فضائيات المعارضة السورية أهلاً بالتشدُّد
ظهرت على الشاشة الصغيرة أكثر من عشر محطّات ناطقة باسم المعارضة، تتــبنّى خــطاباً يحتــفي بالجيش الحر ويتفاءل بالنصر على النظام وحلفائه، وتكرر البكائيّة ذاتها عن التخاذل العربي والدولي.
يتباين أداء تلك القنوات بين ما هو أقرب للمهني، وما هو تحريضي، من دون أن يتمكّن أيّ منها من الوصول إلى جمهور الطرف الآخر، الذي بقي يدور في فلك «المؤامرة الكونية».
لعلّ العامل الأساسي في ظهور القنوات المعارضة، كان أداء القنوات العربية تجاه الملف السوري، خصوصاً لناحية تكرار بعض الشائعات، أو اللجوء إلى «الحياديّة المفرطة»، كما يقول بعض المعارضين.
بعض القنوات المعارضة، ولدت قبل الربيع العربي، مثل «بردى» التي كانت تبث من أوروبا، و«أورينت» التي بدأت بثّها من دمشق. وكانت «أورينت» تبثّ برامج اجتماعيّة ومسلسلات لاقت نجاحاً، قبل أن تقفل مكاتبها بقرار من السلطة وتغادر إلى دبي، حيث تبــثّ حالياً من هناك. انحازت القناة للمــعارضة منذ اليــوم الأوّل، وأوقفت جميع برامجها، وتحوّلت إلى محطّة إخباريّة، تحاكي وجهة النظر المناوئة للسلطة. وكان لافتاً تقديمها مؤخراً لنشرة أخبار يومية باللغة الكردية.
من القنوات المعارضة أيضاً، شاشة «سوريا الغد» التي انطلقت من القاهرة وتبث برامج وحوارات عن المشهد السوري وتطورات الوضع الميداني. وتماماً كقناة «أورينت»، تقع «سوريا الغد» في فخّ الأخبار الكاذبة، إذ أنّهما بثّتا أمس الأوّل، خبراً عن استهداف وزير الدفاع فهد الفريج على يد «جبهة النصرة»، تبيّن لاحقاً عدم صحّته.
من ناحية أخرى، تبثّ فضائيات «سوريا الشعب»، و«الجيش الحر»، و«شدا الحرية»، و«سوريا الكرامة»، و«دير الزور» من الأردن أو الخليج، وتتبنّى خطاباً دينياً، يميل إلى التشــدّد، الطائفيّة، والانحياز المطلق للمعارضة المسلّحة. وتعرض تلك القنوات جولات مسلّحة مع القادة العسكريين الميدانيين، ومشاهد عن عمليّات «الجيش الحرّ»، وأناشيد تعبويّة، وتستغرق في مهاجمة روسيا وإيران. على سبيل المثال، تعاملت تلك القنوات مع خبر اغتيال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، على أنّه اغتيال لـ «تلميـذ النظام الذي تمّت تصفيته بعد انتهاء دوره». ولا تخلو تلك الشاشات من مشاهد لأطفال يكرِّرون أناشيد دينية، أو شعارات، فيما يبدو لافتاً غياب أي من أطراف المعارضة الداعية للحل السياسي سواء في الداخل أو الخارج.
لكنّ السؤال حول نسب متابعة تلك المحطات، يطرح نفسه بقوّة، خصوصاً أنّ جزءاً كبيراً من الشارع السوري المعارض يفضّل متابعة الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويأتي التلفزيون في المرتبة الثانية، لجهة المقابلات أو التقارير المصورة. وهنا تحتفظ «العربية» و«الجزيرة» بالصدارة، على حساب المحطات المعارضة. فيما فضل عدد من نشطاء الثورة إطلاق برامج ساخرة من المشهد السياسي وأداء المعارضة عبر موقع «يوتيوب»، بدلاً من عرضها على الفضائيات.
في المحصلة نحن أمام إعلام تعبوي حربي بامتياز، عاجز عن استقطاب كافة شرائح الشارع السوري، حتى المعارض منه، مع التركيز على جانب ديني متشدّد ربما ينفّر جزءاً كبيراً من الجمهور.
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد