الأصل التلمودي لصلاة الجمعة عند المسلمين

02-11-2024

الأصل التلمودي لصلاة الجمعة عند المسلمين

د. زهير جمعة المالكي:

في كل يوم جمعة، يهرع الملايين من المسلمين إلى أداء طقس يسمونه "صلاة الجمعة" دون أن يمنح أحدهم نفسه الفرصة للتفكير أو السؤال: هل ما يفعلونه هو ما أمرهم الله أن يفعلوه؟ إن الله في القرآن يربط الثواب بالغاية من العمل وليس بالعمل ذاته. لذلك، يجب على من يقوم بأداء هذا الطقس المسمى "صلاة الجمعة" أن يفهم الغرض منه، ومن الذي فرضه، وكيف أصبح من "المعلوم من الدين بالضرورة".

إن المشكلة التي تواجه من يعتقدون بهذا الطقس هي عدم وجود دليل من القرآن على أن الله فرض عليهم هذه الصلاة بالكيفية التي يقومون بها اليوم؛ من إلغاء ركعتين من صلاة الظهر والاستعاضة عنهما بالخطبة، والاجتماع في المسجد في وقت الظهر. فالآية الوحيدة التي ورد فيها ذكر الجمعة تتحدث عن "الصلاة من يوم الجمعة"، ولم يرد فيها مصطلح "صلاة الجمعة". الرسول قد أدى هذه الصلاة بالطريقة التي وضعوها لهذه الصلاة. كما أن الذين اخترعوا هذا الطقس اختلفوا فيما بينهم في طبيعته وحكمه، ما بين كونه فرض عين أو فرض كفاية أو سنة. بل إن من بين كبار فقهائهم من امتنع عن أدائها 25 سنة حتى مات. فمن أين جاءت وكيف اخترعوا هذا الطقس؟

وكان أول من فعل ذلك عراب التلموديات كعب بن ماتع (الأحبار) ووهب بن منبه، مستغلين تلاميذهما من أمثال أبي هريرة وأنس بن مالك وأمثالهم. فلو رجعنا إلى أصل تقديس اليوم السادس من الأسبوع، نجد أول ذكر له في سفر التكوين في التوراة؛ ففي سفر التكوين في الإصحاح (1) ينتهي الله من خلق العالم مع الإنسان في اليوم السادس. قبل الخلق، لم يكن هناك شجر بعد، ولا مطر، ولا إنسان؛ كانت الأرض خالية وعديمة الشكل. لكن في اليوم السادس، أمر الله بأن تخرج الأرض أجناسًا من البهائم ووحوش الأرض، ومن كل ما يدب أو يزحف. فكان كذلك. فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها، والبهائم كأجناسها. ورأى الله ذلك أنه حسن.

وقال الله: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ." فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلَأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ.»

وقال الله: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا. وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ، وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ، وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا.» وَكَانَ كَذلِكَ. وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ، فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَباحٌ يَوْمًا سَادِسًا. وبعد أن أكمل خلقه، استراح الله في اليوم السابع، وهو يوم السبت.

هذا المقطع من سفر التكوين تحول على يد كعب بن ماتع (الأحبار) وأبي هريرة إلى حديث في تقديس يوم الجمعة؛ فقد جاء في موطأ مالك الحديث 5272 عن أبي هريرة وخروجه إلى الطور للقاء كعب. وقد تأيد هذا التقديس بحدث آخر مصدره من تلموديات وهب بن منبه، يرويه الأصبهاني في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء".

من أجل تشجيع الناس على الحضور إلى المسجد، قام تميم الداري بإقناع عمر بن الخطاب باستحداث طقس جديد لم يكن معروفًا زمن الرسول، وهو القصص كما يروي الذهبي. وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" عن تميم الداري: "كان أول من قص، استأذن عمر بن الخطاب في ذلك فأذن له". وكان عمر بن الخطاب يجلس إليه بنفسه ويستمع إلى قصصه. فاستأذن تميم رضي الله عنه في ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأذن له أن يذكر يومين من الجمعة، فكان تميم يفعل ذلك". وهو أول من ابتدع القصص. وكما قال ابن الجوزي في كتابه "القصاصين والمذكرين": "كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَدْعِي مِنْ كَعْبٍ الْمَوْعِظَةَ".

وأورد حديثًا آخر: "أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَد قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يومًا وَأَنَا عِنْدَهُ: يَا كَعْبُ، خَوِّفْنَا. فقلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أوليس فِيكُمْ كِتَابُ اللَّهِ وَحِكْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ خَوِّفْنَا".

