سعاد جروس تكتب عن «فوبيا التغيير»
الجمل- سعاد جروس: قال جعفر بن معاوية لخالد بن صفوان: ما منعك أن يكون عندك امرأة شريفة من أشراف أهل البصرة؟ قال: فابغني امرأة. قال: فأي النساء تريد؟ قال: ابغني امرأة بكرا كثيّب, وثيّبا كبكر, لا ضرعا صغيرة, ولا عجوزا كبيرة, عاشت في نعمة, وأدركتها حاجة, فخلق النعمة معها, وذل الحاجة فيها, وحسبي من حسبها أن تكون واسطة قومها, وحسبي من جمالها أن تكون فخمة من بعيد, مليحة من قريب, ترضى مني بالسنة, وترفع عني المنّة, إن عشت أكرمتها, وإن مت ورّثتها, لا ترفع رأسها إلى السماء رفعاً, ولا تضعه في الأرض وضعاً, أديبة, عاقلة, فصيحة. فقال جعفر: يا أبا صفوان, الناس في طلب هذه منذ زمان حتى يبايعوها على الخلافة فلا يقدرون عليها فاسل فإنك حالم!
تكاد قصة خالد بن صفوان والمرأة التي يراها نموذجاً للمرأة الزوجة المثالية, كقصة المواطن السوري مع الحكومة, فتهيج أحلامه وتكبر حول الحكومة المرتقبة, كلما ثارت الشائعات حول تغيير مرتقب أو تعديل, ولكثرة ما هاجت الأحلام والأماني من دون رجاء, ما عاد لها قدرة على الانبعاث, ولا يطيقها الحال الاقتصادي والأحوال المعيشية, فهي تسوء أكثر وترتفع الأسعار أكثر فأكثر, ويفقد الأمل بتغيير ما لا يتغير, لا بل صار الأمل هو أن لا تتغير بحسب تجاربنا مع الحكومات المتعاقبة, وأصبح مثلنا الدارج: الذي تعرفه أحسن ممن تتعرف عليه.
بعد خبرة طويلة دفعنا ثمنها طبقاً للمثل القائل: رب يوم تبكي منه يأتيك يوم تبكي عليه... وها نحن نندم اليوم على وزراء ومسؤولين سابقين كنا لا نكل ولا نمل من انتقادهم, فجاءنا غيرهم وجعلنا نعرف خيرهم, ما ولَّد في النفس السورية «فوبيا التغيير», في أسوأ مرض يمكن أن يصاب به أي مشروع للتطوير, فلم يعد من الممكن الوثوق بأن الآتي سيكون أفضل, ولنا مثال في وزارات عدة, منها وزارة الثقافة التي شهدت تقهقرا مؤسفاً منذ غادرتها الدكتورة نجاح العطار, فسلاسل أمهات الكتب التي كانت تصدر توقفت, والمشاريع البديلة المطروحة في الهيئة العامة للكتاب لا يبدو أنها ستعوض الفراغ, بقدر ما سوف تشكل تراجعاً عما أنجز, اضيف إليه اخيراً ارتباك عمل مديرية التأليف والترجمة.
وعلى صعيد دعم الفنانين التشكيليين والكتاب من خلال شراء أعمالهم تراجع إن لم نقل تجمد. وعلاقة المثقفين بالوزارة بدأت تأخذ منحى العداء, والسبب لا تتحمله الوزارة الحالية, وإنما هو وضع عام نتيجة السماح لأول وزارة بعد العطار بالتأسيس لتحطيم ما تم بناؤه وفتح خطوط معروف سلفاً أنها مسدودة, كانت سبباً في تراكم الأخطاء اللاحقة, لتتحول إلى معضلة عصية على الحل, والكل يبدو فيها بريئا.
هذا على سبيل المثال لا الحصر, كذلك وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها ليست أفضل حالاً, حيث تبرز شخصية الوزير كمنفذ أعمى للقوانين, أو هكذا يحب أن يظهر كي يتخلص من مسؤوليته عن إجراءات عجيبة غريبة على الرغم من قانونيتها. فمثلاً هناك صديق ناشر مقيم في سوريا منذ سنوات؛ عربي الهوية والهوى والروح, وجد في سوريا مآل أحلامه وطموحاته الثقافية, فأسس دارا للنشر أثبتت خلال فترة قصيرة حضوراً وموثوقية على المستوى المحلي والعربي, كدار نشر سورية. هذا الصديق وغيره من شخصيات ثقافية فاعلة في المشهد الثقافي السوري والعربي, ملزم حسب القوانين المحلية بتجديد اقامته سنوياً, بما يعني أنه في كل عام مضطر لتقديم أوراق تثبت حسن سير سلوكه, من خلال معاملات تستهلك على الأقل من شهر إلى ثلاثة أشهر, يقضيها بين مكاتب الموظفين, حيث يعامل معاملة الأجنبي, لأن الأوراق والقوانين تفرض ذلك.
نقول, اللهم, لا اعتراض على القانون لكن نسأل اللطف فيه, خصوصا وأنها تتطور كل عام وتتعقد وتُدعم بإجراءات ما أنزل الله بها من سلطان, حيث يطلب منه الحصول على موافقة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل, بإعطائه إذناً بالعمل, ولأنه «أجنبي» رفض طلباً, بحجة أن هناك كفاءات سورية أحق منه بإدارة دار النشر, ولأنه اعترض, وقال إنه مؤسس في الدار وليس موظفاً أجنبياً, طُلب منه إحضار أوراق إضافية تزداد كل عام, إذ لم تشفع له سنوات عمله الماضية, واحترامه الكامل والتام والمثالي للمؤسسات الرسمية, وتم التعامل معه وفق القانون بكل ما يعني ذلك من إجراءات بيروقراطية سقيمة, معروف متى ولماذا يلتزم الموظفون بتطبيقها حرفياً, حيث إن الوزارات السابقة كانت تأذن له بالعمل من دون أي تردد.
فما عدا ما بدا حتى تتذرع الوزارة بأولوية الكفاءات السورية, وهي جملة تكررت في أكثر من مناسبة, هل هي حقاً غيرة عارضة على العاطلين من العمل؟ أم تكريس للقطرية والسير على خطى المنادين ببلدانهم أولاً! وأين تقف وزارة الثقافة من إجراءات كهذه مع مثقفين نعرف أنهم عرب وليسوا أجانب.
لطالما كانت سوريا وستبقى الملاذ الآمن لجميع العرب, ولا منة في ذلك, لما تمثله استضافة المثقفين العرب في دمشق من إثراء للمشهد الثقافي السوري ومن تعزيز لموقع ودور سوريا الثقافي القومي, ومن المعيب أن يُطالب ناشر عربي بأن يعامل معاملة العمالة المنزلية الوافدة أو راقصات الفرق الفنية الأجنبية, لتسهيل إجراءات إقامته.
لا نطالب بتغيير القوانين ولا بتجاوزها ولا حتى بتخفيف غيرة وزارة العمل على الكفاءات المحلية, لكن يحق لنا أن نحلم إن لم نطالب, بأن يحظى المثقف والمستثمر في الثقافة سورياً كان أم عربياً بشيء من الرعاية والاهتمام والتشجيع, فواقعنا الثقافي من الفقر بحيث لا يحتمل تطفيشهم وإرهاقهم بإجراءات لا طاقة لهم عليها.
لكن وبما أننا نعيش الآن وهنا, فليس لنا سوى القول لصديقنا الناشر ولكل من تضيق بهم سبل المعاملات في دهاليزنا الوطنية ما قاله جعفر لأبي صفوان: اسل فإنك حالم... وبمعنى أوضح إنس فأنك صبور صبر الجمال.
بالاتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد