المتغيرات الدولية تجاه الأحداث السورية خلال الـ24 ساعة الماضية

الجمل: دخلت محاولات تصعيد الحدث السوري من الداخل إلى مرحلة الفشل بسبب عدم تجاوب السوريين معها، وبرغم ذلك، بدأت تتزايد محاولات تصعيد الحدث السوري من الخارج، فما هي طبيعة التصعيدات الخارجية وما هي محاورها وخطوطها الرئيسية، وعلى ماذا تراهن الأطراف الخارجية لجهة الحصول بالوسائل الخارجية على ما لم تنجح في الحصول عليه بالوسائل الداخلية؟

* بيئة الحدث السوري الخارجية: توصيف المعلومات الجارية
تحدثت التقارير والتسريبات الخارجية بشكل ينم عن الإصرار غير المسبوق لجهة الاستمرار في جهود استهداف دمشق، وما هو جدير بالإشارة أن هذه التقارير والتسريبات ذهبت مذاهب شتى، وفي هذا الخصوص نشير إلى أبرزها على النحو الآتي:
• المؤشر الأول: نشر مركز دراسات مجلس الأطلنطي على موقعه الالكتروني تقريراً تحليلياً مختصراً تطرق إلى حث حلفاء الناتو على ضرورة السعي من أجل جعل مخطط إقامة المنطقة العازلة التركية داخل الأراضي السورية أمراً واقعاً، ولمح التحليل إلى أن أنقرا وإن بدت مترددة، فمن الممكن حسم تردد أنقرا عن طريق رفع وتائر التصعيدات الداخلية بما يؤدي إلى تدهور الأوضاع ويجعل أنقرا لا تجد بداً من إقامة هذه المنطقة العازلة.
• المؤشر الثاني: نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية التابعة لجماعة المحافظين الجدد ورموز اللوبي الإسرائيلي تقريراً مطولاً كشفت فيه الصحيفة عن جهود حثيثة تقوم بها الإدارة الأمريكية، مما يتيح لها جمع المعلومات وترتيبها بالشكل الذي يتيح استخدامها في تحويل ملف الحدث السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.
• المؤشر الثالث: تحدثت التسريبات الأمريكية عن قيام مجموعة من أعضاء مجلس النواب الأمريكي بإعداد مسودة قانون يلزم واشنطن بضرورة العمل من أجل نزع سلاح حزب الله اللبناني، باستخدام كافة الوسائل بما في ذلك اتخاذ موقف أمريكي لمقاطعة وعزل أي حكومة لبنانية يشارك فيها حزب الله اللبناني.
• المؤشر الرابع: أعد المحلل السياسي اليهودي الأمريكي جاي سولدمون، تحليلاً نشره موقع "أورشليم الموحدة" الأمريكي، أكد فيه بأنه يتوجب على واشنطن وحلفاءها العمل من أجل استهداف عائدات النفط السوري، بما يتيح إضعاف قدرات دمشق، ويقطع عن سوريا 20% من موارد ميزانيتها الاقتصادية.
هذا، ونلاحظ أن جميع هذه المؤشرات قد برزت خلال الـ24 ساعة الماضية، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن الانحسار والهبوط الكبير في قدرات خصوم دمشق الداخليين، قد تزامن مع ارتفاع وصعود كبير في جهود خصوم دمشق الخارجيين، وبكلمات أخرى يثبت هذا التزامن، بأن زمام المبادرة والسيطرة لم يكن أصلاً في الخصوم الداخليين وإنما ظل وبشكل واضح وجلي في أيدي الخصوم الخارجيين.

* ماذا تقول آخر المقاربات
لم تتوقف محاولات المحللين السياسيين بمختلف توجهاتهم وانتماء آرائهم المذهبية عن جهود مقاربة تطورات الحدث السوري، وفي هذا الخصوص نشير على سبيل المثال لا الحصر إلى النماذج الآتية:
• مقاربة اللوبي الإسرائيلي البريطاني: وأشارت إلى ثلاثة نقاط استنتاجية، هي:
1 ـ أكدت كل المعطيات بأن دمشق تتفوق بقدر كبير جداً على خصومها الداخليين.
2 ـ المؤسسة العسكرية ـ الأمنية السورية صلبة وشديدة التماسك ولا توجد أي مؤشرات تفيد لاحتمالات أن يتعرض هذا التماسك لأي خلل أو ضعف.
3 ـ الاحتجاجات الداخلية التي أشعلها خصوم دمشق، أتاحت لإسرائيل فرصة رفض أي جهود سلام مع سوريا، وأصبح الآن بإمكان تل أبيب أن تتذرع لعدة سنوات قادمة بأن مستقبل دمشق أصبح مضطرباً، وبالتابي يتوجب عدم الخوض في أي مفاوضات سلام إلى حين معرفة الأوضاع بشكل واضح.
• مقاربة الخبير الإسرائيلي توفا لازاروف: أعد تحليلاً سياسياً وصف فيه حركة الاحتجاجات السورية، بأنها وإن كانت فاشلة على المستوى الداخلي السوري، فإنها قد وفرت لإسرائيل فرصة ثمينة لجهة القيام باستعادة دفء علاقاتها وروابطها مع أنقرا، وهي العلاقات والروابط التي لعبت دمشق دوراً رئيسياً خلال الفترة الماضية في إضعافها وتقويضها، وإضافة لذلك حث الخبير الإسرائيلي توفا لازاروف الحكومة الإسرائيلية على ضرورة التحرك والاستفادة من تراجع علاقات دمشق ـ أنقرا والسعي لإغلاق كافة المنافذ التي يمكن أن تستعيد من خلالها دمشق علاقاتها مع أنقرا.
• مقاربة رئيس تحرير نيويورك تايمز الأمريكية: حملت عنوان "كابوس سوريا" وركزت على انتقاد الإدارة الأمريكية وإحراجها من خلال الزعم بأن موقف البيت الأبيض السابق هو مطالبة دمشق بإجراء الإصلاحات، وبالتالي وبسبب عدم قيام دمشق بإجراء الإصلاحات، فمن الواجب على واشنطن أن تلجأ لخيار التصعيد ضد دمشق.
التدقيق الفاحص في هذه المقاربات، يكشف لنا، عن مدى اعتمادها على توظيف فعاليات الخلفيات الموحدة، فهي جميعها وبلا استثناء تتحدث عن سقوط آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى، وعشرات آلاف اللاجئين والنازحين والخراب الاقتصادي والمدني غير المسبوق، وما شابه ذلك من التوصيفات التي تساعد في جعل المتلقي أكثر تهيئاً لقبول وتصديق المضمون ومساندة التوصيات التي سعت صراحة لجهة التأكيد عليها، والتي تصب جميعها نحو هدف موحد، هو: قيام واشنطن وحلفاءها الدوليين والإقليميين بعملية استهداف دمشق.

* ما الذي يجري على مستوى سيناريو الظل الأمريكي ـ الإسرائيلي
تشير المعطيات الجارية إلى أن الأداء السلوكي الأمريكي ـ الإسرائيلي الغربي إزاء دمشق، أصبح ينطوي على مستويين، هما:
• المستوى الأول: السيناريو  الواضح، ويتضمن تصعيد التصريحات والتلويح بالتدويل واستخدام العقوبات والعزل الدبلوماسي.
• المستوى الثاني: سيناريو الظل: ويتضمن المزيد من التحركات الدبلوماسية والأمنية والعسكرية، على أساس اعتبارات ما يجري على مستوى سيناريو الظل، وتقول التسريبات والمعلومات بأن محور واشنطن ـ تل أبيب وحلفاءه الغربيين والشرق أوسطيين، يقومون حالياً بالتحركات الآتية:
ـ عسكرياً: سعت واشنطن إلى إنفاذ ما سبق أن سربته بعض المصادر الروسية، وهو: تحريك حاملة الطائرات الأمريكية باثان ومجموعة الضربة العسكرية التابعة لها، بحيث تتمركز في المناطق البحرية المتوسطية المقابلة للسواحل السورية.
هذا وتقول التسريبات بأن الحاملة باثان، تحمل على متنها 2000 من عناصر مشاة البحرية (المارينز) و6 طائرات حربية، و15 هليكوبتر هجومية إضافة إلى قوارب الإنزال البحري.
ـ تحريك حاملة الطائرات مونتيري، المزودة بقدرات الدفاع الصاروخي، والتي ظلت تتمركز في مناطق البحر الأسود، وتشير التسريبات إلى أن توظيف الحاملة مونتيري، سوف يركز على حماية إسرائيل من خطر صواريخ حزب الله اللبناني.
ـ توجد ضغوط خليجية على رئيس الوزراء التركي أردوغان بحيث يمنح موافقته لجهة قيام أنقرا بالسماح لواشنطن وحلفاء الناتو باستخدام القواعد العسكرية الموجودة في تركيا إذا لزم الأمر القيام بأي عمل عسكري أمريكي ـ غربي ضد سوريا.
وتأسيساً على ذلك، تقول المعلومات الجارية، بأن التحركات الدبلوماسية الجارية حالياً ضد دمشق تتضمن من جهة قيام باريس وبرلين بالسعي من أجل تشديد العقوبات الأوروبية ضد دمشق، ومن الجهة الأخرى في نفس الوقت، قيام واشنطن بالسعي للمرة الرابعة من أجل إقناع موسكو بمساندة قرار دولي ضد دمشق، أو على الأقل الامتناع عن التصويت داخل المجلس، وفي هذا الخصوص تقول المعلومات بأن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون قد تحدثت يوم أمس الجمعة لفترة طويلة مع نظيرها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ولكن الموقف الروسي الرافض لم يتغير، إضافة إلى بروز الموقف الصيني المساند لموسكو!!

الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة