وليد الحسيني : قامت المحكمة .. ولم يقعد لبنان
كيف تكون الأحداث كبيرة والكتابة عنها غير مجدية, وبالتالي, مُمِلّة؟.
هذا لا يحصل إلا في لبنان, الذي أصيبت طبقته السياسية بالعمى. فهي لا تقرأ ما يكتب, ولا ترى ماذا يحترق, وإلى أين يمكن للنيران أن تصل.في لبنان, لا قيمة للتحليل ولا للتحذير ولا للنصيحة. فالسياسات جميعها تتخبط بالعناد والعشوائية.
لقد قامت المحكمة, وكانت الموالاة تجعل من تعطيلها سبباً لكل الأحداث, لكن الأزمات مستمرة بتصاعدها, فإلى ماذا تردّها الأكثرية؟.
لم تعد الحقيقة والعدالة والعقاب بيد اللبنانيين, إنها الآن مسائل دولية خارجة على القانون اللبناني, وأصحاب النفوذ المحلي. وإذا كانت هناك مساومات فسيكون لبنان آخر من يعلم.
ولم يعد الكلام له قيمة في ما إذا كان الفصل السابع, الذي يحاصر قيام المحكمة, مخالفاً لميثاق الأمم المتحدة أم ولادة طبيعية له. لكن اللافت أن الدول الخمس الممتنعة عن التصويت, إنما كانت ممتنعة عن اتخاذ الموقف, وأنها اختارت النفاق المزدوج بتقديم مندوبيها مطالعات خطيرة ضد القرار 1757, لتنتهي إلى الامتناع المائع الذي لا يتناسب مع دفاعهم عن المحكمة, وهجومهم على قرار قيامها في آنٍ واحد.
المحكمة الدولية اليوم هي أمر واقع, وهي تبحث عن مقر آمن, يحميها من الانفجارات السياسية والمتفجرات الأمنية.
إذاً الأزمة الأكبر, ضمن الأزمات اللبنانية, أصبحت مشمولة بالحماية الدولية, لكن هذا لا يعني أنها بمنأى عن العراك اللبناني المحلي, فروحها ستُستحضر, بشكل ما, في كل المعارك الدائرة بين الموالاة والمعارضة.
وحل المحكمة الدولية دولياً, يذكرني بنكتة السيرجنت الأميركي مايك, الذي جلس حزيناً على التلة الفيتنامية رقم 150 بعد أن احتلها الأميركيون محذراً رفاقه المحتفلين بالنصر من أن بعد التلة 150 هناك التلة 151 و159 و200 و250...
وما بعد المحكمة, هناك الحكومة الانقاذية, والرئيس المقبل, و«فتح الاسلام» وأخواتها, وقواعد «القاعدة» النائمة والصاحية, والمخيمات, وتوحيد السلاح, ومزارع شبعا, والنقاط السبع و...
من حقنا أن نحزن كالسيرجنت مايك, فالطريق أمامنا أطول مما نـظن وأوعر مما نعتقد.
إن انتصار الأكثرية في «حربها العالمية» على جبهة مجلس الأمن, لم يؤد إلى هزيمة المعارضة. فالجبهات المحلية ما زالت مشتعلة, ودويّ القصف ما زال يتسبب بالذعر العام, والأطراف الدولية أعجز من أن تقدم أكثر مما قدمت. ويبقى سباق الموت والدمار والفوضى بانتظار الفائز... الأجنبي.
استدراك: لقد قامت المحكمة... ولم يقعد لبنان.
وليد الحسيني
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد