سياسة الشنق وإعدام الأسرار عبر التاريخ
الجمل: منذ لحظة تنفيذ أول جريمة قتل في هذه الدنيا –بين قابيل وهابيل كما يقال- تفنن البشر في تطوير تكنولوجيا القتل والفتك بالآخر، وإزهاق روحه.
الأفراد والجماعات يمارسون القتل بعشوائية وفوضى دون التقيد بأي ضوابط. أما الدول ومؤسساتها الرسمية المختصة بالقتل، فأصبحت تحاول تطبيق المزيد من الـ(معايير الإنسانية) في الرأفة والرحمة بالآخر عند القيام بعملية قتله وإزهاق روحه.
من الوسائل الأكثر شيوعاً في تنفيذ عمليات الإعدام والقتل الرسمي نجد الـ(مشنقة) والتي يُشار إليها في اللغة الانكليزية بكلمة (Gallows) والتي تفيد بمعنى وجود هيكل خشبي تتدلى منه أنشوطة تستخدم لأغراض الشنق.
التطورات المعاصرة في علم الميكانيكا، بشقيه الديناميكا والاستاتيكا، أدت إلى قيام مؤسسات القتل المختصة بتطوير تكنولوجيا المشنقة وتقنية عملية الشنق، بحيث أصبح يتم بناء قاعة مخصصة لتركيب المشنقة وتنفيذ عملية الشنق، كذلك أصبح يتم استخدام أنواع معينة من الحبال والتي يتم تصنيعها وفتل لفائفها بطريقة معينة.
كذلك تم تطوير وترقية عملية الشنق، (حتى لا تنقطع رقبة الشخص المشنوق وينفصل رأسه عن جسده) بتطوير معادلة حسابية تربط بين طول الحبل المستخدم في عملية الشنق، ووزن جسم الشخص المطلوب إعدامه، وطول قامته، وأيضاً المسافة التي يتوجب أن يسقط فيها جسد هذا الشخص (سقوطاً حراً)، بحيث تكون قوة اندفاع سقوط جسده لأسفل بفعل الجاذبية الأرضية كافية لفصل الفقرة الثانية في رقبته، على نحو يكفي لقطع نخاعه الشوكي وبالتالي يفقد أي إحساس بالألم، ويعقب ذلك انقطاع جريان الدم بين رأسه وجسده، وأيضاً انقطاع التنفس بسبب ضغط الحبل على الرقبة، ومن ثم يلفظ (المسكين) روحه بعض بضعة دقائق على الأقل.
السياسة كالعادة، مثل السرطان، أصبحت تدخل في كل شيء، وتشير التقارير والتحليلات بإجماع هائل إلى أن مشانق العراق التي تم نصبها لإعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ورئيس مخابراته السابق الراحل برزان التكريتي، ورئيس محاكم ثورته السابق الراحل عواد البندر، وإن كانت مشانق تهدف إلى تصفية الحسابات القديمة، فقد هدفت من بين ما هدفت إليه إعدام غاية الأسرار الهائلة التي توجد في ذاكرة صدام حسين.
يقول يفغيني بريماكوف بأن صدام حسين قد تم إعدامه بسرعة كي لا يجد الفرصة من أجل أن يقوم الـ(كلمة الأخيرة)، والتي سوف يكشف فيها المعلومات الخطيرة حول علاقات واشنطن السابقة مع نظامه السابق.
ويرى بعض المحللين أن إفصاح صدام حسين عن أسرار تفاصيل علاقاته السابقة مع واشنطن سوف يترتب عليه إعادة كتابة تاريخ الكثير من الحقائق المتعلقة بأحداث منطقة الخليج العربي، والشرق الأدنى، وشرق المتوسط.. فقد تعاون صدام حسين مع الأمريكيين وحلفائهم في:
- الحرب الأهلية اللبنانية.
- الحرب العراقية- الإيرانية.
- الصراعات في إقليم كردستان (كان صدام يدعم وبغطاء أمريكي حزب العمال الكردستاني التركي..).
- الصراعات في مناطق العالم الأخرى.. (هناك توقعات بأن تكون أمريكا قد نفذت الكثير من العمليات السرية في بقاع العالم الأخرى عن طريق المخابرات العراقية السابقة).
المعلومات الحقيقية المتعلقة بالكثير من الأحداث والوقائع حول الدور الأمريكي الخفي والسري في منطقة الشرق الأوسط حملها صدام حسين معه إلى قبره في بلدة العوجة العراقية بعد إعدامه، وما يتداوله الناس حالياً هو التاريخ البديل، الذي يعكس نقيض الصورة ويطرح الكثير من قصص السيناريوهات البديلة.
وليس الأمر حصراً على الراحل صدام حسين فقط، فقد قتل ستالين وزير داخليته ومستودع أسراره بيريان ولم ينس الامبراطور الروماني يوليوس قيصر أن يقول وهو يلفظ آخر أنفاسه لصديقه الذي غدر به (حتى أنت يا بروتس).
تعريف فلسفة التاريخ للتاريخ يقول: إن التاريخ هو عبارة عن حدث فعّال يحدث في زمان ومكان معينين، ويمكن أن نفسر أبرز مكونات هذا التعريف على النحو الآتي:
• (حدث فعال) يقصد بها أن يكون للحدث فعالية، فمثلاً عملية موت عصفور على إحدى الأشجار قبل خمسة قرون تعتبر حدثاً لا تاريخاً، لأنها بالطبع ليست حدثاً فعالاً.. وبالتالي يتم إسقاط صفة التاريخية عنها.
• (يحدث) ويقصد بها أن يكون الأمر قد حدث فعلاً، وأصبح في فعل الماضي.
• (مكان وزمان): الحدث لا يمكن أن يتم خارج الزمان والمكان لأنهما يمثلان أبرز خصائصه الضرورية اللازمة.
كيف نكتب التاريخ الحقيقي؟ هو سؤال يمكن صياغته بطريقة أخرى عن طريق سؤال آخر هو: كيف نخلّص التاريخ الحقيقي من التاريخ البديل، بحيث نعثر على الحقيقة، (الحقيقة كلها كما يقول روجيه غارودي)، لقد أعدموا صدام حسين، ورئيس مخابراته برزان التكريتي.. وبرغم ذلك يبقي التحدي ماثلاً بقوة أمام المؤرخين المعاصرين، والذين أصبح مطلوباً منهم مقاربة الحقيقة عن طريق استنطاق لحاء الأشجار وصمم الحجارة، وإن يكن ذلك، فلا مستحيل تحت الشمس.
الجمل قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد