ما هي خلفيات مطالبة إسرائيل تقليص قوات اليونيفيل
الجمل: نقل مصدر استخباري أمريكي تسريباً يقول أن قوات اليونيفيل المتمركزة حالياً في جنوب لبنان على طول خط الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ستخضع خلال الفترة القادمة لعملية تخفيض كبيرة وما كان لافتاً للنظر أن عملية تخفيض قوات اليونيفيل ستتم هذه المرة بناء على طلب إسرائيل.
* ماذا تقول المعلومات؟
أشارت إفادة التقرير الاستخباري الأمريكي إلى المعلومات الجديدة حول مستقبل حجم قوات اليونيفيل في جنوب لبنان ويمكن الإشارة إلى النقاط الأساسية الواردة في التقرير على النحو الآتي:
• قامت بعض البلدان المشاركة في قوات اليونيفيل بلفت نظر الحكومة اللبنانية لجهة خططها الرامية إلى تخفيض حجم مشاركتها في قوات اليونيفيل.
• خيارات تخفيض حجم اليونيفيل تتضمن إما تقليل حجم وعدد العناصر المشاركة أو سحب كامل العناصر من اليونيفيل.
• التاريخ المبدئي الذي حددته الدول الراغبة في تطبيق خطة التخفيض هو نهاية أيار 2009.
• قدمت الحكومة اللبنانية طلباً ناشدت فيه الدول الساعية إلى تخفيض اليونيفيل أو سحب قواتها منه بضرورة إرجاء الأمر إلى نهاية حزيران 2009 ريثما تكون الانتخابات البرلمانية اللبنانية قد انتهت.
• تتكون قوات اليونيفيل المتمركزة في الجنوب اللبناني من حوالي 15 ألف عنصر وفي حالة تطبيق خطط السحب والتقليل فإن العدد المتبقي سيكون في حدود 5 آلاف عنصر.
• الدول التي تسعى حالياً بسحب أو تخفيض قواتها المشاركة في اليونيفيل تلقت طلباً من إسرائيل للقيام بذلك.
• الطلبات الإسرائيلية المقدمة للدول تضمنت تحديداً إسرائيلياً واضحاً لجهة إبراز النوايا الإسرائيلية الساعية إلى عمل عسكري إسرائيلي محتمل ضد لبنان.
المثير للانتباه إزاء هذه المعلومات يتمثل في أن إسرائيل التي سعت طويلاً لجلب اليونيفيل هي من يطلب الآن سحبها.
* الأداء السلوكي على الجانب الإسرائيلي:
يشير الأداء السلوكي – السياسي – الأمني – العسكري على الجانب الإسرائيلي إلى أن تل أبيب لن يرتاح لها جفن إذا لم تنجح في استعادة قوة الردع الإسرائيلية التي تعرضت للخراب والانجراف بسبب الهزيمة التي تعرضت لها القوات الإسرائيلية في حرب صيف العام 2006 على يد حزب الله. ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك نشير إلى الآتي:
• المؤشر السياسي: تتنافس القوى السياسية الإسرائيلية في تقديم البرامج والأطروحات التي تفيد لجهة اهتمامها بالقضاء على خصوم إسرائيل وعلى وجه الخصوص حزب الله وحركة حماس.
• المؤشر الأمني: تزايد إدراك المؤسسة الأمنية الإسرائيلية (الموساد – الشين بيت – الشاباك - أمان) إلى جنوب لبنان وقطاع غزة باعتبارهما مصدر الخطر الرئيسي الحالي.
• المؤشر العسكري: تزايد إدراك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية باتجاه ضرورة بناء القدرات العسكرية الإسرائيلية بما يتيح خوض الحروب اللامتماثلة المنخفضة الشدة وتحديداً في المسرح اللبناني والمسرح الفلسطيني بما يؤدي إلى ملء فجوة الردع الإسرائيلي التي أحدثتها المواجهات العسكرية الإسرائيلية مع حزب الله في جنوب لبنان وحركة حماس في قطاع غزة الفلسطيني.
ترافق الأداء السلوكي الإسرائيلي الذي عكسته المؤشرات الثلاثة (السياسي – الأمني - العسكري) مع تحركات الدبلوماسية الوقائية الإسرائيلية التي سعت إلى إقناع العالم بضرورة تفهم إمكانية اللجوء إلى المزيد من العمليات العسكرية في المنطقة على أساس اعتبارات أن ذلك يرتبط بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، إضافة لذلك فقد نشطت مراكز الدراسات السياسية – الاستراتيجية الإسرائيلية في إعداد الأوراق البحثية التي تحاول التأسيس لمنظورات نظرية دواعي الأمن وإسقاطاتها الإسرائيلية ضد المسرحين اللبناني والفلسطيني.
