«النصرة» تأخذ جبل الزاوية من فلول الثورجيين
صفعة جديدة تلقاها التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، بعد 40 يوماً فقط على بدء عملياته ضد الجماعات التكفيرية في سوريا، حيث يطغى على المشهدين السوري والعراقي، تمدد لعصابات التكفيريين، خصوصا «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
وبينما لا تزال ورطة اقتحام تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» مدينة عين العرب (كوباني) السورية قائمة وسط تخبط دولي في التعامل معها وعجز عن حسم معركتها، فاجأت «جبهة النصرة» الجميع بسرعة سيطرتها على جبل الزاوية في ريف إدلب، موجهة ضربة ساحقة إلى كل من راهن على ما يسمى «فصائل الاعتدال» لتغيير موازين القوى على الأرض، لا سيما أن هذه الفصائل، المدعومة أميركياً، سلمت مقارها ومستودعات أسلحتها من دون قتال يذكر.
وكانت «جبهة ثوار سوريا» بقيادة جمال معروف انسحبت، خلال الأسبوع الماضي، بعديدها وعتادها من معاقلها في قرى وبلدات جبل الزاوية، بما فيها مسقط رأس جمال معروف قرية دير سنبل، ليدخل إليها مقاتلو «جبهة النصرة» في توسع جديد لهم في الريف الإدلبي بعد توسعهم في تموز الماضي وسيطرتهم على مدن حارم وسلقين وعزمارين وبلدات أخرى على الشريط الحدودي مع تركيا.
ورغم أن «جبهة النصرة» أعلنت أمس الأول، بعد إحكام سيطرتها على بلدات جبل الزاوية، قبولها بالتحاكم أمام «محكمة شرعية» مشترطة مثول جمال معروف شخصياً أمام هذه المحكمة، إلا انها لم تتوقف عن محاولة التوسع. ويبدو أنها بعد التخلص من «جبهة ثوار سوريا» قررت التفرغ لمحاربة أكثر الفصائل دعماً من واشنطن وهي «حركة حزم»، التي كان لها حظوة استلام صواريخ «لاو» المضادة للدروع، والتي اعتبرت في حينها خطوة غير مسبوقة تقوم بها واشنطن لتسليح فصيل بأسلحة متطورة.
ولم يشفع لـ «حركة حزم» توقيعها على وثيقة تلتزم بها مع فصائل أخرى بتحييد مدينة حلب عن الصراع الدائر في ريف إدلب، ولا اشتراكها في قوات الفصل بين «جبهة النصرة» و«جبهة ثوار سوريا» بحسب مشروع الهدنة الذي اقترح لحل المشكلة بين الطرفين، حيث تذرعت «النصرة» بملاحقة قاتلي أحد عناصرها في وقت سابق، كي تقتحم بلدة خان السبل الواقعة جنوب سراقب، وتحاصر أكبر مقر لـ«حركة حزم» فيها، مطالبة بتسليمها القتلة.
وما زال محل استغراب أن قيادات الحركة عرضوا مباشرة على «جبهة النصرة» الاستسلام، وتسليم كافة مقارهم ومستودعات أسلحتهم في البلدة، وهو ما قبلته «النصرة» لكنها عمدت بعد ذلك إلى اعتقال بعض قيادات الحركة للتحقيق معهم بينما سمحت للعناصر بالانسحاب، باستثناء عناصر قرروا الانشقاق عن «حزم» والانضمام إليها.
وتشير المعلومات إلى أن «جبهة النصرة» غنمت نتيجة ذلك عددا من صواريخ «لاو»، (علماً بأنها ليست المرة الأولى التي تقع فيها هذه الصواريخ الأميركية بيدها)، وحوالي 30 آلية مدرعة، اضافة الى عدد كبير من صناديق الذخيرة. ويبدو أن خان السبل لن تكون البلدة الأخيرة في سلسلة انهيار «فصائل الاعتدال»، حيث انضمت بلدة كفر بطيخ جنوب سراقب أيضاً إلى هذه السلسلة بعد انسحاب «حركة حزم» منها يوم أمس لمصلحة «جبهة النصرة» التي كانت اعتقلت قائد الحركة في البلدة المدعو محمد غازي. وتأتي أهمية كفر بطيخ، إلى جانب عوامل عديدة، أنها من بين أكثر قرى ريف إدلب اشتهاراً بتجارة السلاح وتهريبه، حتى قبل بداية الأزمة السورية.
وتشير الأحداث المتسارعة في ريف إدلب وسهولة سيطرة «جبهة النصرة» وحليفها «جند الأقصى» (زعيم «الأقصى» السابق أبو عبد العزيز القطري كان من أوائل من وضعتهم واشنطن على قائمة الإرهاب أواخر العام 2012) على مناطق شاسعة فيها من دون أي مقاومة تذكر، إلى أن المشهد السوري الذي يتكون تحت سقف التحالف الدولي يميل في أحد جوانبه ـ خلافاً للهدف المعلن لهذا التحالف - إلى مصلحة الفصائل التكفيرية التي تمددت في ظله وخلال زمن قياسي كما لم تتمدد من قبل، بينما تنكفئ الفصائل المصنفة أنها «معتدلة» على نفسها، وتنسحب من مناطق كانت تعتبر طوال السنوات الماضية معقلها الرئيس وبمثابة «إمارتها الخاصة».
وما يحدث في ريف إدلب، أمر له ما بعده، ومن المتوقع أن تكون له ارتدادات وتداعيات في مختلف المناطق السورية، خصوصاً حيث تتجاور كتائب «جبهة ثوار سوريا» مع مقاتلي «جبهة النصرة». ومن المعروف أن هاتين الجبهتين تحالفتا طوال الأشهر الماضية مع بعضهما للقتال ضد الجيش السوري في عدة مدن، أهمها درعا والقنيطرة محققتين تقدماً على أكثر من جبهة. إلا ان بروز بعض الخلافات بينهما في درعا، على وجه الخصوص، يطرح تساؤلات حول إمكانية ضبط الصراع بينهما وحصره في ريف إدلب فقط أم أنه سوف يتوسع ويمتد إلى درعا وغيرها.
ومن المؤشرات التي ترجح احتمال توسع الصراع أن «جيش المهاجرين والأنصار»، المتحالف مع «جبهة النصرة»، أعلن عن قيام «حركة حزم» باختطاف عدد من عناصره في دارة عزة بريف حلب، مهدداً بفتح جبهة قتال معها ما لم تفرج عنهم.
لكن الأمر اللافت، والذي لا يخلو من دلالة، أن «حركة أحرار الشام» وقفت على الحياد في الصراع الدائر بين حليفتها «جبهة النصرة» وبين «جبهة ثوار سوريا»، حيث أصدرت بياناً خاصاً تعلن فيه عدم مشاركتها في هذا القتال وتدعو إلى الحل الشرعي.
ورغم أنه من غير المتوقع أن تحدث سيطرة «جبهة النصرة» على الشريط الحدودي مع تركيا وغالبية الريف الإدلبي، هزة كتلك التي أحدثها اقتحام «الدولة الإسلامية» مدينة عين العرب، إلا انها من دون شك ستكرس فشل جهود التحالف الدولي في محاربة هذه التنظيمات، وتظهر مدى عجزه عن حماية حلفائه على الأرض، لتكون النتيجة في هذه المرحلة تقدم الفصائل التي يدّعي التحالف محاربتها وسيطرتها على مناطق واسعة ستجعل من مهمته أكثر تعقيداً مما كانت عليه عند بدايتها.
إلى ذلك، اندلعت معارك عنيفة بين عناصر «داعش» والمقاتلين الأكراد السوريين، المدعومين من عناصر «البشمركة» الكردية العراقية في عين العرب (كوباني) السورية، بينما أطلقت القوات السورية عملية عسكرية لاسترداد حقل الشاعر للغاز في الريف الشرقي لحمص.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد