الآثار السورية... أين هي من الأزمة؟
الجمل- * فرانكلين لامب ـ ترجمة: رندة القاسم:
الشجب الدولي من قبل المدنيين و الحكومات وصل إلى حد الحمى الشديدة مع كون معظمنا يشعر بالروع و الاشمئزاز مما تفعله الميليشيات الجهادية من تدمير و إتلاف في سوريه، و في أماكن مثل الموصل و نمرود في العراق، و بشكل متزايد في إفريقيا و آسيه. من الصومال إلى تمبكتو في مالي وصولا إلى باكستان و ما ورائها.
المسؤولون و المدنيون في سوريه مستمرون في تنظيم حملات و ورشات عمل تراثية من أجل حماية الإرث العالمي الموجود في رعايتهم منذ آلاف السنين. هذا الإرث العالمي لم يتعرض من قبل لتهديدات خطيرة و مدمرة كالتي تواجهه الآن، و تدور مناقشات دولية مكثفة حول هذا الموضوع و أفضل طريقة لحفظ القطع التي تعود لعصور قديمة وسط الحرب و التطرف الديني.
و تطرح تساؤلات حول ما إذا كان على هواة جمع الآثار و المتاحف العالمية و المؤسسات الدولية و وكالات الشرطة إيقاف إعادة الآثار، التي يشك بأنها مسروقة، إلى موطنها الأصلي، حيث توجد آلاف القطع من سوريه. بعض مدراء المتاحف و علماء الآثار يؤيدون الاقتراح الذي يفضل احتجاز أو "Partage" الأعمال المعرضة للخطر التي نقلت بشكل غير قانوني من دولها الأصلية. و في هذا السياق مصطلح partage يعني مشاركة الدولة في آثارها القديمة و هو نظام استعماري ، أو حتى استشراقي، طبق بداية القرن العشرين في مصر و العراق و تركيا و أفغانستان، و يرمي إلى تقسيم ملكية الآثار المنقب عنها .أنصار هذا النظام يكونون عادة سريعين في الإشارة إلى أن الدول المتطورة سوف تحتفظ بكنوز الدول المعرضة للخطر في مكان آمن و لا يكون ذلك أبديا، و لكن على الأقل احتجازها حتى ينتهي الصراع و يتم ضمان أمن القطع الأثرية التي لا تعوض.
و مؤخرا ذكرت صحيفة نيويورك تايمز ، و نظرا للعنف في العراق و سورية و أفغانستان و شمال إفريقيا، أن المدير السابق لمتحف Walters Art في بالتيمور الأميركية ، يرى أنه ينبغي على المتاحف اتخاذ حذر أكبر فيما يتعلق بالاندفاع من أجل إعادة الآثار المسروقة. و كلامه قائم على القلق المزعوم على أمن الآثار حين تصل إلى دولها الأصلية.
هذا الرأي لم يلق دعما كبيرا في سورية ،لأن اعتناقه يعني تأجيلا خطيرا لاستعادة الآثار السورية المنهوبة و المهربة. و المسؤولون و الدارسون السوريون الذين قابلتهم عبروا لي عن رفضهم الساحق لهذه الرأي،و كذلك رفض الرأي العام السوري. و أشار بعضهم إلى أن استغلال الجنون التدميري لدى الدولة الإسلامية من أجل الاتفاق على عدم إعادة الآثار، يهدف إلى تبرير ممارسات مخزية و يحمل الرائحة الكريهة للاستعمار الجديد.
و في حقيقة الأمر، دعم الإعادة الفورية للآثار كسب أرضية كبيرة في أوساط الآثار خلال السنوات الماضية، و هذا هو موقف مسؤولي الآثار في سوريه. و الرأي المذكور أعلاه لاقى اعتراضا من قبل الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة بما فيها اليونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة) التي عارضت بشده حيازة المتاحف و هواة جمع الآثار لقطع أثرية إذا كانت غادرت موطنها بعد عام 1970.
و سياسة اليونيسكو تركز على إعاقة تهريب الآثار مع التأكيد على سيادة الدول التي تعتبر الموطن الأصلي لها. و لاقت فكرة إعادة الآثار الدعم من معاهدات دولية و قانون العرف الدولي و قوانين دول كثيرة بما فيها دول الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة و كندا.
و التيار الحالي يتمثل باتفاق المتاحف و تجار الأعمال الفنية على إعادة القطع الأثرية الموثقة بشكل غامض أو المشكوك في أمرها إلى سوريه، أي القطع التي تمت حيازتها في ظروف غامضة.
ريكاردو ل, اليا، عالم آثار من جامعة بوسطن، يؤمن بأن السوق الغربية للآثار كانت الحافز على نهب مواقع أثرية عالمية ، و قبل أسبوع قال عبر صحيفة النيويورك تايمز : "إنها فقط مسالة وقت قبل أن يحاول البعض من جمهور جمع الآثار قلب هذا الكابوس الحضاري لصالحهم بتأييد الاحتفاظ بالآثار المسروقة في مكان آخر".
و لكن بعض علماء الآثار يقولون بأن النهب الذي تقوم به مجموعات الجهاديين و المتطرفين في سوريه يشكل تحديا لاستقامة اليونيسكو ، لأن الآثار التي لا تعوض تعتبر ملكا عاما للجنس البشري، و بذلك فان إعادتها بالجملة يشكل خطرا على الإرث الحضاري. و هذا الرأي يؤمن بأن الدول، التي تعتبر الموطن الأصلي لهذه القطع الأثرية، قد لا تستطيع حماية و حفظ آثارها لاسيما في فترات الصراعات العنيف كالتي في العراق و سورية.
قال السيد بيتر تومبا، النائب السابق لمدير لجنة قانون الإرث الحضاري و الفني التابعة لجمعية بار الأميركية: "إذا كانت شعوب تلك البلدان على خلاف بل و حتى عداء لإرثها الحضاري، فما هي الحكمة من إعادته لها؟ لتجاهله أم تدميره؟؟".
غير أن هذا الرأي مرفوض حتى الآن، و اتحاد مدراء متاحف الفن، و الذي يضع الخطة التوجيهية لحوالي مائتين و خمسين متحفا في الولايات المتحدة، يحث أعضاءه على التعاون بشكل كامل عندما تتعرض الآثار التي في حوزتهم للريبة ، و تدعم الجمعية الإعادة الفورية للآثار السورية المسروقة و المهربة....و هذه الممارسة هي الأجدر بالتقدير بحيث لا يضعف أو يحجب حق سورية في حيازة و حماية آثارها المسروق.. و بشكل متزايد، و وفقا لليونيسكو، تبدو وزارة الثقافة السورية و الهيئة العامة للآثار و المتاحف التابعة لها، قادرتين جدا على حماية الآثار و تجهزان من أجل عرضها و عودة السائحين حالما تنتهي الأزمات.
*كاتب اميركي معني بالسلام في الشرق الأوسط، آخر كتبه حمل عنوان: "ارث سوريه المعرض للخطر، المسؤولية الدولية لحمايته و حفظه"
عن موقع Counter Punch
الجمل
إضافة تعليق جديد