كنائـس بلجيكـا تتقاعـد كـدور عبـادة

18-02-2011

كنائـس بلجيكـا تتقاعـد كـدور عبـادة

لا يزال موظفو مركز «أموز الموسيقي» يروون تلك الحادثة الطريفة التي عاشوها، وخضعوا فيها لامتحان لم ينتظروه. كانوا يستعدون لحفل تحييه مغنية أرمنية، وخلال البروفات كادت تعتذر. أبلغوها أن استخدام المايكروفون ممنوع، وأن هذا شرط رئيسي. لم تقتنع، وهي تعاين أمامها الصالة الموسيقية الهائلة. هكذا، صعد الموظفون إلى المسرح، وصاروا يغنون لها حتى اطمأنت. أقيمت تلك الحفلة لاحقا. ولا يزال المركز الموسيقي عند شرطه هذا. إحدى الكنائس التي تحولت إلى قاعة موسيقية
هذا المركز المتخصص بالموسيقى القديمة، هو إحدى نتائج تحويل الكنائس، أو للدقة، فهو أحد «مكاسب» هذا التحويل. فبناء الكنيسة يوفر صالة يعرف الموسيقيون أن مردودها السماعي عال جدا. الأصوات مسموعة بوضوح كبير وبلا أجهزة صوت. المركز قائم منذ خمس سنوات، في بناء كنيسة كانت تدعى «سانت اغوستينوس»، وسط مدينة أنتويرب البلجيكية. كنيسة يعود بناؤها إلى بدايات القرن السابع عشر. قررت الحكومة ومؤسسة الكنيسة إغلاق البناء «لأن تكاليف صيانة البناء صارت كبيرة جدا، ونحن هنا في انتويرب لدينا الكثير من الكنائس في مساحة صغيرة». هذا ما يقوله روبن ستنس، الموظف في المركز الموسيقي الذي تحولت اليه الكنيسة بعدما تقاعد عن وظيفته الدينية.
عدا تجديد واجهة البناء، لم يتغير شيء في الداخل. صالة الصلاة لا تزال على هيئتها. الرسوم والزينات الدينية القديمة باقية كديكور. لكن البناء نُزعت عنه الصفة الدينية، بعدما اشترته الحكومة من مؤسسة الكنيسة. إنه ليس حالة فريدة، فهناك كنائس عديدة تتحول أيضا. الكنائس التي تبيعها المؤسسة الكنسية، يمكن تحويلها إلى ما يشاء مشتريها.
لكن إلى جانب ذلك، ومنذ عام تقريبا، أنشأت مؤسسة الكنيسة البلجيكية قسما خاصا فيها لدراسة مقترحات تقدم لها لتحويل الكنائس التي تملكها أيضا. في الاقليم الشمالي (فلاندرز) الذي يقطنه حوالى 6 ملايين بلجيكي، هناك 1020 كنيسة كبيرة، محمية كإرث معماري وتاريخي لا تجوز إزالته، والى جانبها حوالى 600 كنيسة صغيرة. غير ذلك هناك عدد كبير من الكنائس غير التاريخية. اعترفت المؤسسة الكنسية بالظروف الجديدة، ولو بتردد، عندما قالت ان «عدد الكنائس غير المستخدمة قليل، ولكن من الصحيح أن هناك نسبيا الكثير من الكنائس قياسا بعدد المؤمنين الذين يرتادونها». لمؤسسة الكنيسة أسبابها العديدة لتكون محرجة، لكن الأرقام لا تحرج، ففي دارسة أجراها البروفسور في جامعة لوفت الكاثوليكية مارك هوخا، توصل الى أنه في عام 1967 كان حوالى 50 في المئة من البلجيكيين يذهبون في أيام الآحاد إلى الكنائس، لكن هذا العدد تقلص تدريجيا، ليصل في العام 2009 إلى 5 في المئة فقط.
الأولوية بالنسبة لمؤسسة الكنيسة هي إبقاء أبنية الكنائس أماكن عبادة. لذلك، تحولت بعض الكنائس الى طوائف مسيحية أخرى، غير الروم الكاثوليك التي يدين بها غالبية مسيحيي بلجيكا، وتعود اليها آلاف الكنائس. تحويل الكنائس يجري في مختلف أنحاء بلجيكا، وفي مدينة «كنت» حوّلوا كنيسة إلى مسجد. وتفضل المؤسسة الدينية وظائف جديدة للكنائس «تكون مناسبة لقيمة البناء المقدسة»، لذلك يتحول قسم كبير منها إلى مراكز خدمة اجتماعية ومدنية مختلفة.
المؤسسة تتلقى الاقتراحات التي تقول ما تحتاجه كل منطقة فيها كنائس «زائدة». ولكي لا يهجم عليها دعاة الفن، تقول بوضوح «عند تحويل الكنائس لا نستطيع فقط التفكير في ميزاتها التقنية». ولهذه الخشية ما يبررها، فميزات بناء الكنائس هي بالضبط ما يثمّنه المعنيون بالفن. نيكولا آختن، الموسيقي المتخصص بالموسيقى القديمة، وبعد أن أحيا مع فرقته حفلا في مركز «أموز»، يقول «عادة ما يكون الاسلوب المعماري لبناء الكنائس محسوبا بدقة، بحيث تكون الامكانية السماعية عالية، ولذلك نكون سعداء عندما نرى كنائس تتحول إلى صالات موسيقية».

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...