نجاح صاروخ صيني جديد في تدمير قمر اصطناعي

الجمل:   يعتبر خبر إطلاق الصين لصاروخ استهدف بنجاح عملية تدمير أحد الأقمار الصناعية الصينية، من أبرز الأخبار، برغم حدوث هذه التجربة في وقت تركز فيه أجهزة الإعلام والأخبار ومراكز الدراسات على صراعات الشرق الأوسط المتزايدة، إلا أن تجربة إطلاق الصاروخ الصيني هذه تعتبر الأكثر أهمية وذلك على أساس اعتبارات دلالاتها على:
- التوازن الاستراتيجي الدولي الحالي.
- سباق التسلح.
- التنافس في التكنولوجيا المتطورة.
- السيطرة على الفضاء.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية الشرقية، بدا واضحاً للجميع أن النظام الدولي قد انتقل من حالة القطبية الثنائية إلى حالة القطبية الواحدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الدولة التي تقف على قمة المعسكر الغربي الرأسمالي الذي خرج منتصراً من معركة الحرب الباردة.
مع الساعات الأولى التي بدا فيها بوضوح أن نتيجة حرب الخليج الأولى التي انتهت بهزيمة العراق وإخراجه من الكويت تأكد أن دواليب قاطرة النظام الدولي الجديد قد بدأت الحركة والدوران، وأعلن الرئيس بوش الأب آنذاك عن مولد النظام الدولي الجديد، والذي أكد بأنه سوف يكون نظاماً ليبرالياً يعتمد اقتصاديات السوق الحر والانفتاح غير المحدود، بين دول العالم، وبأن أمريكا سوف تواصل المسيرة، وسوف تقود حلفاءها من أجل نشر الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان واعتماد اقتصاديات قوى السوق.
وعلى خلفية أهازيج النصر، بدأت جماعة المحافظين الجدد في صياغة برنامج القرن الأمريكي الجديد، وذلك بهدف تخطيط نظام الأمن الدولي على النحو الذي يكفل لأمريكا الإبقاء على زعامتها للعالم لمئة سنة قادمة.
وفي زخم الأحداث وتصاعد ظاهرة الإملاءات الأمريكية وحيدة الاتجاه على بقية دول العالم برزت بعض الآراء التي أكدت من جهة، وشككت من جهة أخرى في مصداقية انفراد أمريكا بقيادة العالم، مع أقلية رفضت تبنّي حكماً محدداً وفضّلت البقاء على طريقة دعنا ننتظر ونرى.
معسكر المتشككين في مصداقية قيادة أمريكا للعالم، كان يراهن على عدة قوى باعتبارها الأقرب إلى الصعود ومنافسة أمريكا في زعامة العالم، وكانت القوى موضوع الرهان هي:
• روسيا: باعتبارها وريثة الاتحاد السوفييتي وترسانته النووية والفضائية، وامتلاك الموارد الطبيعية الضخمة، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي الهام الذي يربط بين قارتي آسيا وأوروبا.
• دول الاتحاد الأوروبي: باعتبارها الدول التي ظلت تحقق التقدم والنجاح في كافة المجالات التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية والمالية، لذلك فإن تنفيذ مشروع الوحدة الأوروبية سوف يؤدي إلى ظهور دولة عظمى جديدة في العالم.
• الصين: كان الرهان على الصين صغيراً وقليلاً في حجمه مقارنة بالقوى العظمى المحتملة الأخرى، وذلك لأن اقتصاد الصين في عام 1991 (عند ظهور النظام الدولي الجديد) كان يعادل 7% فقط من اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك كان المتفائلون بنمو قوة الصين، يراهنون على إمكانية ذلك، لكنهم يرون أن الصين مهما تنامت قوتها، فإن تأثيرها لن يتعدى ويتجاوز نطاق الدول الآسيوية المحيطة بها.
خلال فترة الـ16 عاماً الماضية، ظلت الإدارات الأمريكية أكثر اطمئناناً على مكانة الولايات المتحدة، وتربعها على عرش النظام الدولي الجديد، والذي أرادت له الإدارة الأمريكية أن يكون على شكل هرم، تتوزع في اتحاده دول العالم على النحو الآتي:
- قمة الهرم:  (الدولة العظمى) الولايات المتحدة الأمريكية.
- أسفل قمة الهرم: (الدول الكبرى) حلفاء الولايات المتحدة مثل: فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين.
- وسط الهرم: (الوكلاء الإقليميون) الدول النامية المتطورة نسبياً والتي تعمل بالوكالة عن الولايات المتحدة في مختلف أقاليم العالم، مثل تركيا في الشرق الأدنى، ومصر في شمال افريقيا، والسعودية في الخليج العربي..).
- قاعدة الهرم: وتضم بقية دول العالم الصغرى والأقل نمواً، إضافة إلى أنه يتوجب على الولايات المتحدة وحلفائها تبني توجهات سياسة تهدف إلى دفع الدول المعارضة للهيمنة الأمريكية إلى هذه المجموعة: أي إلى قاعدة الهرم، وهو ما فعلته الإدارة الأمريكية مع العراق، ويوغسلافيا وتحاول حالياً أن تفعله مع إيران.
حاولت أمريكا فرض وتوطين قواعد علبة النظام الدولي خلال الأعوام الماضية وفقاً لأطروحة مؤتمر برنستون، التي شددت على ضرورة تطبيق مشروع يتضمن ستة معايير لجهة تنفيذ سياسة أمريكية فاعلة خلال فترة القرن 21:
• المعيار الأول: أن تعمل أمريكا بشكل متعدد الأبعاد والجوانب (أي مثل السكين السويسرية) بحيث تكون أمريكا قادرة على نشر مختلف الأدوات والوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية في عدة مواقف وعدة أماكن.
• المعيار الثاني: أن تعمل أمريكا على تحقيق التكامل بين القوة العسكرية بالقوة الاقتصادية والقوة السياسية، بشكل يحقق المساندة بين عملية استخدام القوة العسكرية المفرطة، والقوة السياسية الأقل إفراطاً.
• المعيار الثالث: أن يكون التركيز حصراً على تحقيق المصالح بدلاً من تحقيق التهديد وقوة الردع، وذلك بالشكل الذي يعطي أمريكا المرونة في بناء التعاون مع البلدان التي لا تستطيع أمريكا ردعها حالياً بسبب قوتها العسكرية.
• المعيار الرابع: يجب أن تركز أمريكا في استراتيجيتها على الأمل الدائم المتجدد وعدم اليأس والقنوط، فما لا يتحقق اليوم، على الأغلب أن يتم تحقيقه غداً أو بعد غد، وبالتالي يكون كل ما هو مطلوب إزاء المواقف الصعبة يتمثل في الانتظار إلى حين تتغير الأوضاع ويصبح الأمر ممكناً.
• المعيار الخامس: العمل من الجهتين في وقت واحد، أي أن تتزامن الجهود الداخلية مع الجهود الخارجية، والجهود المباشرة مع الجهود غير المباشرة، وذلك بحيث تساند وتدعم الجهود بعضها بعضها بعضاً.
• المعيار السادس: يجب أن تتكيف الاستراتيجية الأمريكية مع المعطيات المتجددة لعصر المعلومات وثورة المعلوماتية.
وبناء على معطيات استراتيجية الهيمنة الأمريكية، ظلت الإدارة الأمريكية الحالية، تتدخل وتدسّ أنفها في شؤون كل بلدان العالم:
- مطالبة بلدان العالم بإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية.
- مطالبة بلدان العالم بتقليل نفقات الدفاع وتخفيض ميزانياتها العسكرية.
- مطالبة بلدان العالم بتخفيض قيمة عملتها، من أجل الحفاظ على قوة الدولار.
- مطالبة بلدان العالم بمساعدة ودعم الولايات المتحدة في مهامها الجديدة، التي تقوم بها في أفغانستان والعراق وتسعى للقيام بالمزيد من هذه المهام مستقبلاً في الكثير من بلدان العالم الأخرى.
التجربة الصاروخية الصينية أدت إلى كسر احتكار الولايات المتحدة لأجندة أمن وعسكرة الفضاء الخارجي، وذلك على النحو الذي أصبحت فيه كل الأقمار الصناعية الأمريكية الموجودة في أعماق الفضاء مهددة بسبب وقوعها على مرمى الصواريخ الصينية الفضائية.. وبالتالي فإن شبكات الانترنت الأمريكية العملاقة (التي تمثل البنية التحتية للثورة المعلوماتية) أصبح من الممكن أن يتحدد مصيرها بصاروخ فضائي صيني واحد.. كذلك الأسلحة (الذكية) الأمريكية التي يعتمد تشغيلها على الأقمار الصناعية مثل قاذفات (بي-52)، ودبابات ابراهام، وصواريخ توماهةك، وطائرات الأواكس، وطائرات اف14- 15- 16- 17- 18.. وغيرها أصبح من الممكن للصين استهداف الأقمار الصناعية التي تزودها بالمعلومات والتوجيه.
إن تجربة الصاروخ الفضائي الصيني تشير إلى أن أمريكا لم تعد وحدها تحدد قواعد لعبة السيطرة على العالم.
وإضافة لذلك يمكن القول: إن هذه التجربة الصاروخية سوف تؤدي إلى فتح بوابة سباق التسليح وبالذات برامج حرب النجوم من أوسع أبوابها، وهو أمر سوف يرهق الإدارة الأمريكية بقدر كبير، بسبب تورطها الحالي في العديد من الحروب البرية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة