكنه يأتى من بعض الدعاة الإسلاميين، ورجال الفتوى فى العالم الغربى. فالإساءة هنا تأتى من أنفسنا وليس من الخارج!! ومن الجهل بالدين أولاً، ثم من الجهل بأدب الهجرة، وأدب الضيافة، ولباقة الخطاب ثانيًا.
إن عدد المسلمين المهاجرين فى أوروبا 30 مليون مسلم. وفى أمريكا سبعة ملايين، ويشكل المسلمون فى أستراليا نصف مليون مهاجر من جنسيات مختلفة منهم الأسيوى والعربى، ولديهم مفت رسمى موفد من الأزهر اسمه الشيخ تاج الدين الهلالى، وهو مصرى. وخلال الفترة الأخيرة دأب بعض رجال الفتوى المسلمين على إصدار تصريحات وفتاوى متطرفة يهاجمون فيها المجتمع الأوروبى ونظام الحياة فى البلاد التى يعيشون فيها، بل يهاجمون الشعوب الأوروبية وحاضرها وأديانها، وهو أمر بعيد عن رسالتهم التى أوفدوا من أجلها.
ونبدأ بما حدث فى أستراليا وفتاوى الشيخ الهلالى التى يهاجم فيها الشعب الاسترالى، ويقول: إن أصلهم من المجرمين السابقين الذين أبعدتهم بريطانيا فى المراكب مكبلين بالحديد فى القرن 18م، ويقارنهم بالمهاجرين المسلمين الذين دخلوا البلاد بالطريق الرسمى، ودفعوا تذاكر سفرهم.
وأخذ الهلالى يهاجم نساء أستراليا واتهمهن بالعرى والإباحية، وقال: إنهن يشبهن اللحم المكشوف الذى يغرى القطط المتوحشة لأكله، وطالبهن بلبس الحجاب الإسلامى. وقد كان لهذه التصريحات الغريبة الطائشة صدى عميق بين الجهات الرسمية والشعبية خاصة النساء الأستراليات.. وبلغ الأمر أن رد عليه رئيس الوزراء الاسترالى جون هوارد قائلا: إننى أفخر بأجدادى الاستراليين الأولين مهما كان الماضى.. فقد كان لهم شرف بناء دولة عظيمة هى أستراليا الحديثة، وبفضلهم جاء إلينا المسلمون من كل جنسية ليجدوا الرزق والعمل، والتخلص من البطالة. وقد قررت الحكومة طرد الشيخ الهلالى من البلاد، لولا تدخل الجالية الإسلامية وتوسطهم له.
أيضًا ثارت نساء أستراليا على إهانته لهن بوصفهن باللحم الرخيص العارى. وردت نائبة فيدرالية فى البرلمان:«إذا كانت أستراليا لا تعجب هذا الرجل، فليرحل عنا فى سلام، أو نرحّله بالقوة» وكنا نتمنى أن تستدعيه وزارة الأوقاف أو الأزهر، وأن يذكروه بقوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة».
المثال الثانى يأتى من إسبانيا والمفتى هو الشيخ محمد كمال مصطفى إمام مسجد (فيوننجريولا) ومفتى الجالية الإسلامية والذين يبلغ عددهم ستة ملايين مسلم، بعضهم من أصل عربى، وبعضهم من أصل إسبانى. وقد ذكرت قصته بالتفصيل فى كتابى «مفاهيم خاطئة تؤخر المسلمين» (الناشر: مدبولى)، فقد ألف الشيخ محمد كتابًا بالإسبانية بعنوان: «المرأة فى الإسلام»، فيه باب بعنوان: «حكم الإسلام فى ضرب الزوجة» يدعى فيه أن الإسلام يأمر الزوج بضرب الزوجة إذا عصت أوامره، أو خالفته فى الرأى. وفيه نص على أن تأديب الزوجة العاصية لزوجها أن يضربها بعصا خفيفة على الأيدى والقدمين، بحيث لا يخلق هذا الضرب ظاهرة على جسمها. ويعلل سببه بالعصيان لأوامر الزوج، أو مخالفته فى الرأى. ويقول بالنص: «إن تأديب الزوجة العاصية لزوجها يكون بضربها بعصا خفيفة على الأيدى والقدمين، وبذلك يشعرها بنوع من المعاناة النفسية دون إهانتها، أو إيذائها جسديًا» فهل بعد هذا إهانة!! وقد ثارت النساء فى إسبانيا مسلمات ومسيحيات على هذا الكلام واتهمته بالإرهاب، ورفعن قضية على الشيخ محمد فحكمت المحكمة بمصادرة الكتاب بعد أن بيعت منه 3000 نسخة، وقد جاء فى حيثيات الحكم أن هذا الكلام يعتبر تحريضًا على العنف ضد المرأة، وأن المجتمع المعاصر فى القرن العشرين يختلف تمامًا عما كان عليه الحال منذ 15 قرنًا من الزمان، وأن هذا مخالف لحقوق الإنسان، واتهم بنشر الفكر المتخلف، وحكم عليه بالسجن لمدة عام.
