العراق....قصة بطولة
الجمل ـ *وقار رضوي ـ ترجمة رندة القاسم:
أمة واقعة تحت هجمات الغرباء الساعين إلى تدمير الدولة و تشويه معتقد الأغلبية ، تنهض الآن للدفاع عن نفسها اثر دعوة لحمل السلاح أطلقها عالم دين.
و بشكل متزايد تنضم الأقليات ،العرقية و الدينية، إلى صفوف المقاتلين المتطوعين الذين يتمثل هدفهم في دعم جهود قوات وطنهم المسلحة الرامية لاستعادة السلام و الاستقرار لكل المواطنين. و عوضا عن دعم نضالها للتحرر من عدو متطفل و وحشي، وبخ العالم قوات التطوع في هذا البلد بزعم أنها تزيد التوتر و الانقسام الداخلي، و أن الغرباء سيكونون بسببها أكثر قدرة على كسب دعم كاف لارتكاب فظاعاتهم.
و في خضم دعوته لحمل السلاح، هاجم رجل الدين أولئك الذين بقوا بعيدين عما اعتبره واجب ديني يتمثل في تخليص الأمة من أعداء الشعب و طالب بمعاقبتهم بقسوة. و تمسك العالم بهذه الكلمات، و استخدمها كغطاء مناسب لما يعتبرونه حاجة ملحة و هو تقسيم البلد، و مشروع محتلي الأمس القديم المتمثل بعبارة "فرق تسد" عاد إلى الواجهة.
الأمة الآن عند مفترق طرق، فهل تسمح للغرباء بتقرير مصيرها، أو تقف بقوة و بصفوف متراصة و تقاتل من أجل الدخول إلى مستقبل أفضل و موحد من أجل أجيالها القادمة؟
إنها قصة العراق التي لا تسمعها دائما، أو تهتم بسماعها. أبطال العراق، المقاتلون لإنقاذ وطنهم، ينظر إليهم العالم على أنهم شيء ما، بينما يمنح الاهتمام لجنود محتل الأمس، بغض النظر عن جرائمهم المطلقة، المعروفة و غير المعروفة، في هذه الأرض الغريبة،و يعتبرهم الأبطال الحقيقيين. إنها منطقة الشفق حيث يبدو و كأن هناك في الوقت ذاته حقيقتان متوازيتان، بينما واحدة فقط هي الحقيقية فعلا.
منذ اللحظة التي ثبت عدم صدق فانتازيا دونالد رامسفيلد، حول العراقيين المرحبين بقوات بلده على أساس أنهم "محررون"، و الرواية حول العراق تقتصر فقط على الحديث عن الطائفية و الانقسام.
و حقيقة أن مضطهدي الأمس من الغالبية الشيعية قد وصوا للسلطة بشكل طبيعي نتيجة الديمقراطية تحولت إلى نقاش متحيز مفاده أن الشيعة يثأرون من السنة و الأقليات الأخرى، بغض النظر عن ندرة هكذا حوادث.
تقسيم العراق حلم لدى الكثيرين، بما فيهم نائب الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، الذي تبنى فكرة دول منفصلة ضمن العراق منذ عام 2006، و كذلك الكونغرس الأميركي حيث تقدم بمذكرة من أجل الدفاع تعتبر القوات السنية و الكردية دولا منفصلة مع حق الحصول على دعم أميركي خاص.
و شرعية الممالك الدكتاتورية ضمن حدودها قائمة على إثبات أن العراق منذ سقوط صدام حسين لم يعد قادرا على الوقوف وحده كدولة قوية. فمن دون وجود عراق ديمقراطي ضعيف، تخشى مشيخات المنطقة من رؤية انهيار قصورها أمام أعينها، إذ ستدرك شعوبها حينها أنها هي أيضا يمكنها الوقوف دون الحاجة لقادتها الدمى.
و أسهل الطرق لضمان الانقسام في عقول و قلوب العراقيين هو اللجوء إلى بعبع إيران. و ضمن هذه المظلة ، يمكن القول أن "ميليشيات" إيران هي من تعمل بوحشية في العراق، بل أن إيران تريد بناء دولتها في العراق. و هذا يبدو لا شيء أقل من قصة مختلقة مدروسة بعناية.