من الطقوس التي استحدثها تميم في المساجد أنه كان "أول من أسرج السراج في المسجد النبوي". كذلك، أدخل فكرة المنبر الكنسي إلى المساجد، وصنع حديثًا رواه ابن حجر العسقلاني في "شرح البخاري" عن وضع منبر للرسول. لم يكتف تميم الداري بذلك، بل استعار الشروط التي وضعها الأحبار في صلاة (مشاف)، وهي صلاة يوم السبت، وأخرجها في صورة حديث نسبه للنبي. وعن تميم الداري: "الجمعة واجبة إلا على صبي أو مملوك أو مسافر"، أخرجه البيهقي والطبراني، ورواه رجاء بن مرجى الغفاري في "سننه".

وهذا الاستثناء مأخوذ من الإسرائيليات التي أدخلها تميم الداري؛ ففي اليهودية تُعفى النساء من الصلاة في "المنيان"، وهو نصاب صلاة الجماعة الذي يتكون من عشرة رجال بالغين في الكنيس. وجعل صلاة الجمعة لا تُقام إلا بنصاب محدد، مثلما هو الحال عند اليهود.

في التلموديات، حثت البركة الثامنة من البركات الثماني عشرة على حضور صلاة الجماعة في الكنيس، وجاء فيها: "من أدى الصلاة جماعة اعتبره الله في جملة عبيده وخدمه، وفي جملة أولئك الذين يساعدون أبناءه في الخلاص من أيدي أبناء الشعوب الأخرى"، وجاء: "من أحجم عن زيارة كنيس مدينته عد جار سوء لهذا الكنيس". تم تحويل هذه الكلمات التلمودية إلى حديث على لسان أبي الجعد الضمري يقول: "مَن ترَكَ ثلاثَ جُمَعٍ تَهاوُنًا بِها، طبعَ اللَّهُ على قلبِهِ" (الراوي: أبو الجعد الضمري - الترغيب والترهيب).

تبدأ طقوس صلاة الجماعة التلمودية بـ"البارخو"، وهي النداء للصلاة، وتتم وقوفًا، وتقول كلمات البارخو: "عظموا أدوناي، فتعظيمنا له واجب الآن وإلى الأبد". في الاستعداد للصلاة (الوضوء)، قاموا بتغيير الغسل الذي فصله القرآن، فاستبدلوا مسح الأرجل الذي ورد في القرآن بما ورد في سفر الخروج (40: 30): "ووضع المرحضة بين خيمة الاجتماع والمذبح وجعل فيها ماء للاغتسال، ليغسل منها موسى وهارون وبنوه أيديهم وأرجلهم. عند دخولهم إلى خيمة الاجتماع وعند اقترابهم إلى المذبح يغسلون كما أمر الرب موسى". وجاء في كتاب "قول حكماء أرض إسرائيل في التلمود البابلي": "وإذا تعذر ذلك ولم يجد الماء فهو يستطيع أن يستعمل التراب أو الصخر أو نشارة الخشب لتنقية اليدين".

في صلاة المسلمين الاعتيادية، يكون هناك شخص يقود الصلاة يسمى إمام الصلاة، ويقف مواجهًا القبلة، ويقف المصلون خلفه لمواجهة القبلة لقوله تعالى في القرآن: "فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ"، ولكن أهل التلموديات غيروا هذا النظام، فاستعاروا دور "شليح صبور" أو "حزان" في الصلاة اليهودية، حيث يواجه هذا الشخص المصلين. وهكذا، أصبح إمام الصلاة يتجه إلى القبلة في الركعتين، ويتجه إلى المصلين في الخطبة.

اليهود يدعون المصلين إلى أخذ محلاتهم قبل البدء في الصلاة بالقول: "أيها الكهنة، استعدوا لأعمالكم. أيها اللاويون، قفوا في مصاطبكم. أيها الإسرائيليون، خذوا مواقعكم"، وهذه هي الإقامة، فإنها علامة لبدء الصلاة أو مقدمة قصيرة للصلاة، وتحولت إلى الإقامة في الصلاة، فالإقامة هي الإعلام بالقيام إلى الصلاة بذكرٍ مخصوص.

خلاصة القول: إن القيمة الاعتبارية ليوم الجمعة قد تمّ تكريسها بعد مقتل النبي محمد مسمومًا، لاعتبارات سياسية وثقافية تتعلق بترسيخ دعائم الدولة. وهو أمر ينسحب على مفاهيم وسلوكات وممارسات أخرى تم استحداثها وتكريسها لم تكن معهودة في حياة الرسول. في هذه المرحلة، كان الحكام بحاجة إلى معرفة الذين يعترفون بهم حكامًا، لذلك اخترعوا صلاة اقتبسوها من التلمود وجعلوها دليلاً على الولاء. لذا، ظهرت أحاديث تجعل من "الجمعة" يومًا مقدسًا، ومن تغيب عنه فقد ارتكب معصية.

مجتمع للدراسات والأبحاث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...