والمثال الثالث من إنجلترا فى شهر ديسمبر 2006 فى دائرة «بلاك بيرن» البريطانية. فقد اكتشف المستر جاك سترو وزير الخارجية السابق أن فى دائرته عددًا كبيرًا من العائلات الإسلامية، وأصلهم مهاجرون من بعض دول الخليج ومنها السعودية، وقد اشتروا الجنسية، وهم يدينون بالمذهب الوهابى الذى يعتبر المرأة من ممتلكات الرجل، فلا يحق لها أن تكشف وجهها إلا لزوجها، وإذا كشفته لأى رجل غريب يعتبرونها زانية، وإذا صافحت الرجل بيدها فهى زانية، وإذا تعطرت فهى زانية، وقد أبلغوا رسميًا بأن القانون فى بريطانيا يلزم كل مواطن يحمل الجنسية بحضور الانتخابات العامة، والمشاركة فيها سواء كان ذكرًا أو أنثى، فبعثوا يستشيرون شيوخ الجماعة الوهابية فى الحجاز ونجد.. فأفتوا لهن بجواز حضور المرأة، ولكن بشرط عدم كشف وجهها، والالتزام بالنقاب والحجاب. وكان يوم الانتخابات العامة كالصاعقة، فقد رفض نساء البدو كشف وجوههن للشرطة لتحقيق الشخصية، وزعمن أن دين الإسلام يحرم كشف الوجه أمام الرجال، وجلسن معًا بشكل لافت للأنظار، ونساء بريطانيا ينظرن بتعجب وجميع الكاميرات مسلطة عليهن. وعندما علم المستر جاك سترو بذلك رفض حضور الاجتماع إلا بعد خلع النقاب، وقامت ضجة فى بريطانيا كلها حول الإسلام والأوامر الغريبة للنساء، وشاركت الصحافة والتليفزيون، وقبل ذلك شاهد الأوروبيون فى وسائل الإعلام الفضائية المذبحة التى حدثت فى مدينة مكة، عندما قام حريق فى غرفة الملابس فى إحدى مدارس البنات حيث يحتفظ البنات بالنقاب والخمار أثناء الدرس، وعندما حاول البنات الهرب إلى خارج المدرسة، ورأى رجال الدين الوهابيون البنات ووجوههن مكشوفة انقضوا عليهن بالهراوات، وأعادوهن إلى المدرسة والنار مشتعلة، وأغلقوا عليهن الأبواب، فأخذن يستغثن ويسترحمن، ولا من مجيب، وحضرت المطافئ والإسعاف فمنعهم رجال الدين، وامتدت النيران إلى البنات، فاحترقت 37 بنتًا وتشوهت الكثيرات. ففى نظر الوهابيين أنه خير للمرأة أن تموت حرقًا بالنار من أن تكشف وجهها.
وهكذا وبسبب تصرف المسلمين تحولت بريطانيا إلى معادية للإسلام، ووصفه بأنه دين التخلف والجهل. وفى شهر يناير سنة 2007م أعلن حزب المحافظين البريطانى أن المسلمين فى بريطانيا أشبه بالحزب القومى البريطانى، صاحب السياسات والأفكار اليمينية المتطرفة، وأنهم لا يشجعون التفاهم والتوافق بين فئات المجتمع البريطانى المختلفة، وأعلن زعيم المحافظين المستر (دافيد كامبرون) بسخرية شديدة أن مسلمى بريطانيا يدعون إلى إقامة دولة دينية فى إنجلترا على أساس الشريعة الإسلامية، لكى تميزهم عن سائر الشعب، وتقسم المجتمع البريطانى إلى «نحن وهم». كانت هذه أربعة نماذج وأمثلة صارخة عن أفكار وفتاوى بعض الشيوخ الموفدين إلى أوروبا للدعوة إلى الإسلام ولإرشاد الجاليات الإسلامية المقيمين فى أوروبا وأمريكا إلى دينهم الصحيح وعقيدتهم السمحاء. ولكنهم للأسف الشديد قد قاموا بعكس ذلك إلى تنفير الغرب من الإسلام، وتصويره لهم بأنه دين اللحية والجلباب والنقاب والحجاب، واحتقار المرأة وضربها إذا خالفت زوجها فى الرأى. وما نراه اليوم فى أنحاء أوروبا من سخرية بالإسلام، ومن الإساءات المتوالية لرسول الإسلام والرسوم الهزلية التى نشرت فى النرويج والتمثيليات التى أقيمت على المسارح وتمثل الرسول برجل يلبس عمامة ضخمة، وفى خاصرته سيف طويل، وحوله 4 نساء منقبات. وتصريحات الساسة بأن الإسلام يمثل خطرًا على أوروبا، ودعوة إلى الفرقة والتخلف.. كل هذا هو إحدى نتائج الفكر الخاطئ لدى بعض هؤلاء الأئمة والدعاة الإسلاميين رغم أن بعضهم موفد رسمى من الأزهر، وكان الأجدر بهم أن يتجنبوا أسلوب العداوة والسخرية من غيرهم، وأن يدعوا إلى المحبة والألفة بين الأديان والمودة والتقارب بين الشعوب.
فأين الأزهر؟ وأين وزارات الأوقاف؟
إن العالم الإسلامى كله شرقًا وغربًا أصبح اليوم يئن ويصرخ طالبًا تغيير وتحديث الخطاب الدينى، حتى لا يصبح عنصر هدم وتخلف، بعد أن كان عنصر نهضة وتقدم. عنصر فرقة وتمزق، بعد أن كان عنصر وحدة ووفاق.
والذى يحدث اليوم ونحن فى مطلع القرن 21 أننا أصبحنا نصدر مظاهر تخلفنا إلى العالم وإلى أوروبا وأمريكا.
فهل من وقفة وهل من مغيث؟؟
د. أحمد شوقي الفنجري
المصدر: روز اليوسف
إضافة تعليق جديد