آية الله سيستاني، أعلى مرجعية دينية في العراق و الذي أطلق الدعوة إلى حمل السلاح للمتطوعين من أجل القتال ضد سرطان داعش، أوضح أن هذا كله لأجل الحفاظ على العراق. و إذا كانت إيران قد قدمت مساعدة للعراق، فهذا لا يعني أنها مُنِحَت سيادة العراق. و من الجنون توقع عدم اشتراك إيران في أزمة داعش في العراق ، فمع وجود حدود مشتركة، تحتاج إيران لعراق مستقر و قوي لضمان أمنها.
و عبر المتحدث باسمه، تحدث آية الله سيستاني عن استقلال العراق قائلا: "نحن فخورون بوطننا و هويتنا و استقلالنا و سيادتنا. و بينما نرحب اليوم بأية مساعدة من قبل أخوتنا و أصدقائنا في معركتنا ضد الإرهابيين و نشكرهم على ذلك، فان هذا لا يعني بأي حال أننا نتجاهل هويتنا و استقلالنا، فلا آية الله خامئني ولا أي شخص آخر في المؤسسة الإيرانية قد تحدث عكس ذلك، و استقلال العراق أمر أساسي بالتأكيد".
و طالما كانت هناك جهود لإظهار خلافات في الرأي بين علماء الدين في العراق و إيران، و مع ذلك ،و رغم وجود بعض الاختلافات، فان التعاون بين حكومتي و علماء البلدين أثبت عكس ذلك. فالقتال ضد داعش قرب بين حكومتي و علماء البلدين، و كانت إيران أول من ساعد العراق ضد داعش، و هناك لقاءات دائمة بين مسؤولين إيرانيين و آية الله سيستاني، و العكس صحيح مع التقاء ممثلي الأخير بآية الله خامئني. و افتراض الانقسام بين علماء و حكومتي الدولتين ليس سوى خطأ في التقدير.
مواقف آية الله سيستاني تؤكد الوحدة ،رغم صعوبة أن يتقبل هذه الحقيقة أولئك الذين في الداخل و الخارج و العاملين على تأكيد انقسام العراق .و هو لم يقم فقط بانتقاد و المطالبة بمحاسبة كل من يثبت أنه أخطأ من القوات المتطوعة، أو حتى القوات الرسمية الحكومية، بل أصدر أيضا دليلا توجيهيا للقتال في أرض المعركة. و في مقطع صغير من هذا الدليل تقرأ: "لا تنغمسوا في أعمال متطرفة، لا تمثلوا بالجثث الميتة، لا تلجؤوا للخداع، لا تقتلوا عجوزا، لا تقتلوا طفلا، لا تقتلوا امرأة، و لا تقطعوا شجرة إلا إذا اقتضت الحاجة".
منذ البدايات الأولى تم الاستخفاف بقوة علماء الدين في العراق، مثل آية الله سيستاني، و ذلك من قبل القوات المحتلة و الملكيات الدكتاتورية في المنطقة. و طالب العلماء أن يكون بلدهم مستقلا و متحررا من الاستعمار و الفساد، و مبنيا على الشفافية و المحاسبة و العدالة لكل العراقيين بغض النظر عن العقيدة أو العرق أو الانتساب القبلي.
و بالنسبة لكل المبالغات بالحديث عن سيطرة إيران و التقليل من سيادة العراق في هذا القتال، تخبرنا تصريحات القوات المتطوعة بالحقيقة؛ هادي الأميري، المسؤول عن منظمة بدر، أكد أن الكلمة الفصل بخصوص "وحدات التعبئة الشعبية"هي للدولة العراقية و قال: "بعد فتوة السيد سيستاني، لم يكن أمامنا خيار سوى حمل السلاح و القتال.إنها أسلحة الدولة، فمنظمة بدر لا تملك أي سلاح".
كحال أي تقرير عن الشرق الأوسط، كان العراق ضحية الرواية المسلوبة. و حان الوقت ليطالب العراقيون بالسيطرة على هذه الرواية، و مع ضمان هزيمة الأعداء الرامين إلى تدمير وطنهم، يجب أن يضمن العراقيون أيضا أن يكون هذا القتال في الطريقة الصحيحة، و الحفاظ على استقلالهم عن الجميع. و عسى أن يكون هذا القتال الجوهري ضد داعش البداية لمستقبل أفضل لكل الشعوب و القبائل و الاثنيات و الأقليات في عراق موحد و قوي و مستقل.
*محلل سياسي باكستاني مقيم في إيران، و مهتم في اللاهوت و الفلسفة و الهندسة.
عن موقع Press TV
إضافة تعليق جديد