توافق نفطي روسي ــ سعودي على خفض الإنتاج: هل تتجاوز «أوبك» تداعيات «حرب الأسعار»
أعطت روسيا والسعودية، أمس، الضوء الأخضر لقرار يرتقب أن تقرّه مجموعة الدول المصدّرة للنفط «أوبك» خلال الشهر بتمديد خفض الإنتاج حتى شهر آذار من عام 2018.
الضوء الأخضر الروسي ــ السعودي جاء في بيان مشترك صدر في ختام المحادثات بين وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك ونظيره السعودي خالد الفالح، وبدت نتائجه سريعة على الأسواق العالمية التي سجّلت ارتفاعاً مباشراً لسعر البرميل.
وأشار البيان المشترك إلى أنّ الجانبين «اتفقا على ضرورة تمديد الاتفاقات (بشأن خفض الانتاج) لتسعة أشهر حتى 31 آذار عام 2018، تأكيداً لتصميم منتجي النفط على ضمان استقرار السوق وتوقع مسارها واستدامة تطورها»، لافتاً إلى أنّ هذا الإجراء يفترض أن يسمح بخفض مخزونات النفط إلى مستواها الوسطي في السنوات الخمس الأخيرة.
ويأتي هذا التوافق قبل أسبوعين من اجتماع للدول الأعضاء في «أوبك».
ومن المتوقع أن تجري روسيا والسعودية، أكبر دولتين مصدّرتين للخام، مشاورات مع الدول المنتجة الأخرى، للوصول إلى توافق كامل، قبل الخامس والعشرين من أيار الحالي، موعد الاجتماع.
من جهته، صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي في بكين، بأنه «متفائل» بشأن تمديد الاتفاق، مرحّباً باهتمام السعودية «بأسعار مستقرة وعادلة».
وأدى الإعلان الروسي ــ السعودي إلى ارتفاع سعر برميل النفط الخام إلى أكثر من 52 دولاراً، يوم أمس، بزيادة 1,50 دولار.
وسجلت أسعار النفط العالمية تراجعاً كبيراً منذ ثلاثة أعوام بسبب الفائض في العرض، وذلك بعدما عمدت دول منتجة، أبرزها السعودية، إلى شنّ ما بات يعرف بـ«حرب الأسعار»، وذلك لأسباب تراوحت بين السياسة والاقتصاد.
وكان واضحاً أن السعودية قد استهدفت في حربها تلك تحقيق هدفين، الأول يتعلق بالسعي إلى تقويض اقتصادات بعض الدول التي تعتمد في ميزانيتها على العائدات النفطية، ومن بينها إيران على وجه الخصوص؛ والثاني التأثير سلباً على الشركات العاملة في قطاع النفط الصخري الأميركي، الذي ترتبط الجدوى الاقتصادية لاستثماراتها بأسعار مرتفعة للبرميل.
وكان واضحاً أن السياسة النفطية هذه قد أصابت الجميع بنتائج سلبية، طالت السعودية ذاتها، التي واجهت منذ عام 2014 أسوأ أزمة مالية تشهدها منذ الفورة النفطية.
ويبدو أن هذه الأزمة المالية كانت كافية لكي ترفع المملكة النفطية الراية البيضاء، في الاجتماع الأخير الذي عقده وزراء النفط في «أوبك»، خلال شهر كانون الأول الماضي، بموافقتها على تخفيض سقف الإنتاج، مع استثناء إيران وليبيا ونيجيريا من هذا الإجراء، الذي يفترض أن يطبّق حتى منتصف عام 2017، بانتظار تمديد إضافي في اجتماع «أوبك» المقبل. ووفقاً للأرقام المنشورة عبر «وكالة الطاقة الدولية»، التي تتخذ من باريس مقرّاً لها، فإنّ منظمة الدول المصدّرة حققت 90 في المئة من هدف تخفيض الانتاج. كذلك، فإن ثلاث دول من خارج «أوبك» وصلت إلى الهدف أو تجاوزته، فيما اقتربت دول أخرى من الوصول إليه.
ويمكن الاستنتاج، بحسب بيانات «وكالة الطاقة الدولية»، أن منظمة الدول المصدّرة قامت بتخفيض الانتاج بشكل فعّال، بينما يُلاحظ أن دولاً أخرى من خارج الكارتيل تعمد إلى جعل إنتاجها النفطي ينخفض بشكل طبيعي.
وحتى الآن، تبدو الأجواء إيجابية في تمديد قرار خفض الإنتاج، لا سيما أن الأشهر الماضية أعادت بعضاً من الاستقرار إلى الأسواق العالمية.
وفي حال قررت «أوبك» تمديد القرار، في الخامس والعشرين من أيار، وهو يفترض أن يواكبه تحرك روسي مماثل، مع الدول المنتجة خارج «أوبك»، فإنّ التوقعات أن سعر البرميل سيتجاوز مستوى خمسين دولاراً خلال الأسابيع المقبلة.
ومع ذلك، فإن التطورات المستجدة في قطاع الطاقة لا تبعث على الكثير من التفاؤل، بشأن استقرار السوق النفطية، ذلك أن الفترة القليلة الماضية كشفت عن معادلات غير تقليدية في هذا الخصوص، لا سيما مع بروز النفط الصخري الأميركي كلاعب أساسي في المنظومة النفطية العالمية.
وأظهرت البيانات النفطية خلال الأشهر الماضية صحة التوقعات بأن الاتفاق الأخير في «أوبك» سيعيد الزخم الى قطاع النفط الصخري الأميركي، وهو ما يفسر استمرار ظاهرة كبح الأسعار العالمية، رغم قرار تخفيض الإنتاج.
ومن ضمن الظواهر المؤثرة في هذا المنحى، انخفاض كلفة استخراج النفط الصخري، قياساً إلى السنوات الماضية، نتيجة للتطوّر التقني في هذا المجال، والدعم غير المحدود الذي تتلقّاه الشركات الأميركية من قبل الرئيس دونالد ترامب.
وبعدما كانت كلفة استخراج النفط الصخري تتجاوز في بعض المناطق 100 دولار للبرميل – أربعة أضعاف المعدل الوسطي لكلفة استخراج برميل النفط الأحفوري في الشرق الأوسط – إلا أنها سرعان ما سجلت تراجعاً منذ عام 2014، لتصل حالياً إلى حوالى 30 دولاراً للبرميل كمعدّل وسطي، وحتى إلى 15 دولاراً في بعض الولايات الأميركية.
وإذا كانت الشركات الأميركية العاملة في مجال الوقود الصخري قد تجاوزت «حرب الأسعار» قبل ثلاثة أعوام، بتطوير الأبحاث الهادفة إلى خفض كلفة الانتاج، فإن ارتفاع سعر البرميل، نتيجة لخفض الانتاج في «أوبك» والدول التي تدور في فلك روسيا، سيدفع تلك الشركات نفسها إلى مضاعفة نشاطها في الولايات المتحدة، ما يبقي العرض أعلى من الطلب، ويبدّد بالتالي آمال بعض الدول في ارتفاع الأسعار.
ولعل هذا ما عكسته «أوبك» في تقريرها الشهري الأخير، حين أشارت إلى أن الأسواق العالمية ما زالت تعاني من وفرة المعروض، مناشدة منتجين آخرين، بما فيهم الولايات المتحدة، التوقف عن الضخّ بكميات كبيرة.
(الأخبار)
إضافة تعليق جديد