ثلاث سنوات على سقوط بغداد
يؤكد تقرير مركز saban التابع لمؤسسة Brooking الأمريكية، المنشور على صفحة (الجمل) هذه، توقعات "جوزف ناي" التي أطلقها قبل عامين من صدور هذا التقرير الهام، والتي استنتج فيها فشل استراتيجية تلعب أمريكا فيها دور القاضي والمحلفين والجلاد معاً.
فمنذ إطلاق نفير الحرب، بدت الحملة العسكرية على العراق أشبه برحلة استثمار لشركات مساهمة، يطلب فيها كل مساهم مردوداً يتناسب مع المبلغ الذي استثمره، بغض النظر عن المماحكات الأخلاقية بين مؤيدي الحرب ورافضيها، حيث كان يرى المؤيدون أن الأخلاق غير قادرة على إلهام السياسة الإمبراطورية، كما أنها تلجم طموحات الشركات الأمريكية في توسيع استثماراتها؛ ولهذا لم يعبأ الإسبارطيون الجدد فيما بعد بفضائح الشركات الأمريكية العاملة في العراق بدءاً بـ (هاليبرتون) وانتهاء بـ (بكتل) باعتبار أن عائداتها تعوضهم عن فقرهم الأخلاقي.
ومع أهمية تقرير (استراتيجية أمريكية جديدة في العراق) واعترافه بالفشل الذريع بعد مرور ثلاث سنوات على سقوط بغداد تحت سنابك الجيش الأمريكي، فإن مراجعة متأنية له سوف تظهر للقارئ أن واضعيها يختزلون المقاومة بالأصوليين من السنة، متجاهلين دور العصبية العربية التي تنتمي إليها الشريحة الأكبر من العراقيين الرافضين للاحتلال. وهذا التجاهل الأمريكي للعصبية العربية التي تُختزل خطأ تحت مسمى (البعثيين)، سوف يساهم في استمرار الغضب العربي داخل وخارج العراق، وسيؤكد اقتراح التقرير المذكور حاجة العراق إلى 450 ألف رجل أمن لتوفير الحماية في العراق خارج كردستان (الرقم يماثل تعداد الجيش العراقي الذي حلّه الرفيق بريمر ) وهذا يعني توفير استثمار جديد للشركات المساهمة في الحرب غير البترول الذي يتم دفع (تكاليف) الجيش من عائداته مقابل بضائع الديمقراطية الأمريكية. ولهذا السبب بتنا نلاحظ كيف أن الكثير من الضباط الأمريكيين المحترفين راحوا يستقيلون من المؤسسة العسكرية لتأسيس شركات أمنية عاملة في العراق، حيث يبلغ دخل رجل الأمن المدني أربعة أضعاف دخل الجندي، الأمر الذي استقطب أعداداً كبيرة من المرتزقة للمجيء إلى أرض العراق في رحلة حج مبرور وسعي مشكور، وتجارة لا تبور..
إذاً، فإن اقتراح توفير المزيد من الأمنيين المدنيين لقطاع الأمن العراقي سوف يعني الكثير للأمريكان، فبالإضافة إلى الاستثمار طويل الأجل في هذا القطاع، فإن هذا سوف يسد الفراغ الذي سيشكله انسحاب الجيش الأمريكي القريب من العراق، وينهي الإخفاق والإذلال الذي يتعرض له يومياً على أيدي مجموعة من العراقيين الجياع المسلحين بإرادة: الاستشهاد أو التحرير، وتدعمها شيفرة وراثية ثورية، تتناسل عبر تراب العراق منذ أيام نبوخذ نصّر حتى الآن.
الجمل
إضافة تعليق جديد