داعش ..وليدة تناقض الغرب أم عجرفته ؟
الجمل ـ *فلاديمير ماشين ـ ترجمة رنده القاسم:
لقبل عقد من الزمن، كان قلة من مواطني العواصم الأوروبية يشكون في أن المهاجرين من آسيا و إفريقيا ، ذي الأغلبية المسلمة، الذين سمح لهم بالاستقرار في العالم القديم، سيتخلون بسهولة عن معتقداتهم و عقائدهم، و سيشعرون بالامتنان لأولئك الذين وفروا لهم أسقفا فوق رؤوسهم و إمكانية كسب مورد للعيش، و سيقومون بسرعة و دون تردد بقبول الأوامر و قواعد الحياة و القيم في الموطن الجديد، و سيتكيفون مع أسلوب الحياة و يندمجون عضويا مع البيئة الأوروبية.
غير أن هذا لم يحدث، و رغم التمكن إلى حد ما من تحقيق الخطط المتعلقة بالأجيال الأولى من المهاجرين ، إلا أن الأحداث التالية تطورت باتجاه غير متوقع. و الآن المهاجرون، أو العمال الأجانب و الذين لا يعتبر وجودهم أساسيا في الدول الأوروبية الغربية فحسب بل من دونهم لا يمكن للاقتصاد أن يمضي بشكل صحيح، أضحوا يشكلون مشكلة هي الأكثر حدة و إزعاجا بالنسبة للاتحاد الأوروبي. و عمليا اعترفت كل الحكومات الغربية بفشل التعدد الحضاري ، و هناك أسباب كثيرة وراء ذلك، و لكن ربما أهمها هو الموقف المتعجرف تجاه الحضارات و المعتقدات و العادات الأخرى، و المعرفة الضحلة بشعوب الشرق. و هذا أدى إلى تدهور خطير للوضع في منطقة المتوسط و الشرق الأوسط القريبة إلى شواطئ أوروبا و بالتالي التطورات هناك تؤثر بشكل مباشر على الوضع في الاتحاد الأوروبي.
و حقيقة أن الجيل الرابع من المسلمين في القارة كانوا أكثر تدينا من أجدادهم و آبائهم شكلت مفاجئة بالنسبة للأوربيين: 40% من المسلمين في بريطانيا يؤيدون تطبيق قانون الشريعة. و بينما كان 7% فقط من المسلمين في فرنسا تحت الخامسة و العشرين يذهبون إلى الجامع عام 1989 ، أضحت النسبة الآن 23%. و 90% من المسلمين الفرنسيين يلتزمون بصرامة صوم رمضان، و الرأي العام يقول بأن فرانس هولاند كسب الانتخابات الرئاسية بدعم 85% من مسلمي فرنسا.
و الآن تعج وسائل الإعلام العالمية بالتقارير حول الاضطرابات و الخلافات بين النخب في الاتحاد الأوروبي حول ما يجب القيام به حيال عشرات الآلاف من المهاجرين الساعين إلى حياة أفضل بمحاولة عبور البحر الأبيض المتوسط إلى الجانب الأوروبي بأي طريقة، و من الواضح أنه مع بداية أشهر الصيف ستغدو هذه المشكلة أكثر تفشيا. و في النهاية سيطر الخوف على الأمر، و فكرة قيادة عمليات عسكرية على الشاطئ الإفريقي ضد المهاجرين غير الشرعيين لاقت دعما ، و كما كتبت الصحيفة الألمانية Die Welt في التاسع عشر من أيار الماضي: "الهدف من هذه العمليات إضعاف نموذج عمل شبكات المهربين و ناقلي المهاجرين عبر البحر المتوسط".
و مع ذلك، تفاقم الخلاف حول معالجة مشكلة المهاجرين ضمن دول الاتحاد الأوروبي. و لكن لا يمكن الوصول إلى اتفاق حول هذا الأمر و أمور أخرى متعلقة بالعالم الإسلامي، و وفقا للصحيفة البريطانية Daily Telegraph العدد الصادر في الخامس من آذار 2015 نقرأ: "نادرا ما بدت الوحدة الأوروبية حيوية هكذا، و مع ذلك نادرا ما كانت تحت تهديد كالذي تتعرض له الآن".
غير أن القلق الأكبر في عواصم الاتحاد الأوروبي سببه التوسع السريع لمنطقة عمليات المنظمات الإسلامية المتطرفة و ظهور وحش مثل داعش يملك نفوذا بين المسلمين و غير رحيم بالحضارة الغربية. كيف و من أين أتى هذا الخطر بين ليلة و ضحاها؟ هذا ما حير الكثيرين في الغرب. و الجواب المقنع على هذا السؤال توفره الكثير من مصادر المعلومات. فعلى سبيل المثال، في 27 أيار 2015 ورد في النسخة الأميركية من Judicial Watch أن الاستخبارات العسكرية الأميركية قامت عام 2013 بتزويد معلومات حول تشكيل بنية داعش، و لكن في ذاك الوقت وصفهم الرئيس أوباما باستخفاف ب "فريق جانبي" رغم أن وكالة الاستخبارات DoD (التابعة لوزارة الدفاع الأميركية) حذرت من تعزيز المنظمات الإرهابية و احتمال إنشاء الخلافة،و هذا التقرير أرسل في الخامس من آب 2012، و بشكل خاص قال إن سوريه على وشك الدخول في صراعات دينية و أن القوة المحركة وراء حركة التمرد في سوريه ليس المسلمون المعتدلون و إنما السلفيون، الأخوان المسلمون و القاعدة في العراق، إذ تعارض الأخيرة حكومة الأسد و تعتبرها "نظام هرطقي". و صرح المتحدث الرسمي باسم الدولة الإسلامية "أبو محمد العدناني الشامي" بأن "النظام السوري،و طليعة "جبهة الشيعة" هم من أعلنوا الحرب على السنة، و تؤمن القاعدة في العراق أن مسألة السنة في العراق أساسية لكل العرب و المسلمين السنة.
ما بين عامي 2009 و 2010 تضاءل نفوذ القاعدة العراقية في الأقاليم الغربية ، غير أن السلطات القبلية الدينية بدأت التعاطف مع المتمردين بعد بدء "الانتفاضة" في سوريه. و يقول التقرير أن الاستخبارات الأميركية مررت معلومات إلى قيادتها حول تزويد المجموعات المتطرفة بأسلحة من ليبيا عبر تركيا.
تم تجهيز قاعدة بيانات بليغة جدا من قبل لجنة خاصة تابعة لمجلس الأمن في منظمة الأمم المتحدة متعلقة برصد العنف الإسلامي، و هي مبنية على معلومات من قبل خدمات استخبارات و أمن في 27 دولة عضو في المنظمة. و تضم الأرقام التالية: مع بداية الربيع العربي، أي خلال السنوات الأربع الأخيرة، بلغ عدد المقاتلين في سورية و العراق حوالي اثنين و عشرين ألف رجل، و إضافة إلى ذلك انضم عشرون ألف أجنبي إلى المنظمات الجهادية في سورية و العراق. و في عددها الصادر في 28 أيار 2015 ذكرت صحيفة Financial Times أن عدد القادمين من الميليشيات من حوالي مائة دولة يقترب من خمسة و عشرين ألف.
و خلص التقرير آنف الذكر إلى أن المنظمات الإرهابية تخلق تهديدا لم يسبق له مثيل للأمن في الحاضر و المستقبل، و أكد على أن الكثير من الحكومات لم تدرك بعد حجم الخطر. و منذ آذار 2014 لوحظ زيادة بنسبة 70% في عدد الميليشيات الوافدة ، و النتيجة كما ذكر التقرير: "أضحت سوريه و العراق مشتلا دوليا للتطرف، شبيها بذاك الذي أنشأته القاعدة في أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، و لكن على مقياس أكبر" .
وفقا لما نشرته صحيفة الديار اللبنانية في 31 أيار 2015، قام ممثل الدولة الإسلامية في السعودية ،عبر خطاب مسجل على شريط فيديو، على حث شباب المملكة للانضمام إلى المجموعة و تطهير شبه الجزيرة العربية من أعداء الإسلام و خاصة الشيعة، و الذين وصفهم ب "المرتدين الكفرة" و لهذا "من الضروري تخليص الأرض من وجودهم"، مؤكدا على أن حكومة الملك سلمان "غير قادرة على حماية السنة".
يزداد عدد الداعمين للخلافة الإسلامية في دول الخليج، الأمر الذي تشهده شبكات التواصل الاجتماعي، و نفس الأمر يحدث في الجاليات المسلمة في أوروبا الغربية.و تقريبا كل يوم ترد تقارير عن مذابح ارتكبتها داعش، و بالتأكيد يغدو الوضع في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا أكثر خطورة.
و في هذا الوقت، يركز قادة الاتحاد الأوروبي على أزمة أوكرانيا و يناضلون لفصلها عن روسية، و يبدو أنهم يستخفون بالتهديد الوشيك لدولهم. و يحذر خبراء كثر ، بما فيهم غربيون، من خطر هجمات إرهابية جديدة ( بين المهاجرين إذ قد يكون بينهم أشخاص ينتمون للدولة الإسلامية) و يقول البعض أن القادة الحاليين لما يسمى "الخلافة" ، يسعون لامتلاك أسلحة دمار شامل. لهذا فان نتائج قصر النظر لدى الغرب قد تكلف الكثير من الأرواح.
*معلق سياسي روسي و بروفيسور في التاريخ .
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه
الجمل
إضافة تعليق جديد