* الأبعاد غير المعلنة في الطلب الإسرائيلي بتخفيض قوات اليونيفيل:
تم تشكيل ونشر قوات اليونيفيل جنوب بنان بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 وقرار مجلس الأمن رقم 426 في 19 شباط 1978 ولكن نشر هذه القوات لم يمنع إسرائيل من شن العمليات العسكرية ضد لبنان بما في ذلك القيام بعملية الاجتياح العسكري الواسعة النطاق التي انتهت بالحصار العسكري الإسرائيلي للعاصمة بيروت عام 1982. ولاحقاً بعد ذلك وبناء على رغبة إسرائيل أقر مجلس الأمن الدولي زيادة حجم وقدرات وصلاحيات قوات اليونيفيل ولكن برغم ذلك فقد حدثت المزيد من التطورات في الموقف الإسرائيلي إزاء قوات اليونيفيل:
• انتشار قوات اليونيفيل لم يكن هذه المرة حصراً على الشريط الحدودي الإسرائيلي – اللبناني وإنما شمل كل الأراضي اللبنانية المحصورة بين نهر الليطاني والحدود الإسرائيلية – اللبنانية، وبرغم ذلك ظلت إسرائيل تطالب قوات اليونيفيل بفرض أجندة إدارة عسكرية ضمن منطقة انتشارها بما يؤدي إلى خلق منطقة عازلة وفقاً للمفهوم الذي يلبي احتياجات الأمن الإسرائيلي ويسقط كل الاعتبارات المتعلقة بالسيادة اللبنانية.
• ولاية قوات اليونيفيل تؤكد على ممارسة صلاحيات القوة ضمن منطقة الانتشار المحدودة بين نهر الليطاني والشريط ولكن برغم ذلك فقد سعت إسرائيل إلى دفع قوات اليونيفيل باتجاه تجاوز صلاحياتها بما يدخل كل مناطق الحدود اللبنانية – السورية ضمن مجال مسرح عمل قوات اليونيفيل.
• الاستخدام المتزايد لآليات التصريحات والإعلام لجهة التشكيك في مدى مصداقية وحياد قيادة قوات اليونيفيل بشكل متصاعد على النحو الذي وصل إلى مستوى اتهام قيادة اليونيفيل بالتحيز لصالح حزب الله.
الطلب الإسرائيلي وإن كان متوقعاً إلا أنه تزامن مع بعض التطورات التي يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
• على الجانب الإسرائيلي: صعد إلى الحكومة الإسرائيلية والكنيست الإسرائيلي تحالف الليكود – إسرائيل بيتنا، فهل يرتبط طلب سحب اليونيفيل بأجندة الليكود – إسرائيل بيتنا الجديدة في المنطقة؟
• على الجانب اللبناني: تشهد الساحة اللبنانية جولة انتخابات برلمانية عامة حاسمة لتحديد مصير تحالف 14 آذار الحليف للغرب، فهل يرتبط طلب سحب قوات اليونيفيل بمساعي إسرائيل إلى التأثير في توجهات الناخبين اللبنانيين أم لجهة القيام بإعداد المسرح اللبناني لجولة جديدة من الصراع بغض النظر عن الطرف اللبناني الذي سيفوز بالانتخابات.
• على الجانب الأمريكي: تتبنى الإدارة الأمريكية توجهات شرق أوسطية تتعارض مع توجهات حكومة تحالف الليكود – إسرائيل بيتنا الإسرائيلية الجديدة فهل يرتبط طلب سحب القوات بمحاولة إسرائيل تفعيل المزيد من البؤر الساخنة في المنطقة بما يتيح لها المزيد من الأوراق التفاوضية في المساومات الجارية على خط واشنطن – تل أبيب؟
لكن وبرغم تعدد الاحتمالات فإن السيناريو العدواني الإسرائيلي إزاء لبنان سيظل أكثر تطابقاً مع سيناريو الانتخابات البرلمانية اللبنانية القادمة وبكلمات أكثر وضوحاً يمكن الإشارة إلى الآتي:
• في حالة سيناريو صعود قائمة حزب الله وحلفاءه فإن إسرائيل لن تنفذ عدوانها ضد لبنان طالما أن الطابور الخامس الذي كان يستغل أجهزة الدولة اللبنانية في دعم العدوان الإسرائيلي سيكون غير موجود وبالتالي فإن "فجوة" الطابور الخامس اللبناني سيترتب عليها أن رد الفعل اللبناني ضد العدوان الإسرائيلي ستتميز بالصلابة ووحدة الموقف وهو ما لن يكون في مصلحة إسرائيل التي ظلت دائماً تنفذ اعتداءاتها على خلفية الخلافات اللبنانية – اللبنانية.
• في حالة سيناريو صعود قائمة 14 آذار فإن إسرائيل سوف لن تتردد في تنفيذ عدوانها القادم ضد لبنان لأنها ستضمن بأن العدوان سينجح بسبب وجود الطابور الخامس اللبناني في السلطة إضافة إلى أن هزيمة قوى 8 آذار تمثل في حد ذاتها مؤشراً لضعف هذه القوى وهو ضعف يتوجب استغلاله عسكرياً في المسرح اللبناني بما يؤدي إلى القضاء على قوى 8 آذار العسكرية طالما أنها أصبحت ضعيفة سياسياً.
وتأسيساً على ما سبق فإن نتائج المعركة الانتخابية اللبنانية القادمة هي التي ستحدد مدى مصداقية العدوان الإسرائيلي القادم ضد لبنان وبالتالي فإن ما يمكن التكهن به حالياً هو أنه كلما كان احتمال فوز قوى 14 آذار كبيراً كلما كان احتمال العدوان الإسرائيلي أكبر وبالمقابل كلما كان انتصار قوى 8 آذار كبيراً كلما كانت قدرات اللبنانيين على ردع العدوان الإسرائيلي أكبر وكلما كانت احتمالات قيام الإسرائيليين بتنفيذ عدوانهم. وبالتالي بل وربما لا يلجأ الإسرائيليون إلى المطالبة بإبقاء اليونيفيل وحسب وإنما بمناشدة الدول للقيام بإرسال المزيد من القوات لدعم اليونيفيل!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد